لماذا ينخرط البشر في الحرب أو الحب؟ غالبا ما تُعزى مثل هذه السلوكيات إلى جوهرنا النفسي، الذي يُطلق عليه لسبب غريب "الطبيعة البشرية". ولكن كيف نميز هذه الطبيعة عن مفاهيم مثل "الثقافة" أو "الحضارة"؟ تشير هذه المصطلحات إلى أن معاييرنا وعاداتنا الاجتماعية، بما في ذلك القانون وآداب السلوك، تفرض على سماتنا الجوهرية ولا تشكل جزءا أساسيا من هويتنا.
إذن، ما الذي يحدد إنسانيتنا حقا، وكيف يمكننا التأكد من ذلك؟ أحد الأساليب المباشرة هو البحث عن هويتنا قبل فجر الحضارة، في العصر المعروف باسم "ما قبل التاريخ". مع ذلك، تفتقر عصور ما قبل التاريخ إلى السجلات التقليدية التي يمكن الاعتماد عليها، ولذلك نضطر إلى أن نفترض أو أن نستنتج ذلك بالاستناد إلى الاكتشافات الأثرية، مثل العظام أو الأدوات الحجرية أو الجداريات القديمة.
إن دراسة عصور ما قبل التاريخ لن تسفر أبدا عن قصة تحتوي على أي شيء يشبه التفاصيل الدقيقة، ناهيك عن اليقينية، للأحداث التاريخية القريبة منا مثل الحرب العالمية الأولى. ولكن بالنظر إلى أن دراسة عصور ما قبل التاريخ، التي انغمس فيها وعمل عليها كبار الخبراء في مختلف التخصصات – بمشاركة بعض من أفضل علماء الحيوان والأعصاب والآثار والوراثة والفلسفة – منذ ما يقرب من ثلاثة قرون، تفتقر إلى اليقين التفصيلي الموجود في الروايات التاريخية الحديثة، فإن في إمكانها تسليط الضوء على خصائص البشر الأوائل وحياتهم.
تشكيك
لكن أستاذ التاريخ في جامعة نيويورك، ستيفانوس جيرولانوس يشكك في ذلك في كتابه الجديد "اختراع ما قبل التاريخ: الإمبراطورية، العنف، وهوسنا بأصل الإنسان" الصادر عن منشورات "نورتون"، ويؤكد أن العديد من النظريات حول بدايات البشرية في عصور ما قبل التاريخ لا يمكن أن تكون علما، وإنما "محض أيديولوجيا"، وهو يستخدم كلمة أيديولوجيا بمعناها الماركسي للإشارة إلى المعتقدات التي يتمسك بها الناس لا لأنها صحيحة يمكن التوثّق منها، بل لأنها تخدم مصالح الأقوياء. وينتقد جيرولانوس دراسات ما قبل التاريخ باعتبارها تدعي الموضوعية العلمية في حين أنها غالبا ما تكون أقرب إلى الخيال النرجسي منها إلى السعي العلمي المشروع.