للمرة الأولى، وفي سابقة غير منتظرة، نفّذت إيران، ليل 13-14 أبريل/نيسان، هجوما جويا واسع النطاق على إسرائيل، بعد أسبوعين من غارة دامية استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل، أدت إلى مقتل 13 شخصا بينهم العميد محمد رضا زاهدي، وهو قائد كبير في "فيلق القدس" الفرع الخارجي لـ"الحرس الثوري" الإيراني، وهو أيضا شخصية رئيسة في إدارة وتسليح الأذرع الإيرانية في سوريا ولبنان، وقد اعتبرت إيران ذلك انتهاكا صريحا لسيادتها لا يمكن تجاوزه دون رد.
هذا الهجوم الإيراني الذي بدأ نحو الساعة 20:00 بتوقيت غرينتش واستمر نحو خمس ساعات تحت اسم "الوعد الصادق"، مثّل الضربة المباشرة الأولى التي تُشن على الأراضي الإسرائيلية من الداخل الإيراني. وقد دوّت صفارات الإنذار في أكثر من 720 موقعا وأمر الجيش الإسرائيلي السكان في شمال مرتفعات الجولان المحتلة وفي مدن نيفاتيم وديمونة وإيلات الجنوبية بالبقاء قريبا من الملاجئ، فيما كانت عمليات اعتراض الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة التي قامت بها قوى إقليمية ودولية تضيء أجواء إسرائيل والأردن وسوريا وأصوات الانفجارات تُسمع في المدن الإسرائيلية بما فيها تل أبيب، مع محاولات الدفاعات الجوية الإسرائيلية إسقاط الصواريخ.
الرد الإسرائيلي لم يتأخر. اجتمع مجلس الحرب لمناقشة ردود الفعل على الهجوم الإيراني، وأعلن وزير الدفاع يوآف غالانت أن المواجهة مع إيران "لم تنته بعد" رغم التحذيرات الإيرانية بأن الرد سيكون أكبر بكثير من العمل العسكري إذا ردت إسرائيل على إيران". وفي 19 أبريل شنت إسرائيل سلسلة من الضربات الصاروخية الانتقامية على مواقع عسكرية إيرانية بالقرب من أصفهان، وقد أُحيطت هذه الهجمات بكثير من الضبابية حيث لم تعترف إسرائيل رسميا بمسؤوليتها ولم تعترف إيران بحصولها، كما تناقضت الروايات حول مفاعيل هذه الهجمات والأسلحة المستخدمة.
وضعت هذه الهجمات غير المسبوقة المنطقة أمام نسق جديد من المواجهة بما يستدعي طرح جملة من التساؤلات المقلقة حيال المخاطر المترتبة عليها، وعلى دور الوكلاء، وقواعد الاشتباك المستجدة بين القوى الإقليمية في المرحلة المقبلة، وهل تؤسس هذه المواجهة الدولية والإقليمية مع إيران لنشوء محاور وتحالفات جديدة في المنطقة؟
أولا: الهجوم الإيراني على إسرائيل
اعتمد الهجوم غير المسبوق ضد الداخل الإسرائيلي على الاستخدام الكثيف لطائرات دون طيار وصواريخ كروز وصواريخ باليستية بما مثّل استعراضا متعمدا للقدرات الإيرانية، والذي قدرته أكثر من جهة- ومنها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري في بيان متلفز- بــ170 طائرة مسيرة و30 صاروخ كروز، وما لا يقل عن 110 صواريخ باليستية. وقد صرح "الحرس الثوري" الإيراني بأن إطلاق الصواريخ الباليستية أتى بعد ساعة تقريبا من إطلاق الطائرات دون طيار التي تتحرك بشكل أبطأ، بحيث تضرب إسرائيل في الوقت نفسه، وبالتزامن مع ذلك صرح "حزب الله" بأنه أطلق وابلين من الصواريخ على قاعدة عسكرية إسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة.