اقتصاد تونس يتجه من "الهمبرغر" الأميركي الى "الأندومي" الصيني

تحذيرات من أي مغامرات لإنهاء شراكة مع أوروبا تعود إلى سبعة عقود

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
من اليمين، الرئيس الصيني شي جينغ بينغ يصافح الرئيس التونسي قيس سعيد خلال مراسم توقيع مذكرات التفاهم في قاعة الشعب الكبرى في بكين، في 31 مايو 2024.

اقتصاد تونس يتجه من "الهمبرغر" الأميركي الى "الأندومي" الصيني

حدث استثنائي وتاريخي بكل المقاييس، هكذا توصف زيارة رئيس تونس قيس سعيد للصين، فهي الزيارة الرئاسية الأولى في تاريخ الدولة التونسية حظي خلالها الرئيس سعيد باستقبال لافت، له بالتأكيد دلالاته، خصوصا أنه يأتي في سياقات تقارب تونسي مع دول الشرق قد يترجم توجهات جديدة وسط توترات مع معسكر دول الغرب، الشركاء التقليديين لتونس منذ قيام دولة الاستقلال.

يعرف عن الرئيس سعيد أنه نادر التنقل وقليل الزيارات الخارجية، ويشكل غيابه عن المحافل الدولية موقفا يحرص الرئيس سعيد على تفسيره شخصيا خلال اجتماعاته بمن كلفهم تمثيل الدولة التونسية. بالمثل، تعد المشاركة أيضا موقفا ورسالة سياسية وديبلوماسية من رئيس تونس، يعكسان خيارات واضحة يبدو أن أهمها خلال عهدته الرئاسية التي تشارف النهاية، في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، حضوره المنتدى الصيني العربي الذي انعقد في 28 مايو/أيار المنصرم.

أفضت زيارة الصين إلى إعلان "شراكة استراتيجية" بين تونس وبكين، وتوقيع سبع مذكرات تفاهم، هي: اتفاق تعاون اقتصادي وفني، ومذكرات؛ لتقوية التعاون الإنمائي وانشاء فريق عمل للاستثمار، التنمية والنهوض بتفعيل مبادرة التنمية العالمية، التنمية الخضراء وخفض الانبعاثات الكربونية، واتفاق تعاون بين الإذاعة التونسية والهيئة الصينية للإذاعة والتلفزيون، وآخر بين وكالة تونس أفريقيا للأنباء ووكالة أنباء "شينخوا"، ومذكرة بين التلفزة التونسية ومجموعة الصين للإعلام.

من واشنطن إلى بكين

مراسم الاستقبال الرسمية المبهرة التي أقيمت على شرف الرئيس التونسي يوم الجمعة 31 مايو/أيار في الساحة الشرقية لـ"قصر الشعب" في بكين، أعادت إلى الأذهان الاستقبال الضخم الذي حظي به الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في شهر مايو/أيار عام 1961 لدى أول زيارة لأول رئيس تونسي بعد الاستقلال للولايات المتحدة الأميركية، وكان في استقباله الرئيس الأميركي جون كينيدي.

تلف الحماسة خطابات المجموعة المساندة للرئيس سعيد، التي تراه يتقدم بخطوات ثابتة نحو إرساء سياسات ثورية عمادها "السيادة الوطنية"، بما يُمكّن من "القطع مع هيمنة الغرب" و"استغلاله ثروات البلاد لعقود" و"إملاءاته" الاقتصادية والسياسية

أسست زيارة واشنطن لعلاقة استراتيجية بين تونس وأميركا ومثلت قاعدة اصطفاف في المعسكر الغربي استمر لأكثر من نصف قرن من دون تغيير، حتى السنتين الأخيرتين التي تعددت خلالها الخطوات المؤسسة لخيارات جديدة يقودها الرئيس الحالي قيس سعيد، عبر الابتعاد بشكل تدريجي، أو "الانتفاض" مثلما يقول أنصاره على ثوابت الديبلوماسية التونسية. من ذلك مثلا، الموقف غير المسبوق من النزاع على تايوان.

أ.ف.ب.
علم تونس بالقرب من الشعار الوطني الصيني أثناء استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد خلال حفل أقيم له في قاعة الشعب الكبرى في بكين، 31 مايو 2024.

إذ تضمن البيان الختامي المشترك بين الرئيسين التونسي والصيني تأكيد تونس لـ"شرعية حكومة جمهورية الصين كممثل شرعي وحيد للصين بأكملها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية"، وأن "تونس تدعم ممارسة الصين سيادتها على كامل أراضيها وجهودها المبذولة لتحقيق وحدة البلاد والدفاع عن مصالحها الجوهرية، وتدعم موقف الصين في رفضها أي تدخل أجنبي في المسائل الداخلية المتعلقة بهونغ كونغ وشينجاينغ".

ينهي هذا الموقف عقودا من التوازن الديبلوماسي، ومن سياسة النأي بالنفس عما يسميه ديبلوماسيون مخضرمون، تجنب تجاوز الخطوط الحمر مع الشركاء الغربيين، لا سيما في مسائل شائكة ودقيقة. وهذا الموقف الجديد يتماهى بالتأكيد مع التطورات التي تشهدها العلاقات التونسية-الصينية بشكل خاص والعلاقات مع دول الشرق عموما  في عهد الرئيس سعيد، وهي تطورات تحمل معها رياح تغيير عاصفة،  لم تمر بلا شك دون ان تحدث انقساما، ودون أن  تثير حماسة لدى البعض وتخوفات عند البعض الآخر.

التغييرات الكبرى والتوجه شرقا

تلف الحماسة خطابات المجموعة المساندة للرئيس سعيد، التي تراه يتقدم بخطوات ثابتة نحو إرساء سياسات ثورية عمادها "السيادة الوطنية"، بما يُمكّن من "القطع مع هيمنة الغرب" و"استغلاله ثروات البلاد لعقود" و"إملاءاته" الاقتصادية والسياسية، وأيضا الاجتماعية التي حولت، وفق منظورهم، تونس إلى مخبر لقصص نجاح واهية بعناوين مختلفة: "انموذح التنمية والتعليم والطبقة الوسطى المستقرة" في عهد الرئيس الراحل بن علي، و"الديمقراطية الناشئة" خلال سنوات الانتقال الديمقراطي التي تلت ثورة 2011.

تمثل السوق الأوروبية 72% من صادرات تونس وأكثر من 46% من وارداتها. ويحتل الأوروبيون صدارة المستثمرين الأجانب بما يزيد على 3000 مؤسسة

اخذت الزيارة بعدا مهما واستراتيجيا بالنظر الى ما قد ينجم عنها من تحولات جيوسياسية عميقة، تبرز بداية من سياقاتها. فهي تأتي ضمن مسار تغيير شامل تشهده تونس منذ تسلم الرئيس سعيد السلطة بشكل كامل يوم 25 يوليو/تموز 2021 دستوريا وسياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومع ما سبق الزيارة من مؤشرات تحولت تكهنات في الأشهر السابقة الى ما يشبه التأكيد لتوجه البوصلة نحو الشرق.

من تلك المؤشرات، خطابات الرئيس التونسي المناهضة بقوة للسياسات الغربية والعلاقات الباردة مع فرنسا وأميركا خصوصا. فلا يكاد الرئيس سعيد يترك فرصة من دون انتقاد لاذع للنظام المالي العالمي ولغياب المساواة بين دول الشمال والجنوب، ولـ"الخراب" الناجم عن املاءات منظومة "بريتون وودز" والنزعة الاستعمارية واستغلال "ثروات الشعوب".

وكان الرئيس سعيد قد أوقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في خصوص اتفاق تمويل بـ1,9 مليار دولار بسبب "إملاءات" و"وصفات تهدد السلم الاجتماعي"، كما أوقف مشاورات المادة الرابعة مع الصندوق قبل أيام قليلة من حلول موعدها، في ما يشبه "إعلان عدم ترحيب وحتى الطرد". 

وقبل زيارته الصين بأيام، كان الرئيس سعيد في العاصمة الإيرانية، طهران، لأداء واجب العزاء في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وأيضا للتسويق لتقارب مع إيران عبر تعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين. كما أُعلن في 21 مايو/أيار الماضي توقيع مذكرة تفاهم لفتح مكتب تجاري تونسي في مدينة ساو باولو، المدينة الكبرى في البرازيل، ضمن توجهات لتوسيع شبكة التمثيل القنصلي والديبلوماسي التونسي في هذا البلد.

...وتنسيق استثنائي مع الجزائر

يضاف إلى ذلك، علاقات تنسيق مع الجزائر تكاد تكون استثنائية في تاريخ البلدين مع ما يتداول في الكواليس عن إطلاق قصر المرادية مفاوضات مع تونس وليبيا قبل تقديم طلب جديد للالتحاق بـمجموعة "بريكس"، وتقول الروايات إن الجزائر قد تطمح لمقعد يمثل 3 دول مغاربية.

كما عرفت العلاقات الروسية التونسية تطورا مثيرا للانتباه خلال الفترة الأخيرة التي أصبحت خلالها تونس وجهة ديبلوماسية لوزراء خارجية روسيا والصين وكوريا الجنوبية وإندونيسيا، وطبعا الجزائر. يمكن القول إن زيارة الصين أكملت الصورة في خصوص تكهنات اعتزام تونس التوجه نحو الشرق. ولم تمر الزيارة من دون أن تثير تفاعلات واسعة محلية وإقليمية. ففي تونس يدعو "أصحاب الخبرة" مثل وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، إلى ضرورة أن يقوم التقارب مع الشرق على "إحداث توازن مع الغرب"، مع الاستفادة من الانفتاح على عالم متعدد الأقطاب.

تلوح تحذيرات من أي مغامرات لإنهاء شراكة استراتيجية تعود جذورها إلى سبعة عقود، إذ تمثل السوق الأوروبية 72 في المئة من صادرات تونس وأكثر من 46 في المئة من وارداتها. ويحتل الأوروبيون صدارة المستثمرين الأجانب بما يزيد على 3000 مؤسسة.

عرفت الأسواق التونسية تسونامي للسلع الصينية، في وقت عدد الشركات الصينية في تونس لا يصل حتى إلى 15 شركة، وحجم الاستثمارات الصينية 34 مليون دولار فقط

في المقابل، تبدو الأرقام في الجهة المقابلة خجولة جدا، إن لم نقل كارثية على بعض القطاعات: فعدد الشركات الصينية في تونس لا يصل حتى إلى 15 شركة، فيما يبلغ حجم الاستثمارات الصينية 34 مليون دولار، وهو مبلغ زهيد جدا يمثل أرباح شركة "بايت دانس" (المالكة لمنصة "تيك توك") الصينية خلال 7 ساعات.

"التنين الأصفر" الغول التجاري

تحول "التنين الأصفر" خلال الأعوام الـ15 الأخيرة إلى قوة تجارية مهيمنة على السوق التونسية ومهددة لمنتجاتها وسلعها المحلية. ومن المفارقات أن التونسيين الذين هزهم عزف فرق عسكرية صينية خلال الاستقبال الرسمي للرئيس سعيد، أغنية "تحت الياسمينة في الليل" للفنان التونسي الكبير الراحل الهادي الجويني، رائد تغيير الأغنية التونسية، هزتهم قبل ذلك بسنوات تقارير صادمة عن تهديد صيني لسلع الحرفيين التونسيين وللصناعة التقليدية التونسية التي أصبحت قاب قوسين من الاندثار.

Shutterstock
قبعات الشاشية/ الطربوش التقليدي في الزي التونسي، في سوق البازار في مدينة تونس

على سبيل المثل، "الشاشية التونسية" أو الطربوش الأحمر التقليدي الحاضر في المناسبات الرسمية والأفراح، الذي يقدم كهدايا تذكارية، يستوجب على من يشتريه اليوم أن يستفسر أولا إن كان صنعا محليا أصليا أم سلعة صينية مقلدة.

عرفت الأسواق التونسية تسونامي للسلع الصينية، وتؤكد الأرقام هذه الهيمنة الصينية، إذ تتصدر الصين قائمة الدول المساهمة في اختلال الميزان التجاري، تليها روسيا فالجزائر ثم تركيا والبرازيل. يبلغ العجز في التجارة الخارجية 17 مليار دينار عام 2023 (5,47 مليارات دولار)، منها 84 مليار دينار (2,7 مليار دولار)، أي ما يعادل النصف، عجز مع الصين.

في العام المنصرم، حذرت إيطاليا من "سقوط تونس تحت سيطرة النفوذ الصيني والروسي" إن تخلى شركاؤها عنها

من بين الاتفاقات الموقعة في بكين خلال زيارة الرئيس التونسي، مذكرة تفاهم تتعلق بالاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، التي تمثل مركز اهتمام لأوروبا. وتقول دراسة للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن الصين تمثل بديلا جذابا (عن أوروبا) لدول شمال أفريقيا، وفي مقدمها تونس. وأصبحت الصين، بحسب الدراسة، "رائدة في مجالات الطاقة المتجددة بما يؤهلها لتقديم الخبرات لدول شمال أفريقيا بسعر جيد".

هذا البديل يمثل تحديا للنفوذ الاستراتيجي الأوروبي والأميركي في هذه المنطقة ويهدد بشكل خاص خططهما للحياد المناخي.

وفي العام المنصرم، حذرت إيطاليا من "سقوط تونس تحت سيطرة النفوذ الصيني والروسي" إن تخلى شركاؤها عنها. وتوالت التقارير عن طموحات روسية وصينية لملء الفراغ الأوروبي والأميركي في تونس بسبب توترات حول عدد من الملفات تتعلق أساسا بالتطورات السياسية في البلاد.

اهتمام صيني بالموانئ التونسية

ردت تونس على ضغوط "الغرب" برسائل مباشرة، منها تصريحات وزيرة التجارة التونسية كلثوم رجب بجانفي في يناير/كانون الثاني 2024، خلال لقاء مع مساعد وزير التجارة الصيني تانغ وينهانغ، اكدت فيه "توافق الرؤى بين الدولتين على جميع المستويات وفي المجالات كافة". وأعلنت أن تونس تسعى لجعل معبر رأس جدير (على الحدود التونسية الليبية) بوابة نحو أفريقيا.

ودعت الصين إلى دعم هذا المشروع الذي وصفته بالتنموي المهم، كما قدمت الوزيرة المميزات الاقتصادية والبشرية والجغرافية التي تحظى بها تونس والتي تؤهلها لأن تكون شريكا اقتصاديا واستثماريا فاعلا في الصين وفي أفريقيا وحوض المتوسط.

ثمة تنافس أميركي صيني فرنسي للسيطرة على ميناء المياه العميقة في بنزرت، الذي يمثل حلقة الربط الرئيسة بين شبكة الألياف البصرية التي تربط أميركا وأوروبا بآسيا والشرق الأوسط

موقع "كابيتال إنتليجنس" الأميركي

بعدها بشهرين، تحديدا يوم 26 مارس/آذار 2024، وقعت الحكومة التونسية مع شركة "سينشوان" للطرق والجسور، اتفاقا لتنفيذ مشروع بناء جسر في مدينة بنزرت (أقصى شمال تونس)، بما سيسهل النشاط في ميناء المدينة، وبالتالي تنمية التجارة بين تونس والجزائر، بحسب تصريحات رسمية تونسية.

وكان موقع "كابيتال إنتليجنس" الأميركي قد كشف عن وجود تنافس أميركي صيني فرنسي للسيطرة على ميناء المياه العميقة في بنزرت، الذي يمثل حلقة الربط الرئيسة بين شبكة الألياف البصرية التي تربط أميركا وأوروبا بآسيا والشرق الأوسط.

Shutterstock
حاويات شحن تحمل علمي تونس والصين.

كما تسعى الجهات الصينية إلى رفع العراقيل عن مشروع توسعة ميناء جرجيس (جنوب البلاد) بالتوازي مع التحرك شرق البلاد، إذ كانت ضمن قائمة 7 دول دخلت في منافسة للفوز بصفقة إعادة تهيئة ميناء النفيضة، وأعلنت الجهات التونسية رفض كل العروض المقترحة في شهر فبراير/شباط الماضي.

لا تخفي الصين اهتماما بالغا بالموانئ التونسية (7 موانئ تجارية)، وهو اهتمام توليه لمختلف موانئ دول المغرب العربي لارتباطها الاستراتيجي مع مبادرة طريق الحرير، التي انخرطت فيها تونس رسميا عام 2018.

عودة صينية الى المغرب العربي

قبل سنوات، كانت تونس خارج "الرادار" الصيني نتيجة الحصار الأوروبي والأميركي، وأيضا لحسابات بكين التي ركزت على استثمارات في المغرب والجزائر وبشكل أقل في ليبيا.

يشير تقرير للجنة الخارجية الأوروبية، إلى أن دول المغرب العربي عادت إلى أجندة الاهتمام الصيني منذ عام 2018. وأصبحت تونس محور هذا الاهتمام بشكل شبه رسمي منذ شهر يناير/كانون الثاني 2024. فقد دأبت الصين على أن تكون أولى الوجهات الخارجية لرئيس ديبلوماسيتها إلى القارة الأفريقية، واختارت هذه السنة أن تكون البداية من تونس.

في2019، شهد مجلس نواب الشعب التونسي حادثة غير مسبوقة، تمثلت في اتهام الصين بـ"التجسس على البرلمان" عبر شركة "هواوي"

تمثل تونس مركزا يسهل التوسع السياسي والاقتصادي في كل أفريقيا وفي دول حوض المتوسط، خصوصا في الجزائر وليبيا. انطلقت العلاقات بين البلدين منذ خمسينات القرن الماضي وبقيت دون تطوير كبير حتى إحداث اللجنة الصينية التونسية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي عام 1983.

هواوي وزيارة الرئيس

يثير المجال التكنولوجي تحفظات ومخاوف أمنية تونسية، وأيضا أوروبية وأميركية، مما عطل الاستثمارات في تكنولوجيات المعلومات والاتصالات والطيران، على الرغم من توفر الفرص والنيات. فقد كشف تقرير لمركز "واشنطن للدراسات" الأميركي أن قيمة مساهمة عملاق الهواتف المحمولة الصيني، "هواوي"، في السوق المحلية التونسية لا تتجاوز 15 في المئة، وأن الشركة تواجه صعوبات في تحقيق طموحاتها في التوسع.

Shutterstock
جناح شركة هواوي في معرض CeBIT للتكنولوجيا في هانوفر، ألمانيا

وكان لافتا زيارة الرئيس سعيد لشركة "هواوي" أثناء زيارته للصين، مع ما يحمل ذلك من معاني ورسائل للولايات المتحدة الاميركية. يذكر هنا انه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شهد مجلس نواب الشعب التونسي حادثة غير مسبوقة، تمثلت في اتهام الصين بـ"التجسس على البرلمان" عبر شركة "هواوي". وانطلق الجدال بعدما وزعت الشركة أجهزة كومبيوتر لوحية على النواب. وأكد النائب ياسين العياري  آنذاك، أن الشركة متهمة في دول عدة في العالم بالتجسس، ودعا وزيري الداخلية والدفاع الى التدخل.

خلال العام نفسه، دخلت أميركا على خط مفاوضات تونسية - صينية حول صفقة لتطوير البنية التحتية لـ"الجيل الخامس من شبكة الاتصالات"، لكن التراجع الأميركي في تونس من جهة، وتطور العلاقات التونسية الصينية من جهة أخرى، مكّنا شركة "هواوي" من تعزيز حضورها في المشهد التكنولوجي والرقمي التونسي، وهي تباشر تنظيم خريطة طريق الانتقال من الجيل الرابع إلى الجيل الخامس من شبكة الاتصالات.

انفتاح مثير على روسيا

على الجانب الروسي، علاوة على سابقة توقيع شراكة بين هيئتي الانتخابات الروسية والتونسية، عززت تونس، منذ عام 2023، شراكتها الاستراتيجية مع روسيا في مجال الطاقة. فقد سجلت وارداتها من المنتجات النفطية الروسية ارتفاعا قياسيا مقارنة بالسنوات السابقة. وكشفت بيانات شركة "كيلر" للتحليلات، نقلتها "رويترز"، أن تونس استوردت 77 ألف برميل يوميا من الغاز والديزل الروسيين في فبراير/شباط 2023، مقارنة بـ25 ألف برميل في يناير/كانون الثاني 2022.

من المستبعد أن يستبدل التونسي الـ'برغر' الأميركي بالـ'أندومي' الصيني بسرعة ولن يعجبه بالتأكيد المذاق

مصدر ديبلوماسي أميركي لـ"المجلة"

أصبحت تونس تمثل طريقا تجاريا جديدا من ضمن بدائل روسيا، بحسب ما أكد مصدر رسمي لـ"المجلة". وكانت تونس رفضت عام 2015، القبول بتداول العملة الروسية "الروبل" خلال مفاوضات أطلقتها روسيا على أثر أزمة مع تركيا،  للبحث عن أسواق سياحية بديلة.

فقد كشفت وكالة "رويترز" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن تونس أصبحت طريقا تجاريا جديدا نحو كوريا الجنوبية للوقود الروسي المستخدم في البتروكميائيات. وبحسب الوكالة، بدأت كوريا الجنوبية باستيراد الوقود من تونس التي قالت إنها سجلت بدورها قفزة في الإمدادات من المادة نفسها من روسيا. واعتبرت أن ذلك يسلط الضوء على طريق تجاري غير معتاد قالت إنه ظهر في أعقاب العقوبات المفروضة على موسكو بسبب حربها على أوكرانيا.

الخطوات التونسية الحثيثة في اتجاه الشرق، تثير قلقا أميركيا وأوروبيا.  ويقول مصدر ديبلوماسي أميركي لـ"المجلة": "عوامل موضوعية عدة سهلت مثل هذه التطورات، منها تراجع القبول الشعبي لأميركا في تونس بنسبة 70 في المئة منذ أحداث غزة، يضاف إليها البرودة في العلاقات مع السلطات الجديدة بسبب التباين في الملف السياسي، وأساسا حول القيم الديمقراطية". ويضيف "من المستبعد أن يستبدل التونسي الـ'برغر' الأميركي بالـ'أندومي' الصيني بسرعة ولن يعجبه بالتأكيد المذاق".

font change

مقالات ذات صلة