الصواريخ والمسيّرات بين إيران وإسرائيل... الدروس المستفادة

دينامية الحرب الجديدة قد تأخذ المنطقة في الاتجاه المعاكس

ديف موراي/المجلة
ديف موراي/المجلة

الصواريخ والمسيّرات بين إيران وإسرائيل... الدروس المستفادة

للمرة الأولى، وفي سابقة غير منتظرة، نفّذت إيران، ليل 13-14 أبريل/نيسان، هجوما جويا واسع النطاق على إسرائيل، بعد أسبوعين من غارة دامية استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل، أدت إلى مقتل 13 شخصا بينهم العميد محمد رضا زاهدي، وهو قائد كبير في "فيلق القدس" الفرع الخارجي لـ"الحرس الثوري" الإيراني، وهو أيضا شخصية رئيسة في إدارة وتسليح الأذرع الإيرانية في سوريا ولبنان، وقد اعتبرت إيران ذلك انتهاكا صريحا لسيادتها لا يمكن تجاوزه دون رد.

هذا الهجوم الإيراني الذي بدأ نحو الساعة 20:00 بتوقيت غرينتش واستمر نحو خمس ساعات تحت اسم "الوعد الصادق"، مثّل الضربة المباشرة الأولى التي تُشن على الأراضي الإسرائيلية من الداخل الإيراني. وقد دوّت صفارات الإنذار في أكثر من 720 موقعا وأمر الجيش الإسرائيلي السكان في شمال مرتفعات الجولان المحتلة وفي مدن نيفاتيم وديمونة وإيلات الجنوبية بالبقاء قريبا من الملاجئ، فيما كانت عمليات اعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة التي قامت بها قوى إقليمية ودولية تضيء أجواء إسرائيل والأردن وسوريا وأصوات الانفجارات تُسمع في المدن الإسرائيلية بما فيها تل أبيب، مع محاولات الدفاعات الجوية الإسرائيلية إسقاط الصواريخ.

الرد الإسرائيلي لم يتأخر. اجتمع مجلس الحرب لمناقشة ردود الفعل على الهجوم الإيراني، وأعلن وزير الدفاع يوآف غالانت أن المواجهة مع إيران "لم تنته بعد" رغم التحذيرات الإيرانية بأن الرد سيكون أكبر بكثير من العمل العسكري إذا ردت إسرائيل على إيران". وفي 19 أبريل شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الصاروخية الانتقامية على مواقع عسكرية إيرانية بالقرب من أصفهان، وقد أُحيطت هذه الهجمات بكثير من الضبابية حيث لم تعترف إسرائيل رسميا بمسؤوليتها ولم تعترف إيران بحصولها، كما تناقضت الروايات حول مفاعيل هذه الهجمات والأسلحة المستخدمة.

وضعت هذه الهجمات غير المسبوقة المنطقة أمام نسق جديد من المواجهة بما يستدعي طرح جملة من التساؤلات المقلقة حيال المخاطر المترتبة عليها، وعلى دور الوكلاء، وقواعد الاشتباك المستجدة بين القوى الإقليمية في المرحلة المقبلة، وهل تؤسس هذه المواجهة الدولية والإقليمية مع إيران لنشوء محاور وتحالفات جديدة في المنطقة؟

أولا: الهجوم الإيراني على إسرائيل

اعتمد الهجوم غير المسبوق ضد الداخل الإسرائيلي على الاستخدام الكثيف لطائرات دون طيار وصواريخ كروز وصواريخ باليستية بما مثّل استعراضا متعمدا للقدرات الإيرانية، والذي قدرته أكثر من جهة- ومنها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري في بيان متلفز- بــ170 طائرة مسيرة و30 صاروخ كروز، وما لا يقل عن 110 صواريخ باليستية. وقد صرح "الحرس الثوري" الإيراني بأن إطلاق الصواريخ الباليستية أتى بعد ساعة تقريبا من إطلاق الطائرات دون طيار التي تتحرك بشكل أبطأ، بحيث تضرب إسرائيل في الوقت نفسه، وبالتزامن مع ذلك صرح "حزب الله" بأنه أطلق وابلين من الصواريخ على قاعدة عسكرية إسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة.

تدير إسرائيل مجموعة من الأنظمة لمنع الهجمات بدءا من الصواريخ الباليستية ذات المسارات ما فوق الغلاف الجوي إلى صواريخ كروز، وصواريخ تحلق على ارتفاع منخفض

ووفقا لوكالة "تسنيم" للأنباء التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني، فإن التكتيك المستخدم تمثّل في إشباع القبة الحديدية ومقلاع داود بموجة أولى مكونة من مئات الطائرات دون طيار من طراز "شاهد-136" الانتحارية، وطائرات "شاهد-238" دون طيار وهي الأحدث والأسرع، لتمهيد الطريق أمام عشرات الرحلات البحرية والصواريخ الباليستية في الموجة الثانية.

أما الصواريخ المستخدمة في الهجوم، فهي "عماد" (وهو صاروخ باليستي متوسط المدى مصمم إيرانيا يعمل بالوقود السائل، وهو مشتق من "شهاب-3) برأس حربي يبلغ 750 كلغ، وصاروخ "قدر-110" (وهو صاروخ باليستي متوسط المدى صممته وطورته إيران، ويتراوح مداه من 1800 إلى 2000 كلم) برأس حربي يتراوح بين 650 كلغ و1000 كلغ، و"خيبر شيكان" (وهو صاروخ باليستي إيراني متوسط المدى يعمل بالوقود الصلب وتشغله القوة الجوية الفضائية التابعة لـ"الحرس الثوري") برأس حربي يزن 500 كلغ، وربما "شهاب-3-بي" (وهي عائلة من الصواريخ الباليستية التي تعمل بالوقود السائل طورتها إيران وتعتمد على صاروخ "نودونغ-1" الكوري الشمالي) برأس حربي يزن 700 كلغ.

أما على صعيد الإجراءات المضادة للهجوم، فقد أغلقت كل من إسرائيل والعراق والأردن ولبنان وسوريا والكويت مجالها الجوي، كما أغلقت إيران مجالها الجوي أمام رحلات (VFR) التي تعتمد قواعد الطيران المرئي فقط، ووضعت مصر وسوريا دفاعهما الجوي في حالة تأهب قصوى. وفي نحو الساعة 2:00 من ليل 13-14 أبريل، انطلقت صفارات إنذار الغارات الجوية في جميع أنحاء إسرائيل والضفة الغربية والبحر الميت ودوّت انفجارات ناجمة عن اعتراضات نظام القبة الحديدية قصيرة المدى.

ثانيا: كيف تصدّت المنظومة الإسرائيلية للهجوم الإيراني؟

تدير إسرائيل مجموعة من الأنظمة لمنع الهجمات بدءا من الصواريخ الباليستية ذات المسارات ما فوق الغلاف الجوي إلى صواريخ كروز، وصواريخ تحلق على ارتفاع منخفض.

احتل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي- وهي الطبقة السفلية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي- صدارة الأخبار في كثير من الأحيان لا سيما منذ بدء الهجوم على غزة، حيث تنشر إسرائيل ما لا يقل عن 10 بطاريات للقبة الحديدية مجهزة برادار لاكتشاف الصواريخ ونظام قيادة وسيطرة قادر على احتساب مخاطر أي مقذوف وإطلاق صواريخ من الأرض لتدميره في الجو. وهذا النظام مصمم لاعتراض وتدمير الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية من مسافات تتراوح بين 4 إلى 70 كيلومترا.

المستوى التالي في سلم الدفاع الصاروخي هو "مقلاع داود"، القادر على التعامل مع التهديدات قصيرة ومتوسطة المدى. ويستخدم نظام "مقلاع داوود"- وهو مشروع مشترك بين نظام رافائيل الدفاعي المتقدّم الإسرائيلي وعملاق الدفاع الأميركي رايثيون- صواريخ اعتراضية من طراز "Stunner"، و"SkyCeptor" لضرب الصواريخ الباليستية قصيرة المدى وصواريخ كروز والطائرات دون طيار على بعد يصل إلى 186 ميلا.

استخدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأردن قدراتها الخاصة لاعتراض المقذوفات الإيرانية، كما نشرت فرنسا قواتها البحرية لتوفير التغطية الرادارية

أما المستوى الثالث فهو نظاما "Arrow-2"، و"Arrow-3" الإسرائيليان اللذان تم تطويرهما بالاشتراك مع الولايات المتحدة. يستخدم (Arrow-2) رؤوسا حربية متشظية لتدمير الصواريخ الباليستية القادمة في مرحلتها النهائية– أثناء غوصها نحو أهدافها– في الغلاف الجوي العلوي، حيث يبلغ مدى الصاروخ (Arrow-2) نحو 56 ميلا ويبلغ أقصى ارتفاع له 32 ميلا، ويعتبر نظام (Arrow-2) النسخة المتطورة لصاروخ باتريوت الأميركي. أما نظام (Arrow-3) فيستخدم تقنية (hit-to-kill) لاعتراض الصواريخ الباليستية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت قبل أن تدخل الغلاف الجوي مرة أخرى في طريقها إلى الأهداف ويصل مداه إلى 2400 كلم. وبالإضافة إلى كل ذلك تستخدم إسرائيل طائرات الشبح "F-35" لإسقاط طائرات دون طيار وصواريخ كروز.

يقول الأدميرال هاغاري في تصريح له إن نحو 99 في المئة من المقذوفات القادمة تم اعتراضها إما خارج المجال الجوي الإسرائيلي وإما فوق البلاد نفسها، ويشمل ذلك جميع الطائرات دون طيار وصواريخ كروز، التي تتبع مسارا مسطحا، ومعظم الصواريخ الباليستية، التي يتم إطلاقها على مسار قوسي يستخدم الجاذبية للوصول إلى سرعات عالية جدا. هذا وقد استفادت إسرائيل من مسافة المسير الطويلة من إيران إلى إسرائيل وهي حوالي 1000 كيلومتر (620 ميلا) عبر العراق وسوريا والأردن فأرسلت مقاتلات الشبح من طراز "F-35" لاعتراض المقذوفات القادمة على مسافات بعيدة، وبما يمكن اعتباره خط الدفاع الأول، حيث تم إسقاط 25 من أصل 30 صاروخا أطلقتها إيران قبل أن تبلغ الأجواء الإسرائيلية. وفي مواجهة ما يتجاوز خط الدفاع الأول هذا، استخدمت إسرائيل منظومة الدفاع الجوي الثلاثية المستويات الخاصة بها.

هذا وقد سُجلت لقطات مصورة لاعتراض أحد الصواريخ وإسقاطه خارج الغلاف الجوي للأرض باستخدام نظام "Arrow-3" وهو أكثر هذه الأنظمة تقدما، كما نجح نظام القبة الحديدية- المصمم لاعتراض الصواريخ غير الموجهة المتجهة إلى المناطق السكنية– في التعامل مع التهديد الذي تشكله الطائرات دون طيار، حيث إن أيا من هذه الـ170 التي أطلقتها إيران لم تصل إلى المجال الجوي الإسرائيلي.

ثالثا: في أدوار الدول المشاركة

لم تكن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي على المستوى الكمي قادرة على مواجهة كثافة الهجوم الإيراني، فتحول الموقف إلى ما يمكن اعتباره مواجهة جوية عابرة للحدود شاركت فيها تسع دول على الأقل، حيث أُطلقت مقذوفات من إيران والعراق وسوريا واليمن وأسقطتها إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأردن وفرنسا. وقد تولت الولايات المتحدة تنسيق الدفاع المتعدد الجنسيات عن إسرائيل، من شمال العراق إلى جنوب الخليج العربي، من مركز العمليات الجوية المشتركة في قاعدة "العديد" الجوية في قطر.

ديف موراي/المجلة

وقد استخدمت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأردن قدراتها الخاصة لاعتراض المقذوفات الإيرانية، كما نشرت فرنسا قواتها البحرية لتوفير التغطية الرادارية.

وفي هذا السياق، صرح الرئيس الأميركي جو بايدن بأن القوات الأميركية "ساعدت إسرائيل في إسقاط جميع" الطائرات دون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران، وأن الولايات المتحدة نقلت طائرات وسفنا حربية إلى المنطقة قبل الهجوم غير المسبوق، حيث نشرت المدمرات "USS Carney"، و"Arleigh Burke" نظام الدفاع الصاروخي "إيجيس" المضاد للصواريخ الباليستية، كما أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أن قواتها دمرت أكثر من 80 طائرة مسيرة فوق جنوب سوريا بالقرب من الحدود مع الأردن، وستة صواريخ باليستية على الأقل.

أجمعت المصادر على أن عددا قليلا من الصواريخ الباليستية من أصل 120 أفلتت من الدفاعات الجوية وسقطت في الأراضي الإسرائيلية

بدوره، أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني "تايفون" أسقطت أيضا عددا من الطائرات الهجومية الإيرانية دون طيار، وقد أشرف على الوحدة البريطانية المشاركة توني راداكين، رئيس أركان الدفاع بالقوات الجوية الملكية، حيث أسقطت الطائرات المقاتلة من طراز "تايفون" عددا غير محدد من الطائرات الإيرانية دون طيار. هذا وقد تم نشر طائرات من سلاح الجو الملكي البريطاني "أكروتيري" في جزيرة قبرص ورومانيا، كما قدمت المملكة المتحدة الدعم الاستخباراتي والمراقبة والاستطلاع.

رويترز
سماء عمان، العاصمة الاردنية، بعد اعتراض مسيرة ايرانية كانت اطلقت على اسرائيل

بدورها نشرت فرنسا أصولا بحرية لمساعدة إسرائيل، وصرح الرئيس إيمانويل ماكرون في وقت لاحق بأن فرنسا انضمت إلى اعتراض الطائرات دون طيار الإيرانية بناء على طلب من الأردن الذي فتح مجاله الجوي أمام الطائرات الحربية الأميركية والإسرائيلية رغم التحذيرات الإيرانية، كما اعترض أيضا الأجسام الطائرة التي دخلت مجاله الجوي لتأمين سلامة مواطنيه، معتبرا تدخله بمثابة عمل من أعمال الدفاع عن النفس ومحاولة مشروعة لحماية المجال الجوي للبلاد وأراضيها ومواطنيها.

وفي المحصلة أجمعت المصادر على أن عددا قليلا من الصواريخ الباليستية من أصل 120 أفلتت من الدفاعات الجوية وسقطت في الأراضي الإسرائيلية، إذ سقطت أربعة منها في قاعدة نيفاتيم الجوية– حيث تتمركز الطائرات المقاتلة من طراز "F-35" في البلاد- والتي قال المسؤولون إنها الهدف الرئيس لإيران، مما أدى إلى إلحاق أضرار بطائرة نقل من طراز "C-130"، ومَدرج غير مستخدم، ومرافق تخزين فارغة. بالإضافة إلى ذلك، سقطت أربعة صواريخ باليستية أخرى على قاعدة رامون الجوية دون إلحاق أضرار، وأظهرت الصور التي نشرها سلاح الجو الإسرائيلي في وقت مبكر من اليوم التالي للهجوم طائرات مقاتلة من طراز "F-35" و"F-15" تعود إلى قواعدها في إسرائيل بعد ما سمي "الاعتراضات الناجحة، ومهام الدفاع الجوي".

هذا وقد تولى مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة بعد ساعات من بدء الهجمات الإعلان عن أن الهجوم الانتقامي "يمكن اعتباره منتهيا" وأن إيران سترد بإجراءات "أقوى وأكثر حزما" إذا ارتكبت إسرائيل "خطأ آخر"، وقد حث الولايات المتحدة على الابتعاد عن الصراع الإيراني الإسرائيلي. واعتبر الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي أن إيران لقّنت إسرائيل "درسا" من خلال الهجوم، كما وعد المرشد الأعلى، وكما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني بأن الضربات الإيرانية كانت عملا محدودا للدفاع عن النفس وأن على الدول الغربية أن تقدر "ضبط النفس" الذي تمارسه طهران.

رابعا: الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني

في ساعة مبكرة من صباح 19 أبريل دوّت سلسلة انفجارات بالقرب من مدينة أصفهان وسط إيران، بما يشكل حدثا لا يمكن استبعاده عن سياق من التوترات المتصاعدة التي شهدت هجوما إسرائيليا على مجمع دبلوماسي إيراني في سوريا، وهجوما إيرانيا غير مسبوق على إسرائيل.

وتعد منطقة أصفهان موطنا لبنية تحتية عسكرية إيرانية كبيرة، تتضمن قاعدة جوية كبيرة ومجمعا كبيرا لإنتاج الصواريخ والكثير من المنشآت النووية وشركة صناعة الطائرات الإيرانية التي أنتجت مسيرات "شاهد-129"، و"شاهد-136"، فضلا عن إنتاج الوقود وأنشطة أخرى للبرنامج النووي المدني الإيراني، وبما يجعلها هدفا ثمينا يتصدر ردود الفعل الإسرائيلية على الهجوم الإيراني.

لم تتسبب الضربة على أصفهان في أضرار جسيمة، كما أن الطريقة الهادئة التي تعامل بها البلدان تشير إلى اتجاههما لعدم التصعيد

وقد التزمت إسرائيل الصمت بعد وقوع الهجوم على أصفهان، ورفض جيشها التعليق على الأمر، كما طلبت من سفاراتها في دول العالم أن لا تعلق على الهجوم. هذا وقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم 20 أبريل، أن صورا التقطتها أقمار صناعية تظهر أن الهجوم الإسرائيلي على قاعدة "هشتم شكاري" الجوية في أصفهان أصاب جزءاً مهماً من منظومة للدفاع الجوي، وأضافت أن الهجوم الذي استخدم ذخائر دقيقة التوجيه على القاعدة القتالية الجوية الثامنة في أصفهان، أدى إلى إتلاف أو تدمير رادار يستخدم لتتبع الأهداف في أنظمة الدفاع الجوي "إس-300".

وبصرف النظر عن الادعاءات المتضاربة حول حجم الهجوم على منطقة أصفهان الذي تقلل وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية من أهميته ومدى الأضرار الناتجة عنه، فإن هناك إجماعا بين الخبراء على أن القاعدة الإيرانية قد تعرضت لهجوم بصاروخ جو-أرض وليس لهجوم بطائرات مسيرة.

أما لجهة التعرف إلى نوع الصاروخ المستخدم في الهجوم من خلال تحليل صور الحطام الذي سقط على بعد 60 كيلومترا جنوب غربي العاصمة بغداد، فيرجح البعض أنه صاروخ "بلو سبارو" الإسرائيلي الصنع، فيما يرجح البعض الآخر أنه صاروخ "الهيجان" أو "Rampage" الذي يمتاز بسرعة تفوق سرعة الصوت، بما يجعل من الصعب اكتشافه واعتراضه باستخدام أنظمة الدفاع الجوي المعتادة، فقد تم تصميمه لاختراق وتدمير المناطق المحمية مثل المخابئ، وهو يُعد جزءا من الصناعات العسكرية الإسرائيلية وصناعات الفضاء الإسرائيلية المتطورة. هذا وقد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا يشير إلى استخدام إسرائيل صاروخا عالي التقنية في الهجوم على الدفاعات الجوية الإيرانية، بما يمكن اعتباره خطوة نوعية لتحذير إيران من الاستمرار في هجماتها المباشرة على إسرائيل.

لم تتسبب الضربة على أصفهان في أضرار جسيمة، كما أن الطريقة الهادئة التي تعامل بها البلدان مع التقارير المتعلقة بالهجوم تشير إلى اتجاههما لعدم التصعيد في الوقت الحالي على الأقل، فربما تعرضت إسرائيل لضغوط دولية ضخمة من الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين كي لا تتخذ أي إجراء من شأنه أن يحوّل الحرب بالوكالة بين الخصمين في الشرق الأوسط إلى صراع مباشر، والاكتفاء بتوجيه رسالة إلى طهران بأن إسرائيل قادرة على شن ضربة في أي مكان في إيران.

خامسا: الاستنتاجات والمخاطر

يقول توم فليتشر، مستشار السياسة الخارجية لعدد من رؤساء وزراء المملكة المتحدة وسفير المملكة المتحدة السابق في لبنان، إن الهجوم الإيراني كان "مؤشرا مخيفا على قدرة إيران ومدى نفوذها، وأن الهجوم الإيراني غير المسبوق قد تم التخطيط له بعناية".

ويضيف: "لقد أطلقت إيران تحذيرات قبل تنفيذ تلك الهجمات، مما جعل من السهل التصدي لها. لقد أثبت هذا الهجوم أن إسرائيل لا تدرك أنها تتعامل مع دولة كبيرة في الشرق الأوسط، وعليها أن لا تتجاهل موازين القوة في المنطقة حاليا، كما أثبت أن إسرائيل لا تستطيع أن تمنع إيران إذا أرادت توجيه ضربات للداخل الإسرائيلي".

دينامية الحرب الجديدة بين إسرائيل وإيران قد تأخذ المنطقة إلى شرق أوسط جديد

يؤشر موقف فليتشر إلى قلق غربي أكيد من تنامي القدرات الإيرانية وربما يدق ناقوس الخطر حيال ضرورة إعادة النظر في كل السياسات الغربية التي اعتمدت في المنطقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية. إن قراءة متأنية لدقائق الهجوم والتداعي الغربي والإقليمي للمواجهة تؤدي إلى جملة من الاستنتاجات وتطرح الكثير من المخاطر:

1-     يتلمس الغرب الخطر الوجودي على إسرائيل بعد الهجوم الإيراني المباشر الأول وهو أكبر هجوم صاروخي لها على الإطلاق، وأقوى ضربة بطائرات دون طيار في التاريخ العسكري، وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى قيادة المواجهة.

2-     من السهل التسرع في التوصل إلى استنتاج مفاده أن الهجوم كان فشلا ذريعا، نظرا للمعدل شبه المثالي لاعتراض الطائرات دون طيار والصواريخ الإيرانية من قبل القدرات الغربية والعربية وبنية الدفاع الصاروخي الإسرائيلية المتعددة الطبقات. ولكن التساؤل المشروع في المقابل يقضي بالبحث عن أسباب إبلاغ واشنطن وعواصم عدة عربية وأوروبية بالضربة قبل انطلاقها بأيام، مما أدى إلى هذا التناغم والتوازن بين المقذوفات الإيرانية ووسائط الاعتراض المتعددة المصادر. وهذا يطرح الكثير من نقاط الاستفهام حيال الازدواجية في العلاقة الإيرانية الأميركية ومخاطر وفرص استمرار نظام المصالح القائم بينهما.

3-     إن نجاح إسرائيل في مواجهة الهجوم الإيراني مرده مزيج من نظام الدفاع الجوي المتطور والمساعدة الحاسمة التي قدمتها الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الغربيين والعرب. لقد أظهر الهجوم أن إسرائيل لديها اكتفاء ذاتي محدود في المسائل الأمنية، وأن قدرتها على اتخاذ عمل استراتيجي مباشر وشامل قد أصبحت مقيدة وأن حسابات الردع في المنطقة قد تغيرت.

4-     إن دينامية الحرب الجديدة بين إسرائيل وإيران قد تأخذ المنطقة في الاتجاه المعاكس، بما يفضي إلى شرق أوسط جديد، حيث سترتكز قواعد الاشتباك إلى نظام القيادة والسيطرة الذي تسعى إليه أميركا مع إسرائيل والدول العربية المجاورة والذي أثبت فعاليته في اكتشاف التهديدات والتعامل معها، وقد تكون هذه هي الصورة الجديدة للعرب والغربيين المجتمعين معا لمواجهة تهديد مشترك.

font change

مقالات ذات صلة