أثارت المشاهد المروعة من رفح، حيث أدت غارة إسرائيلية إلى مقتل عشرات المدنيين الذين كانوا يحتمون في مخيم للنازحين، انتقادات دولية. ولم تندد هذه الإدانة بالهجوم فحسب، بل زادت أيضا من التوقعات بشأن رد فعل الإدارة الأميركية بقيادة جو بايدن، الذي كان قد صرح في وقت سابق، يوم 9 مارس/آذار، بأن غزو رفح سيكون "خطا أحمر"، ما عني ضمنا أن عبوره ستكون له عواقب.
لكن الإدارة الأميركية أكدت لاحقا أن الإجراءات الإسرائيلية في رفح يوم 26 مايو/أيار لم تتجاوز، من وجهة نظرها، أي خطوط حمراء. ويتوافق رد الفعل هذا مع الطريقة التي صاغت بها الإدارة تعليق بايدن حول "الخط الأحمر" بعد وقت قصير من إدلائه به. فبعيد تصريح بايدن في مارس قلل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان من أهمية فكرة الخط الأحمر باعتبارها هاجسا إعلاميا وليس عنصرا من عناصر السياسة الأميركية، في حين صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مايو قائلا: "نحن لا نتحدث عن خطوط حمراء عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي لإسرائيل".
ويؤكد تسلسل الأحداث هذا على قضيتين. الأولى هي قضية الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل، والتي لا تشكل مفاجأة لأحد. أما الثانية فهي خواء فكرة الخط الأحمر. وليست إدارة بايدن فريدة في هذا المضمار، فقد سبقت هذه الإدارة إدارتا سلفَيه دونالد ترمب وباراك أوباما اللتان اتسمت سياستهما بنهج غامض مماثل حين يتعلق الأمر بالخطوط الحمراء، وكثيرا ما لجأت الولايات المتحدة إلى تفسيرات انتقائية لتبرير ردود أفعالها المحدودة إزاء النظرة العامة إلى الخط الأحمر باعتباره تجاوزا.
وتبين مراجعة أقوال الإدارات الأميركية الثلاث وأفعالها أن استخدام الخط الأحمر، سواء أُشيرَ إليه صراحة أم تلميحا، لا يشكل تهديدا ملموسا بقدر ما هو رمز ناعم للردع. والحق أنه في كل حالة ذُكرت هذه الفكرة تصريحا أم أشير إليها تلميحا من قِبَل الإدارات الثلاث، لم يتحقق الردع، الأمر الذي دفع في كل مرة إلى التساؤل حول مصداقية الولايات المتحدة في وعدها ووعيدها. ولذلك فقد حان الوقت للتحول في فهم ما يعنيه الخط الأحمر بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
الخط الأحمر الصيني
والاجتياح البري لرفح ليس الخطَّ الأحمر الوحيد الذي رسمته إدارة بايدن، فقد يرى البعض في إعلان بايدن بأن أوكرانيا يمكنها الآن استخدام الأسلحة الأميركية لضرب روسيا– بعد أن كان يرفض ذلك في البداية على أساس أنها ستشعل حربا عالمية جديدة– نوعا من الخطوط الحمراء الغامضة.
وفي سياق أوكرانيا أيضا، رسمت إدارة بايدن خطا أحمر آخر يبدو أنه سيسقط بدوره. فبعد أن هاجمت روسيا أوكرانيا في عام 2022، هددت الولايات المتحدة الصين بفرض عقوبات إذا قدمت بكين "الدعم المادي" للحرب الروسية. وفي يونيو/حزيران من ذلك العام، أدرجت وزارة التجارة الأميركية خمس شركات صينية على القائمة السوداء التجارية بسبب دعمها العسكري المزعوم لروسيا. لكن المسؤولين الأميركيين في ذلك الوقت أوضحوا أن الولايات المتحدة لا ترى أن الدولة الصينية تعارض رغبات الولايات المتحدة.