علي شمخاني... رجل المهمات الصعبة في إيران

التفاوض غير المباشر مع الأميركيين والوساطة الدبلوماسية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
علي شمخاني يحضر اجتماعا مع المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسي في العاصمة الإيرانية طهران، في 10 يوليو 2019

علي شمخاني... رجل المهمات الصعبة في إيران

في الوقت الذي كان المراقبون يركزون اهتمامهم على المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية بعد مصرع الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، سُلطت الأضواء على مستشار المرشد علي شمخاني الذي كُلف بالإشراف على المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول إحياء الاتفاق النووي منذ بداية مارس/آذار الماضي.

وكان شمخاني الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي لعشرة أعوام وأشرف على المفاوضات النووية، وترك منصبه في مايو/أيار العام الماضي.

وتناولت صحف إيرانية هذا الخبر، حيث أفادت صحيفة "اعتماد" في عددها الصادر 28 مايو في تقرير بعنوان "دلالات عودة شمخاني إلى المفاوضات النووية" بأن "بعض المراقبين يعتقدون أن علي باقري كني الذي أصبح وزير الخارجية المؤقت بعد مصرع حسين أمير عبداللهيان في تحطم مروحية رئيس الجمهورية، يواجه تحديات عديدة. وكان باقري كني كبير المفاوضين الإيرانيين خلال المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة بهدف إحياء الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في 2015. وطبقا للبروتوكول الدبلوماسي فإنه لا ينبغي على وزير الخارجية أن يجري مفاوضات مع مسؤولين أقل مرتبة منه على غرار بيرت ماكغورك وهو كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط. وإذا أرادت إيران أن تتمسك بهذا البروتوكول فعليها أن تدفع أحد كبار دبلوماسييها إلى ميدان المفاوضات ليؤدي دور كبير المفاوضين في الملف النووي حتى موعد انتخابات الرئاسة في 28 يونيو/حزيران على أقل تقدير".

وقد تشهد إدارة الملف النووي تغييرا بعد رحيل عبداللهيان. وكان الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني يتولى الإشراف على الملف النووي منذ نحو شهرين قبل مصرع رئيس الجمهورية.

دور هامشي للخارجية

واعتبرت وسائل إعلام عديدة أن تولي الملف النووي من قبل شمخاني يدل على "الدور الهامشي الذي تلعبه وزارة الخارجية في الشأن النووي".

ونقلت "اعتماد" عن مصدر دبلوماسي إيراني كبير قوله لوكالة "أمواج ميديا" للأنباء: "لا يقود علي شمخاني الملف والمفاوضات النووية بل يقوم بدور المنسق والمشرف".

وقال التقرير إنه تم تعيين شمخاني كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في 2013. وكانت هناك أخبار حول تنحي شمخاني من منصبه بعد تولي إبراهيم رئيسي سدة الرئاسة بسبب اختلافات بينهما غير أنه بقى في منصبه لأنه كان يقود مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بهدف إحياء الاتفاق النووي، كما أن شمخاني كان يلعب دورا قياديا في المبادرات الدبلوماسية بين إيران ودول المنطقة وقد زار شمخاني الصين في مارس 2023 للتوقيع على الاتفاق التاريخي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية غير أن شمخاني تنحى من منصبه في مايو 2023 وحل محله علي أكبر أحمديان أحد جنرالات "الحرس الثوري".

ويرى مراقبون أن عودة علي شمخاني إلى المشهد السياسي تدل على أن القيادات الإيرانية تستعد لاتخاذ قرارات مهمة بشأن ما قد يحدث بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وأن التغييرات في السياسة الخارجية تدل على تغييرات في كيفية اتخاذ القرارات في إيران.

اعتبرت وسائل إعلام عديدة بأن تولي الملف النووي من قبل شمخاني يدل على الدور الهامشي الذي تلعبه وزارة الخارجية في الشأن النووي

وقالت صحيفة "شرق" في تقرير بعنوان "تباين الروايات حول علي شمخاني" في عددها الصادر 29 مايو: "نشهد هذه الأيام تباينا في الروايات حول الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي. وتفيد بعض الأخبار بأن علي شمخاني يقود المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، ولكن هناك تقارير إعلامية تقدم علي شمخاني كإحدى العقبات الرئيسة لإحياء الاتفاق النووي في الأشهر الأخيرة من فترة حسن روحاني الرئاسية (والتي انتهت في أغسطس/آب 2021).

وأشارت "شرق" إلى تصريحات محمود واعظي مدير مكتب حسن روحاني، الرئيس الإيراني السابق، حول علي شمخاني، إذ اتهم واعظي مستشار المرشد بعرقلة صفقة لإحياء الاتفاق النووي في المحادثات التي جرت خلال الأشهر الستة الأخيرة لحكومة حسن روحاني، قائلا إن "سياسة شمخاني كانت غير متطابقة مع سياسة السيد روحاني الذي كان يتابع شخصيا ملف إحياء الاتفاق النووي... وعدم التطابق هذا في الرؤى كان جليا... وإذا كانت الرؤى مشتركة لتم التوقيع على إحياء الاتفاق النووي في فترة رئاسة (حسن روحاني)".

وتابع التقرير: "في الوقت الذي يقول فيه محمود واعظي مدير مكتب حسن روحاني إن علي شمخاني كان يعارض إحياء الاتفاق النووي، هناك تقارير تفيد بأن شمخاني تم تكليفه بالإشراف المباشر على المفاوضات النووية منذ 3 أشهر... وامتنع المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني عن الحديث حول تكليف شمخاني بالإشراف على الملف النووي". وتابع كنعاني: "سيقود الوفد الإيراني المفاوضات بهدف رفع العقوبات تحت إشراف كبار المسؤولين في النظام".

عودة علي شمخاني إلى المشهد السياسي تدل على أن القيادات الإيرانية تستعد لاتخاذ قرارات مهمة بشأن ما قد يحدث بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية

ويقول الخبير في الشؤون الدولية فريدون عطار في حوار مع "شرق" حول هذا التباين بشأن شخصية شمخاني والمفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي: "لقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن المفاوضات النووية تحت إشراف كبار المسؤولين في النظام. ولا تخضع لإشراف السلطات الثلاث. تحتاج المفاوضات النووية إلى إشارة خضراء من القيادة العليا بشأن مسارها وتفاصيلها. لذلك فإن علي شمخاني لم يقد المفاوضات النووية في أواخر فترة رئاسة حسن روحاني وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من منطلق شخصي بل إن لديه واجبا. ويقوم شمخاني بواجبه وفق الظروف".

وتابع عطار: "عندما كان علي شمخاني أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي في نهايات فترة رئاسة روحاني كان يميل إلى إحياء الاتفاق النووي لأن كافة أركان النظام كانت تؤيد هذا الاتجاه".

أ.ف.ب
علي شمخاني يتحدث خلال الاجتماع الأول لأمناء الأمن القومي لكل من إيران وروسيا وأوزبكستان وطاجيكستان وأفغانستان والصين والهند في طهران في 18 ديسمبر 2019

ويرى عطار: "لقد وصلت القيادات العليا في النظام إلى قناعة بأن السياسة الخارجية يجب أن تتمحور حول استراتيجية "لا للحرب ولا للمفاوضات" وذلك بسبب التطورات المتلاحقة بعد انسحاب دونالد ترمب من الاتفاق النووي واغتيال الجنرال قاسم سليماني. لذلك فإن كافة مراكز اتخاذ القرار كانت لديها قناعة بأن المفاوضات النووية في فيينا لا يمكن أن تشكل انفراجة في تلك الظروف، وبالتالي تم استخدام رئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي بهدف إيجاد الموانع في سبيل الوصول إلى أي اتفاق".

وأضاف عطار: "لقد اختلفت الظروف والأوضاع لأننا اليوم نواجه أزمة اقتصادية خانقة والشرق الأوسط والعالم على صفيح ساخن. لقد دفعت هذه الظروف القيادات العليا في النظام إلى نتيجة مفادها أن استمرار المفاوضات بهدف إحياء الاتفاق النووي قد يكون مجديا".

ويعتقد الخبير الإيراني أنه تم تكليف علي شمخاني بالمفاوضات النووية بسبب تجاربه السابقة الناجحة، ومنها جهوده لاستئناف العلاقات بين السعودية وإيران. وتجري المحاولة من قبل المؤسسات العليا في النظام لتغيير المسار بهدف إنجاح المفاوضات".

ويرى عطار أن "الهدف الرئيس الراهن هو المفاوضات من أجل احتواء الأزمة ومنع التصعيد بين طهران وواشنطن وليس إحياء الاتفاق النووي. ولكن قد يكون الهدف من تكليف علي شمخاني بالمفاوضات بدلا من وزارة الخارجية هو تمهيد الطريق لإجراء مفاوضات أوسع للحصول على اتفاق أكبر ومستدام بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية والأميركية".

font change

مقالات ذات صلة