وأخيرا أصدرت دار "غاليمار" الفرنسية (عن سلسلة "شِعر") التي تأسست في نهاية الستينات وضمت حتى الآن مئات الشعراء العالميين، مجموعة من قصائد الشاعرة اللبنانية الكبيرة إيتل عدنان (1925-2021) تتضمن مختارات من شعرها، واختارت منها القصائد الحرّة وتخلت عن قصائدها النثرية التي، في رأيي لا تقل أهمية عن موزونها. وقلت "أخيرا" لأشير إلى تردد هذه الدار في إصدار مجموعة لإيتل عدنان، من خلال بعض الضغوط التي مارسها عليها شعراء عرب جلهم مرشح لجائزة نوبل، خافوا أن تنافسهم، لأنهم يعرفون حجم شاعريتها وقيمتها، التي تفوق إذا ارتبطت بتاريخها النضالي شِعر هؤلاء.
لكن الغريب أن المقدمة غابت عن هذه المجموعة، وهذا ما يغيب تحليلا يحاول كاتبه تحليل النص من وجهته، ويقدم قراءة خاصة لأعمالها، والعذر الأقبح من ذنب الذي سبب الغياب، بالقوة، أنه ألغى المقدمة لإفساح المجال لأكبر عدد من نصوص الشاعرة، علما بأن عشرات الكتب الأخرى التي صدرت بمقدمات، هي أكبر حجما من قصائد إيتل عدنان.
بين الثقافات
وُلدت في بيروت عام 1925، من والد سوري- تركي (عثماني) وأُم يونانية. تربت أولا عند راهبات كاثوليكيات بالفرنسية في بيروت، وفي محيط عربي. ثم انتقلت إلى باريس ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1958 وتعلمت الإنكليزية وأجادتها من دون أن تهجر الفرنسية، وبعض قصائدها الأساسية صيغت بالفرنسية. وكتبت شعرا ونثرا في أميركا وجالت في العديد من البلدان والقارات، وجعلت هذه الكوسموبوليتية منها مغامرة في آرائها ومواقفها، وهذا التنوع الثقافي حالة شعرية، ونجد في كتاباتها كثيرا من التأثرات العربية والأوروبية والأميركية، لكنها تغلبت على هذه التأثرات، في شعرها ورسمها، امتصتها جميعا وصاغت لغتها الخاصة. بدأت في بيروت بالانفتاح على الشعر الفرنسي، بشعرائه مثل بودلير وفيرلين ورمبو ولوتريامون وفاليري، يضاف إلى ذلك الرومنطيقية الألمانية مع نوفاليس وهولدرلن وريلكه، وكذلك الشعر الروسي مع بوشكين، وقرأت التوراة والقرآن والشعراء العرب الكلاسيكيين والحداثيين، ليضاف إلى ذلك تَوقها إلى الشعراء الفلاسفة باعتبارها درست الفلسفة سنوات وكانت فيلسوفة صلبة ثم اكتشفت الشعر الأميركي مع أمثال ويتمان وديكنسون وثورو.