لفهم خطاب "المرشد" الإيراني علي خامنئي، الاثنين الماضي، يجب العودة إلى حديثه إلى قادة "حماس" خلال استقباله لهم في طهران، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي... الاثنين قال خامنئي إن "عملية طوفان الأقصى جاءت في اللحظة المناسبة، وكانت هناك خطة لتغيير المعادلات في المنطقة"، وهو الذي كان قد قال في نوفمبر الماضي لإسماعيل هنية ورفاقه إن "حماس" لم تبلغ إيران بهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل، ومن ثم فإن الجمهورية الإسلامية لن تدخل الحرب نيابة عنها، وذلك بحسب ما ذكر ثلاثة مسؤولين كبار من "حماس" وإيران لـ"رويترز".
طبعا نفت طهران لاحقا هذه التصريحات، لكنه نفي كان يدحضه السياق العام للأحداث ومجمل التصريحات والأفعال الإيرانية، من ضمن استراتيجية "الصبر الاستراتيجي" التي اتبعتها إيران وجاهرت بها منذ السابع من أكتوبر 2023.
وفي المحصلة فإن "المرشد" الإيراني وبعد أن وبّخ "حماس" على عدم إبلاغها طهران بهجوم السابع من أكتوبر، وهو ما ينطوي على لوم لها على التوقيت الذي اختارته لتنفيذه، ها هو الآن يعتبر أن الحركة الفلسطينية نفذت عمليتها في "اللحظة المناسبة". فما عدا مما بدا؟
توقيت "حماس" وتوقيت "المرشد"
واقع الحال أن الفارق في كلام خامنئي بين الأول من نوفمبر والآن ليس مرده إلى حيرته في توقيت هجوم السابع من أكتوبر وما إذا كانت "حماس" صائبة فيه أم لا، بل هو يوظف الموقف من توقيت عملية "طوفان الأقصى" بحسب التوقيت الإيراني، أي بما يخدم الأجندة الإيرانية وأهدافها. ففي مطلع الحرب كان همّ إيران أن لا تصل نيران الحرب إلى أراضيها حتى لو احترقت غزة، وهذا كان الخط الأحمر الذي رسمته إيران في السرّ عبر القنوات الخلفية وفي العلن من خلال تصريحات مسؤوليها وبالأخص مبعوثها إلى الأمم المتحدة في نيويورك.
كانت طهران وقتذاك توظف كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية لتجنب "الكأس المرة"، أي إنجرارها إلى الحرب، ولذلك فهي كانت تتبادل الرسائل تحت الطاولة وفوقها مع الولايات المتحدة للاتفاق حول نقطة واحدة: عدم تحول الصراع في غزة إلى حرب إقليمية شاملة. وحتى بعدما "اضطرت" إيران إلى مهاجمة إسرائيل بما يزيد على 300 صاروخ ومسيرة ليل 13-14 أبريل/نيسان الماضي، فقد شغّلت كل محركاتها الدبلوماسية شرقا وغربا لتأكيد أنها لا تنوي الخروج عن "قواعد اللعبة". ثم وبعدها بأسابيع قليلة سرب خبر عن مفاوضات أميركية– إيرانية في عُمان قيل إن هدفها كان التأكيد على عدم توسيع الصراع في المنطقة فضلا عن "تفاهمات نووية"، وهو ما يمكن اعتباره، بالنظر إلى توقيت اللقاء، اتفاقا نهائيا بين الطرفين على عدم التصعيد.
بالتالي فإن خامنئي الذي اطمأن إلى مسار التطورات في المنطقة، ولاسيما إلى الاتفاق الضمني مع الأميركيين على حصر الصراع في غزة وفي جبهات الإسناد بوتائر مضبوطة، عاد وتبنى سياسيا عملية "طوفان الأقصى" واعتبر أنها كانت ضرورية للمنطقة لأنها أفشلت محاولات التطبيع مع إسرائيل. لكنه لم يأت على ذكر الـ36 ألف فلسطيني الذين قتلوا خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يجعل رد الرئاسة الفلسطينية عليه بأن إيران تضحي بدماء الفلسطينيين ردا واقعيا، لأن خامنئي قفز بكلامه فوق الحرب من بدايتها إلى نهايتها، بضحاياها وخسائرها، وأراد التوقف فقط عند ما يمكنه استثماره سياسيا منها، حتى لو لم يكن واقعيا، باعتبار أن خطة الرئيس الأميركي للسلام والتي أبدت "حماس" إيجابية تجاهها، تتضمن إقامة هيكل إقليمي، يقوم على مسارين متوازيين: إحياء مسار حل الدولتين واستكمال عملية "إدماج" إسرائيل في المنطقة.