ولي العهد الأردني والـ25 سنة المقبلة

الأمير حسين يركز على إصلاح الدولة والقطاع العام والتحول الرقمي

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الأمير حسين بن عبدالله الثاني

ولي العهد الأردني والـ25 سنة المقبلة

في فبراير/شباط عام 2018، كنت في العاصمة الأردنية عمان، بدعوة من مكتب الملك عبدالله الثاني للقائه ضمن نخبة من الزملاء الأكارم.

ما تحدث به الملك عبدالله وقتها كان وافر الأهمية وفي الشقين المحلي والدولي. وبناء على طلبه الشخصي أكثر من مرة، لم يكن الحديث للنشر، لكن ما انتبهت إليه في حديثه (وفي أحد المفاصل كان يحاور كاتب هذا المقال في مداخلة)، أنه كان دائم التركيز وبشكل مستمر على أن الآتي مع جيل الشباب القادم سيكون أفضل. وفي محور ما كنت أتحدث به عن تزوير الوعي الجمعي للناس طوال عقود، أشار الملك لي موافقا بقوله إن "جيلنا" راحت عليه ولن يدرك حجم التغيرات، ثم استطرد بحماس: "لكن الأمل في الجيل الجديد"، وأن علينا العمل بسرعة لكي نهيئ القادم لهذا الجيل، ثم تحدث عن رؤيته لمحتويات ذلك القادم والمستعجل.

تلك اللحظة، اعتقدت أن الملك عبدالله يتحدث عن الشباب بشكل عام، لكنني منذ عام 2018، أتابع نشاطات ولي العهد الأمير حسين ومرافقته لرأس الدولة في معظم الاجتماعات واللقاءات لأجد أن الملك كان يتحدث عن الشباب وفي ذهنه دوما صورة نجله الأمير الذي قطع شوطا كبيرا في تهيئته كمشروع ملك بحكم أنه ولي العهد.

لقائي مع الأمير حسين

أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حظيت بلقاء الأمير حسين نفسه في مكتبه بمبنى على طرف مجمع قصر الحسينية بكل مكاتبه. وكنت هيأت نفسي لأخذ الانطباعات قدر الإمكان عن شخصية ولي العهد الأردني. كان اللقاء– لحسن حظي- طويلا بما يكفي لأجد بعض مفاتيح فهم شخصية الأمير حسين، ومنها بما لا يخفى على من يتحدث معه أنه ملم بالتاريخ، وإلمامه بالتاريخ ليس قائما على منهجية السردية والحكاية المحكية، بل قراءة واعية للتاريخ كتعاقب أيديولوجي وفكري للأحداث يصل فيها إلى فهم الحاضر والبناء عليه.

الأمير الشاب يصغي باحتراف، ويضبط تعابير وجهه على مقاسات الحديث بالضبط دون زيادة، وهو ما جعل عملية فهم شخصيته بالنسبة لي تحديا إضافيا. لكنني وجدت أن من مفاتيح شخصيته المميزة ونقطة ضعفه- إن جاز التعبير- أنه يتفاعل فورا مع أي انتقاد حقيقي في مسائل الدولة الأردنية، ويدفعك بمداخلاته "المحفزة" إلى أن تخوض أكثر في عمق أزمة أي ملف، فيدخل في حوار حقيقي يكشف فيه قراءة "ناقدة" دون تشنج لكثير من شؤون الدولة الأردنية وأزماتها.

الأمير الشاب يصغي باحتراف، ويضبط تعابير وجهه على مقاسات الحديث بالضبط دون زيادة، وهو ما يجعل عملية فهم شخصيته تحديا إضافيا

كان طاهر بركة صحافيا محترفا وهو ينجز حواره المتلفز مع الأمير، في مقابلة خاصة بثتها قناة "العربية"، ولا أشك للحظة أن احترافية طاهر خلقت جوا من الأريحية مع الأمير حسين الذي كان يجيب بأريحية على أسئلة بركة حتى الصعب منها، ومن ذلك جواب الأمير الذكي حول السؤال عن أحداث  سبتمبر/أيلول في سبعينات القرن الماضي. إجابة الأمير كانت حاسمة وأحالتني إلى عام 2018 وحديث الملك عن أجيال قادمة لن تكون مشغولة بأزمات الأجيال التي قبلها.

الخمسة والعشرون سنة المقبلة

الأمير في المقابلة تحدث تماما كولي عهد، مدركا تماما مفهوم الدولة بكامل أبعادها، وتحدث كمشروع ملك وهذا كان متجليا في طريقة حديثه. ولعلني عدت كثيرا إلى الخمس دقائق الأولى من المقابلة بعد السؤال الأول، حين استدرك الأمير قبل الإجابة على السؤال الثاني بقوله إن السؤال الأهم بالنسبة له– كولي عهد- هو كيف ستكون الخمسة والعشرون عاما القادمة. ليستطرد بثقة "مشروع الملك" قائلا: "أولويتي أن يكون الأردن أقوى ونعتمد على أنفسنا أكثر ويكون لدينا اكتفاء ذاتي".

استدراك الأمير لوضع هذه المفردات لم يكن إلا تفكيرا بعقل بارد وواثق وبلغة مشروع ملك لديه رؤية خاصة به غير منفصلة– كما هو واضح من حديثه نفسه- عن رؤية والده وجده من قبل.

الأمير الذي يحب التدقيق في التفاصيل لديه طريقته في معالجة الملفات المحلية بشكل دقيق ومنهجي مترافق مع متابعة شخصية منه خارج الأطر الرسمية تعتمد أخذ رأي الخبراء في مختلف القطاعات بجلسات مغلقة غير معلنة يستقي من خلالها مختلف وجهات النظر في كل ملف مطروح أمامه.

أثناء لقائي في نوفمبر الماضي مع الأمير، كانت لديه طريقة ذكية في طرح المداخلات والجمل الاعتراضية وأنا في غمرة حديثي معه، ويسلحها بحس دعابة بالغ التهذيب، ولديه حساسية من خلق الحرج لأي جهة، لكنه قادر على أن يوصل انتقاده بطريقة واضحة على كثير من الأمور التي لا تعجبه، كما أنه وبحس الدعابة الذكية ذاته قادر على أن يوصل الرسائل الإقليمية المريحة. ولعله في مقابلته مع "العربية" استطاع أن يركز على العلاقة بين عمّان والرياض ويبني على علاقات تحتاج تكاملا حقيقيا في السياسات والرؤى ضمن إقليم يعيد صياغة نفسه من جديد.

ولي العهد

لقد تمت تهيئة الأمير بتكثيف واضح وليا للعهد، وهي عبارة تتجاوز وصفها الدستوري إلى كونه عرّف بنفسه رؤيته لعهده ضمن مفهوم دولة استمرت ولا تزال تستمر، وهو اليوم يشرف مباشرة على ملفات تتعلق بإصلاح الدولة الأردنية وأهمها وضع استراتيجية إصلاح القطاع العام "جهاز الدولة نفسه"، والتحول الرقمي الذي لم يعد ترفا بل بات ضرورة حيوية لدولة مستقرة في محيط غير مستقر، وقد دخلت مئويتها الثانية.

أ.ف.ب
الملك عبدالله الثاني وولي العهد الأمير حسين خلال اجتماع مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في عمّان في 2 أبريل 2024

أعود دوما إلى حديث الملك عام 2018، وكثير من أحاديثه بعد ذلك، وأقرأ بتمعن منهجية تهيئة الملك القادم على مهل، من خلال ولي عهد يمارس دوره الوظيفي في الميدان لا ظلا لأبيه وحسب، بل ظل للملك نفسه، والظل بدأ يتجسد أكثر بملامح صارت تأخذ تجسيما حيويا يتجاوز حدود الظلال.

font change


مقالات ذات صلة