في الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا، بدا كما لو أنه ليس هناك مكان آمن لأي جندي روسي. لعبت مسيّرات كييف دورا في تحييد ضربات موسكو. وقتذاك، ساد اعتقاد بأن هذا السلاح الرخيص حاسم في أي معركة.
بعد سنتين وتحديدا في منتصف أبريل/نيسان الماضي، استطاعت الدفاعات الجوية لإسرائيل وحلفائها من أميركا وبريطانيا وفرنسا تحييد نحو 330 مسيرة وصاروخا، أطلقتها طهران ردا على هجوم تل أبيب على القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أسبوعين آنذاك.
وفي 19 أبريل، شنت إسرائيل ضربات غامضة في أصفهان، في عمق إيران، حيث تقيم قواعد جوية ومواقع نووية تعتبرها إيران رمز الردع والتفوق في الإقليم.
بين هذه التواريخ الثلاثة وبعدها، لا تزال المسيرات جوالة في سماء الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم، بينها الضربات التي يوجهها الحوثيون ووكلاء إيران في البحر الأحمر، لتهديد خطوط الإمداد للتجارة والطاقة في العالم، وغارات "حرب الظل" بين طهران وتل أبيب.
هناك جدل كثير بين الخبراء والعسكريين إزاء فاعلية المسيرات وكلفتها وكلفة صدها وتحييدها. لكن الثابت أن هذا السلاح بات جزءا أساسيا من حروب الشرق الأوسط. بالتالي، بات مكونا أساسيا من تفكير قادة الجيوش ورؤساء الأركان، وبات هناك سباق في إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل وغيرها، للسيطرة على سماء الإقليم.
لمن تكون الغلبة في الشرق الأوسط؟ هذا هو سؤال قصة غلاف "المجلة" لشهر يونيو/حزيران. نترك البحث عن إجابات لأصحاب الاختصاص. خبراء وقادة عسكريون يعرضون أهمية المسيرات في الحروب، سواء كان ذلك في البر حيث ساحات الصراع، أو في البحر حيث خطوط الإمداد ذات الأهمية الاستراتيجية لاقتصادات العالم، أو في الجو حيث مناجم التجسس والبحث عن المعلومات والخرائط والأسرار وخطط الانقضاض وتمزيق الخرائط واختراق الحدود.
حاليا، يستخدم الإرهابيون الذكاء الاصطناعي إعلاميا فقط. القلق من الآتي، عندما يستخدم "داعش" التكنولوجيا الجديدة في التجنيد والتنفيذ
قد يقول قائل، إن المسيرات كرست أهمية الوسائل البدائية والتقليدية. المدفع والصاروخ والبرميل. الذخائر العمياء التي ترمى لترعب وتقصف لتدمّر، أو الذكية التي تلاحق الخصوم في غرف نومهم وتقطع الرؤوس ولا تدمر السقوف. هناك من يعالج ذلك في هذا الملف.
الأخطر ليس هنا. الأخطر يأتي من خلطة قاتلة: المسيرة والذكاء الاصطناعي والإرهاب. وبينما يجادل الخبراء ويفحصون أيها أهم: الصاروخ أم المسيرة، الضربات الهجومية أم قبة الحديد الدفاعية، يعكف أفراد وتنظيمات وإرهابيون في غرف معتمة على تصنيع معادلة مرعبة: مسيرة و"ذئب منفرد" يسيرهما الذكاء الاصطناعي. هذا هو التحذير الذي يطلقه الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل في حديثه إلى "المجلة". وهو الذي قاتل "داعش" في العراق وسوريا وهزم جغرافيا التنظيم في مارس/آذار 2019، لكنه قلق ويحذر من استفادة الإرهابيين في المنطقة والعالم من "المسيرة المنفردة الذكية".
يردد هذا القلق، الباحث في شؤون "داعش" تشارلز ليستر. ويكتسب التحذير بعدا إضافيا من أنه يصادف الذكرى العاشرة لإعلان أبو بكر البغدادي ولادة التنظيم نهاية يونيو/حزيران 2014. صحيح أن العالم نجح في معاركه ضد "داعش" وقضى على جغرافيته و"خلافته" المزعومة في العراق وسوريا. لكن الصحيح أيضا، أن هذا التنظيم الذي خسر معاركه غيّر تكتيكاته، واتجه إلى ساحات محلية في أفغانستان وأفريقيا وراح يخترق الحدود والقارات. وفي هجومه الأخير في ضواحي موسكو، أضاف عنصرا مرعبا إلى أدواته الإرهابية، إنه الذكاء الاصطناعي، بإعلانه المسؤولية عن الهجوم الإرهابي.
حاليا، يستخدم الإرهابيون الذكاء الاصطناعي إعلاميا فقط. القلق من الآتي، عندما يستخدم التنظيم التكنولوجيا الجديدة في التجنيد والتنفيذ. هنا لا بد من التذكير بأن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ولدت من "فكرة إرهابية": طائرة شراعية تستهدف قنصلية، ثم تحولت إلى طائرات مدنية يخطفها إرهابيون ويهاجمون مجمعات وأبراج نيويورك وغيرها.
إضافة إلى هذا المحور، هناك ملف خاص آخر في هذا الشهر. صعود اليمين في الشرق الأوسط وأوروبا والعالم. آخر الاختبارات في البرلمان الأوروبي والهند، لكن قد لا تكون الأخيرة باعتبار أن 2024 هو عام الانتخابات في العالم، بينها في بريطانيا وجنوب أفريقيا والهند وأميركا.
هناك مساران في الشرق الأوسط: الحروب أو الوعود، الاستئثار أو الاستثمار، الماضي أو المستقبل
أحد رموز اليمين في الشرق الأوسط، في إسرائيل. هذه البلاد أسيرة لمصير بنيامين نتنياهو الذي لا يريد أن يترك رئاسة الوزراء كي لا يواجه المحاسبة. بلاد أسيرة لجنون اليمين المتطرف، خطفت المنطقة رهينة، فحرب غزة مستمرة والانتهاكات متواصلة، تواكبهما جهود لإبقاء شعلة الحل السياسي موجودة وخيار الشرق الأوسط الجديد مطروحا، سواء بالضغط لوقف نار غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية، والاحتجاجات، أو بإقدام دول أوروبية على الاعتراف بدولة فلسطين.
في هذا العدد أيضا، عرض لخيارات إيران في الداخل والإقليم، بعد مقتل رئيسها إبراهيم رئيسي، ومراجعة لمسارات اقتصادات الشرق الأوسط، إضافة إلى إضاءات ثقافية بينها وصول فيلم "نورة" للمخرج السعودي توفيق الزايدي إلى مهرجان "كان".
بالفعل، هناك مساران في الشرق الأوسط: الحروب أو الوعود، الاستئثار أو الاستثمار، الماضي أو المستقبل.