لا بدّ أن أول ما سيخطر في بال القارئ وهو يسمع خبر صدور أنطولوجيا شعرية فلسطينية (دار مرفأ/ بيروت) هو توقيت نشرها وربط ذلك بما يحدث في غزة منذ أشهر. هذا الإيحاء السياسي، خصوصا في الحالة الفلسطينية، ليس مستبعدا طبعا ولا يمكن تجنّبه في خبر كهذا، ولكن الأنطولوجيا الصادرة بعنوان "تلك الكلمة المقدّسة" – مع توفّرها على هذا المعنى – تحاول أن تتجاوز هذا الاختصار السياسي والنضالي إلى ما يمكن تسجيله باسم الشعر فقط. هناك شبه استحالة طبعا في فصل أي شعر فلسطيني عن هويته، ولكن ما نقرأه لا يطالبنا بإلحاح بهذا الفصل، ويمنحنا في الوقت نفسه فرصة قراءة هذه الهوية وتجلياتها في نتاج مجموعة من الشاعرات الفلسطينيات اللواتي تحضر فلسطين، بطريقة أو بأخرى، في نصوصهن، إلى جانب نصوص أخرى تجرب الذهاب إلى الشعر من دون، أو مع تخفيف، الحمولة السياسية والوطنية للهوية والذاكرة.
بحسب العنوان الفرعي للأنطولوجيا التي أعدتها وقدمت لها الشاعرة نداء يونس، هي "أنطولوجيا معاصرة لشعر المرأة الفلسطينية"، و"تقدم مختارات لأجيال متعاقبة من الشاعرات الفلسطينيات المعاصرات اللواتي يكتبن من المهجر والمنافي، ومن فلسطين المحتلة عام 1948، كما هو الحال بالنسبة إلى شاعرات من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. وتوفر نظرة بانورامية إلى الشعر الذي تكتبه الفلسطينيات منذ سبعينات القرن العشرين في المنافي والوطن المحتل".
تفاوت
إن تحديد الفترة الزمنية وحصرها بين السبعينات والوقت الراهن، هو إشارة إلى انتماء القصائد التي تضمها الأنطولوجيا ليس إلى ما هو معاصر فلسطينيا فحسب، بل إلى ما هو شعر معاصر بالمطلق أيضا. ما نحن مدعوّون إلى قراءته هو شعر ينبغي أن يشبه أي شعر آخر تكتبه شاعرات من جغرافيات وهويات ولغات أخرى، ويشبه – بالتالي – ما يكتبه شعراء معاصرون ذكور أيضا. وهذا يعني أيضا أن ما سنقرأه لن يكون على سوية واحدة من الجودة، وأن التفاوت بين تجربة وأخرى، وداخل التجربة الواحدة، سيكون ممكنا وطبيعيا. سيظل الهاجس السياسي حاضرا والخصوصية الفلسطينية حاضرة، ليس فقط في الخلفية ونحن نقرأ النصوص، بل سنجد ذلك في بنية وطريقة كتابة العديد من النصوص. إذْ كيف يمكن النجاة من اسم فلسطين بكل معانيه في سياق كهذا حتى لو كان شعريا فقط. بل حتى في الشعر لطالما كانت فلسطين اسما ومجازا وموضوعا شعريا أيضا.