احتجاجات الجامعات الأميركية تطرح أسئلة جديدة

تشمل حاليا نحو 200 مخيم جامعي، تمتد من سيدني إلى سان فرانسيسكو

رويترز
رويترز
أستاذ في جامعة تكساس يقود الهتافات مع أعضاء هيئة التدريس الآخرين في الجامعة خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي

احتجاجات الجامعات الأميركية تطرح أسئلة جديدة

صحيح أن الاحتجاجات تضامنا مع فلسطين قد اندلعت في جميع أنحاء العالم منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن حجم هذه الاحتجاجات التي يقودها الطلاب وانتشارها على امتداد المعمورة، حيث تشمل حاليا نحو 200 مخيم جامعي، تمتد من سيدني إلى سان فرانسيسكو، متحدة في مطلب واحد: سحب استثماراتها من إسرائيل وجيشها والشركات المستفيدة من هذه الاستثمارات.

بداية هذا النشاط الطلابي الواسع كانت في جامعة كولومبيا، حيث أقام الطلاب المؤيدون للفلسطينيين في 17 أبريل/نيسان مخيما للتضامن مع غزة، وكان يتكون وقتها من نحو 50 خيمة في حديقة الحرم الجامعي. وقد تزامن هذا الاحتجاج مع شهادة أدلت بها رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق أمام الكونغرس حول تعامل الجامعة مع معاداة السامية في الحرم الجامعي، في استجواب أجراه مجلس النواب معها على غرار ما أجراه من قبل مع رؤساء جامعات بنسلفانيا، وهارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

وفي اليوم التالي، أمرت شفيق بالرد العنيف، ونشر ضباط يرتدون معدات مكافحة الشغب لتفكيك المعسكر، ما أدى إلى اعتقال ما لا يقل عن 108 متظاهرين. واعتبر هذا الإجراء وفاء بالوعد الذي قطعته على نفسها أمام الكونغرس بقمع مثل هذه الأنشطة.

ومنذ ذلك الحين، ظهرت مخيمات مماثلة مؤيدة لفلسطين في جامعات أخرى، حيث يواجه الطلاب المتظاهرون العنف والتشهير والاتهامات بأنهم "يساريون خارجون عن السيطرة"، من أنصار "حماس" أو أنهم ساذجون ومضللون من قبل وسائل الإعلام.

وزاد منتقدو الطلاب المحتجين بأن زملاءهم الطلبة اليهود لا يشعرون بالأمان في الحرم الجامعي بسبب بعض العبارات التي توصف بأنها معادية للسامية. ومع ذلك، فغالبا ما يتغاضى النقاد والإعلام عن مشاركة الكثير من الطلاب اليهود أنفسهم في الاحتجاجات ورفضهم الادعاء بأنهم لا يشعرون بالأمان، على الرغم من حضورهم الكبير في هذه الاحتجاجات.

العنف ضد المخيمات

ومنذ ذلك اليوم، لا يزال إداريو الجامعات يناقشون ما إذا كان عليهم اتباع سبيل كولومبيا في ممارسة العنف مع الطلبة المحتجين أم يسلكون سبيلا غيره. فيتبنى بعضهم بحماس حملة القمع العنيفة في كولومبيا كنموذج. ولم تبقَ تصرفات كولومبيا- على الرغم من فظاعتها- ممارسات معزولة، بل سار كثير من الجامعات على نهجها، وألغى الكثير من قادة الجامعات الفصول الدراسية واحتفالات التخرج، واستدعوا الشرطة في نهاية المطاف لتفكيك المعسكرات بالقوة واحتلال مباني الحرم الجامعي. واعتقل في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 3000 طالب ومعهم أعضاء في هيئة تدريس ومؤيدون في كثير من الجامعات خلال الشهر الماضي.

ومن بين من رأى هذا العنف رأي العين، أنيليس أورليك، الأستاذة الجامعية ومؤرخة الحركات العمالية، التي تدرّس في كلية دارتموث لأكثر من ثلاثة عقود. ولم تسلم الدكتورة أورليك من عنف شرطة مكافحة الشغب، حيث ضُربت على ظهرها أوائل شهر مايو/أيار الماضي، أثناء احتجاجها من أجل الفلسطينيين في غزة، وكانت تقف مع عدد آخر من الأساتذة اليهود المتقدمين في العمر، الذين كانوا يقفون بين الطلاب وشرطة مكافحة الشغب، وأصيبت بجروح جراء الاعتداء. ووُثقت الحادثة بالفيديو، الذي انتشر بعد ذلك على نطاق واسع، مما لفت انتباها واسع النطاق وسلط الضوء على وحشية رد فعل الشرطة.

لم تبقَ تصرفات كولومبيا، على الرغم من فظاعتها, كممارسات معزولة، بل سار كثير من الجامعات على نهجها

وأوضحت أورليك أنها أخبرت طلابها أن السلطات لا توجه في العادة أسلحتها وشرطة مكافحة الشغب الخاصة بها إلا إذا كانت رسالتهم قوية وتؤثر على الجمهور، ما يعني أن السطات تخشى فعلا رسالة الطلاب التي تسعى لفضح الإبادة الجماعية في غزة لأنها بدأت في تغيير النقاش في هذا البلد.

ولا يزال مخيم التضامن مع غزة التابع لجامعة ستانفورد، والذي أنشأ أكثر من 20 خيمة في منطقة مركزية من الحرم الجامعي تسمى "وايت بلازا" بعد وقت قصير من الأحداث التي وقعت في كولومبيا، قائما حتى اليوم. وعلى الرغم من تحذيرات قادة الجامعة من أن الطلاب الذين يخيمون طوال الليل قد يواجهون الطرد، فإن الجامعة لم ترسل بعد الشرطة لتفكيك مقر الاعتصام الطلابي، وقد اتبعت جامعة كاليفورنيا في بيركلي النهج ذاته.

وفي 7 مايو، أصدر رئيس جامعة ستانفورد ريتشارد سالر، والعميد جيني مارتينيز، خطابا شرحا فيه قرارهما بعدم حل المعسكر، مشيرين إلى مخاوف بشأن التداعيات المحتملة. وكتبا: "من خلال مراقبة الجامعات الأخرى، نشعر بالقلق من أن الاستخدام غير المتناسب للقوة ضد المتظاهرين السلميين يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوترات ويؤدي إلى مزيد من الاستقطاب والصراع الشديد في الحرم الجامعي".

المكارثية الجديدة

أطلقت الحرب الإسرائيلية على غزة منذ اندلاعها في أكتوبر/تشرين الأول العقال لنقاش محتدم في الجامعات حول مفهوم معاداة السامية، وحاول البعض الربط بشكل مباشر بين ثقافة الحرم الجامعي الليبرالية، التي تجد تعبيرا لها في المعسكرات، والخطاب المناهض لإسرائيل. ومن المفارقات أن بعض المحافظين اليمينيين الذين يدعمون الصهيونية لهم آراء معادية لليهود.  

وفي هذا المناخ المضطرب، فصل كثير من الأكاديميين من مختلف المجالات، ليس فقط في مجالات دراسات الشرق الأوسط، بل وأبعد من ذلك– مجالات مثل الأدب الياباني ودراسات أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي– أو أوقفوا عن العمل، أو عزلوا من مناصبهم، كل ذاك بسبب تعبيرهم عن آرائهم المؤيدة لفلسطين أو المناهضة لإسرائيل.

ويطلق النقاد على هذه الموجة من القمع والانتقام بسبب الدعم الفلسطيني اسم "المكارثية الجديدة"، في تذكير بمرحلة مرت في الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة في الولايات المتحدة في الخمسينات تميزت بحملة شرسة ضد الشيوعيين المزعومين، بقيادة السيناتور جوزيف مكارثي.

أطلقت الحرب الإسرائيلية نقاشا واسعا في الجامعات الأميركية حول إعادة تعريف مفهوم معاداة السامية

وتقول أورليك: "يقول اليهود الذين يشاركونني وجهة نظري أنه في الماضي كانوا يستدعونك إلى واشنطن ويسألونك: هل أنت الآن أو هل كنت عضوا في الحزب الشيوعي؟ أما الآن فتحول السؤال إلى: هل كنت في أي يوم عضوا في منظمة (الصوت اليهودي من أجل السلام) أو منظمة (طلاب من أجل العدالة في فلسطين)؟". وكانت أورليك تشير إلى مجموعتين طلابيتين حظرتا في جامعة كولومبيا وكثير من الجامعات الأخرى في الخريف.

وشدد بروس روبينز، أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا، على أن الشعارَين الأكثر انتقادا بتهمة معاداة السامية المفترضة هما "الانتفاضة" و"من النهر إلى البحر،" ولكنه يقول إن هذين الشعارين ليسا في واقع الأمر معاديين للسامية بطبيعتهما، مضيفا: "سيعرف قراؤك هذا أفضل من أي شخص آخر".

وردا على الضغوط المتزايدة على الكونغرس لتبني التعريف العملي لمعاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، وقع أكثر من 1000 أستاذ يهودي على رسالة في منتصف شهر مايو يدينون فيها هذه الخطوة باعتبارها تخلط بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل.

رويترز
مخيم احتجاجي في حرم جامعة شيكاغو احتجاجا على الحرب الإسرائيلية على غزة

وشدد روبينز، وهو أحد الموقعين على الرسالة: "لا أعتقد أن هناك موجة من معاداة السامية في معسكر كولومبيا أو في هذه الحركات على الإطلاق. كيهودي وكشخص كان ضحية معاداة السامية جسديا ولفظيا، أعتقد أن لدي الحساسية والقدرة على تمييز معاداة السامية في حال وجودها. ولعل أحد الدلائل، من بين أمور أخرى، أنك ترى الكثير من اليهود المشاركين في الحركة، ما ينفي إمكانية أن تكون معادية للسامية".

والحق أن الكثير من اليهود المناهضين للصهيونية يرون أن ديانتهم تشمل مبادئ عالمية، بما في ذلك الالتزام بمعارضة اضطهاد أي مجموعة كانت، وليس مجموعتهم فحسب. وكما كان الحال خلال سنوات حركة الحرية خلال الخمسينات والستينات في الجنوب الأميركي، حين كان نشاط اليهود أكبر بكثير من نسبتهم العددية، فهم اليوم ممثلون أيضا بشكل كبير في احتجاجات السلام في غزة.

وبينما يُقال في كثير من الأحيان أن اللوبي الصهيوني لا يزال مؤثرا وأن هناك انقسامات عميقة ومكثفة داخل المجتمع اليهودي، فينبغي الاعتراف بأن هذه الانقسامات تفاقمت بسبب الحرب. وفي رسالة أخرى وقعها 500 طالب من طلاب كولومبيا اليهود، كتبوا أنه "لا يمكن فصل اليهودية عن إسرائيل"، ولكن ينبغي الانتباه إلى أن نسبة الموقعين لا تتجاو 10 في المئة من الطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا اليهود في كولومبيا والذين يقدر عددهم بـ5000 طالب.

وعلى الرغم من ذلك، فإن مخيمات السلام الداعمة لغزة كانت إلى حد كبير عبارة عن حركات متعددة الأديان، ومتعددة الأعراق. أقام الطلاب اليهود والمسلمون احتفالات عيد الفصح، وقام اليهود بحماية المسلمين أثناء صلواتهم. اندلعت مظاهرة عامة كبيرة في أواخر أكتوبر في محطة غراند سنترال بمدينة نيويورك، حيث ردد المئات من المتظاهرين وأغلبهم من اليهود شعارات ورفعوا لافتات تطالب بوقف إطلاق النار مع تكثيف إسرائيل هجومها على غزة.

حكايات نجاح

ووسط الوحشية وحملات القمع المطبقة على المخيمات، تمكن الطلاب في عدد من الجامعات من التفاوض على اتفاقات مع الإداريين الذين وافقوا على بعض المطالب الرئيسة. من بينهم: أسيل أبو كويك (21 عاما)، وهي طالبة من أصل فلسطيني تدرس العلوم السياسية والتاريخ، كما أنها عضو في منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين. تقول أسيل، التي فقدت أكثر من 30 فردا من أسرتها في غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي، إن مخيمها الذي استمر أربعة أيام في روتجرز- نيوبرونزويك، دفع الإدارة إلى تنفيذ ثمانية مطالب وقدمت منحا دراسية لما لا يقل عن عشرة طلاب نازحين من غزة للدراسة في جامعة روتجرز، ووافقت على إنشاء مركز ثقافي عربي، وتعليق الأعلام الفلسطينية، والاعتراف الصريح بـ"فلسطين" و"الفلسطينيين" في جميع ميادين التواصل الجامعية المستقبلية المتعلقة بالاعتداءات الإسرائيلية.

وبالإضافة إلى روتجرز، هناك جامعات أخرى توسطت في اتفاقات مع الطلاب، بينها جامعة نورث وسترن في إلينوي، وكلية إيفرغرين ستيت (Evergreen State) في أولمبيا، واشنطن، وجامعة مينيسوتا في مينيابوليس، وجامعة براون في رود آيلاند. ولعل من المفيد أن نذكر أن لكلية إيفرغرين ستيت على وجه الخصوص أهمية كبرى كونها الجامعة الأم لراشيل كوري، التي قتلتها جرافة إسرائيلية في غزة عام 2003 أثناء احتجاجها على هدم منزل فلسطيني.

وأصبحت إيفرغرين واحدة من أوائل الجامعات في البلاد التي تعمل على سحب استثماراتها من إسرائيل، بما في ذلك من خلال مذكرتها بالالتزام بسحب استثماراتها من "الشركات التي تستفيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و/أو احتلال الأراضي الفلسطينية".

"هناك قصص عن النجاح"، كما تقول أورليك، "وإن تكن قليلة ولكنها حقيقية وهي جديرة بالملاحظة".

font change

مقالات ذات صلة