شركات التكنولوجيا متعطشة الى كميات هائلة من الكهرباء

"ألفابت" و"أمازون" و"ميتا" و"مايكروسوفت" تستثمر المليارات في الطاقة المتجددة والنووية

Shutterstock
Shutterstock
شعار وكالة الطاقة الدولية (IEA)

شركات التكنولوجيا متعطشة الى كميات هائلة من الكهرباء

تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى الى المزيد من قوة الحوسبة. بل أكثر من ذلك بكثير. ووفقا لأحدث تقاريرها ربع السنوية، استثمرت "ألفابت" (مالكة غوغل) و"أمازون" و"مايكروسوفت" - عمالقة الحوسبة السحابية في العالم - مجتمعة 40 مليار دولار أميركي بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار المنصرمين، معظمها في مراكز البيانات للتعامل مع أعباء الذكاء الاصطناعي المتزايدة.

وفي الشهر الماضي، قالت شركة "ميتا"، التي ليس لديها أعمال سحابية لكنها تدير إمبراطورية من وسائط التواصل الاجتماعي متعطشة للبيانات، إن نفقاتها الرأسمالية يمكن أن تصل إلى 40 مليار دولار أميركي في السنة الجارية، نتيجة لمشاريع متعلقة بالذكاء الاصطناعي. وذلك ليس بعيدا عن مبلغ الـ 50 مليار دولار أميركي الذي تخطط شركة النفط السعودية العملاقة، "أرامكو"، لإنفاقه. ومن المرجح أن تنفق "مايكروسوفت" أكثر من ذلك.

المقارنة بصناعة الطاقة الكهربائية المشهورة بالنفقات الرأسمالية الكبيرة مناسبة، ولا يرجع ذلك إلى المبالغ المالية الضخمة التي ينطوي عليها فحسب. فالذكاء الاصطناعي يحتاج إلى كميات هائلة من القدرة على معالجة البيانات، وتحتاج تلك القدرة على المعالجة إلى كميات هائلة من الكهرباء. في 2 مايو/أيار، قال بوب بلو، الرئيس التنفيذي لشركة "دومينيون إنرجي"، إحدى كبرى شركات المرافق في أميركا، إن مطوري مراكز البيانات يطلبون منه الآن "غيغاواط" عدة بشكل متكرر. وتبلغ سعة الطاقة الكهربائية الإجمالية التي ركبتها شركة "دومينيون" 34 غيغاواطاً.

استهلكت "ألفابت"، وذراع "أمازون" السحابية (إيه دبليو إس) و"ميتا" و"مايكروسوفت"، 90 تيراواط ساعة من الكهرباء في سنة 2022، أي ما يعادل استهلاك كولومبيا

تقديرات بنك "جي. بي. مورغان تشيس"

يقدر بنك "جي. بي. مورغان تشيس" أن "ألفابت"، وذراع "أمازون" السحابية (إيه دبليو إس) و"ميتا" و"مايكروسوفت" استهلكت 90 تيراواط ساعة من الكهرباء في سنة 2022، أي ما يعادل استهلاك دولة كولومبيا. وكان ذلك عموما قبل أن تطلق "تشات جي. بي. تي." ثورة الذكاء الاصطناعي في نوفمبر/تشرين الثاني من تلك السنة.

تنبؤات وكالة الطاقة الدولية

ودفعت الضجة التي أعقبت ذلك وكالة الطاقة الدولية، وهي جهة التنبؤ الرسمية، إلى توقع أن تستهلك مراكز البيانات (بما في ذلك تلك المخصصة للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة المتعطشة للطاقة بالقدر نفسه) أكثر من 800 تيراواط ساعة على مستوى العالم في سنة 2026، أي ضعف الكمية المستهلكة في سنة 2022. وتعتقد مجموعة بوسطن للاستشارات أن معالجة البيانات ستضاعف حصتها من استهلاك الطاقة في أميركا ثلاث مرات في حلول سنة 2030، لتصل إلى 7.5 في المئة.

Shutterstock

لا يفي أي نوع من الطاقة بالغرض. فعمالقة التكنولوجيا تريد أن تكون طاقتها نظيفة. وفي أبريل/نيسان، حذّر اتحاد صناعتهم شركة "جورجيا باور"، التي تمكنت من تسريع الموافقة على توليد 1.4 غيغاواط من الطاقة الجديدة بالوقود الأحفوري بالإشارة إلى الطلب المتزايد من مراكز البيانات، بأن أعضاء الاتحاد سينشئون عددا أقل من هذه المراكز في الولاية الأميركية الجنوبية إذا أنتجت الشركة مزيدا من الكربون. وعند جمع احتياجات التكنولوجيا الرقمية إلى الطاقة مع الطلب المتزايد من وسائل النقل والتدفئة وأجزاء من الصناعات الثقيلة التي أصبحت تعمل بالكهرباء بشكل متزايد، فإنها تضع ضغطا هائلا على الشركات التي تنتج الكهرباء وتوزعها.

800 مليار دولار لإزالة الكربون من شبكات الكهرباء

تشير "بلومبرغ نيو إنرجي فايننس" إلى أن الاستثمار السنوي المطلوب في الشبكات الكهربائية لإزالة الكربون تماماً من الكهرباء العالمية في سنة 2050 يجب أن يرتفع من نحو 300 مليار دولار أميركي في سنة 2022 إلى 600 مليار دولار أميركي في سنة 2030 وأكثر من 800 مليار دولار أميركي في سنة 2050. شركات المرافق التي تتحاشى الأخطار، وتنفذ عادة مشاريع توسعة للشبكة تحت إشراف صارم من الجهات التنظيمية التي تراعي التكلفة، لا تمتلك الأموال ولا الرغبة في القيام بذلك.

من المشكلات أن مراكز البيانات تستخدم الطاقة بمعدل ثابت، حتى عندما لا تكون الشمس مشرقة ولا تهب الرياح

هنا يأتي دور شركات التكنولوجيا الكبرى نفسها. فهذه الشركات العملاقة ذات الموارد المالية الوفيرة هي القوة الدافعة وراء "اتفاقيات شراء الطاقة" الخضراء، التي ساعدت في إطلاق طفرة الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة بإقناع شركات المرافق والمستثمرين الآخرين ببناء مزارع الرياح والطاقة الشمسية. وهي الآن تدخل مباشرة في مجال الطاقة النظيفة على نحو متزايد.

في 1 مايو/أيار الماضي، أعلنت "مايكروسوفت" و"بروكفيلد"، وهي شركة استثمار كبيرة في البنية التحتية، صفقة لبناء 10.5 غيغاواط من سعة الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة وأوروبا في سنة 2030. ويهدف ذلك إلى تمكين شركة البرمجيات العملاقة من الوفاء بتعهدها بالحصول على 100 في المئة من كهربائها طوال الوقت من مصادر خالية من الكربون في سنة 2030. لم يكشف الشريكان عن قيمة الصفقة، ولكن إضافة 1 غيغاواط من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية يمكن أن يكلف نحو مليار دولار أميركي. 

من المشكلات أن مراكز البيانات تستخدم الطاقة بمعدل ثابت، حتى عندما لا تكون الشمس مشرقة ولا تهب الرياح. في مارس/آذار، قدمت "سايدووك إنفراستركشرز بارتنرز"، وهي شركة تكنولوجية شاركت "ألفابت" في تأسيسها، خطة تفصيلية في شأن كيفية جعل معالجة البيانات أكثر مرونة.

شركات التكنولوجيا تحتاج الى مفاعل نووي

وتنطوي هذه الخطة على مزيج من الشبكات المصغرة (التي يمكن تشغيلها بشكل مستقل، ولكنها تتبادل الطاقة أيضا مع شبكات أخرى قريبة منها) والبطاريات والبرمجيات المتقدمة لتمكين نقل المهام الأقل حساسية للوقت، مثل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، إلى الأوقات التي ينخفض فيها الطلب. ويتوقع جوناثان واينر، أحد مؤسسي "سايدووك"، أن تظهر مراكز البيانات هذه أولا في الأماكن التي تعاني من قيود الطاقة مثل أريزونا وكاليفورنيا.

الطاقة المتجددة ليست المجال الوحيد الذي يثير اهتمام شركات التكنولوجيا، فقد دفعت شركة "إيه دبليو إس" مبلغ 650 مليون دولار أميركي مقابل مركز بيانات بقدرة 960 ميغاواطاً في ولاية بنسلفانيا يعمل بمفاعل نووي

الطاقة المتجددة ليست المجال الوحيد الذي يثير اهتمام شركات التكنولوجيا الكبرى بالطاقة. ففي مارس/آذار، دفعت شركة "إيه دبليو إس" مبلغ 650 مليون دولار أميركي مقابل مركز بيانات بقدرة 960 ميغاواطاً في ولاية بنسلفانيا يعمل بمفاعل نووي مجاور. وعقدت "مايكروسوفت" صفقة مع شركة "كونستليشن إنرجي"، أكبر مشغل للطاقة النووية في أميركا، لتوريد الطاقة النووية إلى مركز بياناتها في فيرجينيا، بوصفه مصدرا احتياطيا عندما لا تتوفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وتنظر الشركتان في "المفاعلات الصغيرة المتعددة الوحدات"، وهي تكنولوجيا نووية واعدة وإن لم تثبت جدواها بعد.

.أ.ف.ب
نائب رئيس شركة مايكروسوفت لقسم "ويندوز" والأجهزة بان دافولوري، يتحدث خلال فعالية خاصة بالشركة، في ريدموند، واشنطن 20 مايو 2024

في غضون ذلك، تبدي "غوغل" اهتماما بالطاقة الحرارية الأرضية. وقد وقعت أول صفقة من نوعها على مستوى الشركات لتطوير طاقة حرارية أرضية "معززة" مع شركة "فيرفو"، وهي شركة ناشئة جمعت تمويلا مقداره 430 مليون دولار أميركي. استلهمت الشركة صناعة النفط الصخري وطورت آبارا أفقية تراقب باستخدام كابلات الألياف البصرية. وينتج موقعها في ولاية نيفادا طاقة خالية من الكربون على مدار الساعة للشبكة المحلية - التي استحوذت عليها "غوغل" بعد ذلك.

ويقول تيم لاتيمر، رئيس "فيرفو"، إن كل منصة حفر تشغلها شركته يمكن أن تضيف 100 ميغاواط من الطاقة. وتقوم الشركة بتطوير محطة تجارية بقدرة 400 ميغاواط في يوتا، وستبدأ بتغذية الشبكة في سنة 2026. وتقدر وزارة الطاقة أن ابتكارات مثل ابتكارات "فيرفو" يمكن أن توسع إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية في أميركا بنحو 20 ضعفا، إلى أكثر من 90 غيغاواطاً في سنة 2050.

إقرأ أيضا: الشمس متنفس المواطنين في دول "محور الممانعة" الإيراني

تعاونت "غوغل" و"مايكروسوفت" أيضا مع "نوكور"، وهي شركة أميركية عملاقة تشغل مصانع صغيرة للفولاذ، وتستهلك كميات كبيرة من الكهرباء. ففي مارس/آذار، أعلنت الشركات الثلاث أنها ستجمع طلباتها وتقدم عقودا مشتركة لمشاريع الطاقة النظيفة، أكانت مشاريع تجارية في المراحل الأولى أو مشاريع جديدة تماما "أولى من نوعها". تكمن الفكرة في ضمان استمرارية المطورين للتقنيات الواعدة مثل تخزين الطاقة الطويل الأمد، والهيدروجين النظيف، والجيل التالي من الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة النووية. 

طموحات سام ألتمان

تأتي أكثر مجالات الطاقة غرابة في صناعة الذكاء الاصطناعي بإذن من سام ألتمان، الرئيس المتفائل بالتكنولوجيا لشركة "أوبن إيه آي"، صانعة "تشات جي. بي. تي." والشريك الرئيس لــ"مايكروسوفت" في تصميم النماذج. ففي سعيه الى تزويد ثورة الذكاء الاصطناعي الطاقة، دعم شركة "هيليون" الناشئة في مجال الاندماج النووي، وشركة "إكزوواط" التي تطور ألواحا شمسية يمكنها توليد الكهرباء وتخزينها بمثابة حرارة. ويأمل السيد ألتمان الآن في جمع 500 مليون دولار أميركي لصالح شركة "أوكلو"، التي تطور مفاعلات نووية دقيقة تعمل بالوقود المستنفد من المفاعلات الكبيرة وتستطيع أن تزود  المصانع الفردية ومقار الشركات، الطاقة، ومزارع خوادم الذكاء الاصطناعي بطبيعة الحال. قد تبدو هذه الرهانات خيالية. ولكن فكرة أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من كتابة المقالات أو الرسم كالبشر كانت كذلك قبل 18 شهرا.

font change

مقالات ذات صلة