اليمين المتطرف... الرابح في حرب غزة

حروب غزة هي حروب الطريق المسدود دوما دون حل سياسي شامل

أ.ب
أ.ب
مجندات إسرائيليات يقفن لالتقاط صورة مع أنقاض غزة في الخلفية في 19 فبراير 2024

اليمين المتطرف... الرابح في حرب غزة

مع نهاية كل حرب بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة على مدار العقدين الماضيين، لا تحقق إسرائيل ولا "حماس" أهدافهما المعلنة هناك: فالفصائل المسلحة ظلت قائمة وصامدة، رغم الدمار الهائل في البنية التحتية والضحايا من المدنيين، ولم ينته الاحتلال الإسرائيلي، بل ازداد شراسة وأطبق الخناق حول المزيد من الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية، أو اليوم في قطاع غزة. لكن اليمين الإسرائيلي المتطرف دوما يخرج منتصرا، ويصبح أنصاره أكثر جرأة في تبرير الانتهاكات بحق الفلسطينيين. بل إنه أصبح اليوم المتحكم الفعلي في استقرار حكومة بنيامين نتنياهو الهشة.

وبعد مضي أشهر عدة على حرب غزة الأخيرة، فشل الطرفان في تقديم أي رواية مقنعة ومنطقية لما أنجزاه في تلك الحرب الوحشية التي استهدفت المدنيين في القطاع بشكل غير مسبوق ردا على هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ قُتل وجُرح عشرات الآلاف، وألحقت الحرب دمارا شاملا بالبنية التحتية والمدنية في مساحة صغيرة من الأرض يقطنها أكثر من مليوني شخص.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يفشل فيها رئيس وزراء لإسرائيل، وعلى رأسهم نتنياهو الأكثر بقاء في السلطة، في تدمير أنفاق "حماس" واجتثاثها من غزة، فضلا عن مكون جديد في الحرب الأخيرة، الذي يتمثل فيمن لا يزال على قيد الحياة من الرهائن الذين اختطفتهم "حماس" وأنصارها من داخل إسرائيل.

بل إن إسرائيل أصبحت اليوم، تُلاحق قادتها تُهم في محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية بدافع التطهير العرقي، وجرائم حرب، كما أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.

إن حروب غزة هي حروب الطريق المسدود دوما دون حل سياسي شامل للصراع. لكنها تسدي صنيعا لليمين المتطرف وأفكاره، فيما يوظف أدواته في كل مرة، ومن بينها شخصيات سياسية وميليشيات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. وكلما زاد التنكيل بالفلسطينيين في غزة والضفة، قويت شوكة المتطرفين الإسرائيليين. كما توجد علاقة طردية بين الاستهداف العسكري الممنهج للمدنيين في غزة والرغبة اليمينية المتطرفة في إبادتهم المتمثلة في تصريحات وزراء في الحكومة الراهنة، الذين دعوا إلى إعادة بناء مستوطنات في غزة، وتهجير أهلها، ووصفوا الفلسطينيين على أنهم مجرد "اختراع"، بل إن أحدهم اقترح إلقاء قنبلة نووية على غزة.

كأن اليمين المتطرف هو الذي يُملي على الساسة في إسرائيل سياسة التعامل مع الفلسطينيين، ليس الآن فحسب بل طيلة العقود الماضية

وكأن اليمين المتطرف هو الذي يُملي على الساسة في إسرائيل سياسة التعامل مع الفلسطينيين، ليس الآن فحسب بل طيلة العقود الماضية منذ بدء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وأضحى اليوم قادة يمينيون، كرئيس وزراء إسرائيل الأسبق آرئيل شارون، أكثر وداعة مع الفلسطينيين مقارنة بساسة اليوم من أمثال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسليل سموتريتش.

وعلى الرغم من علمانيته، يصور نتنياهو حرب غزة على أنها حرب دينية لاستمالة اليمين المتطرف ولتحقيق مآرب سياسية شخصية. يقول نتنياهو في أحد خطاباته: "تقول لنا التوراة تذكروا ما فعل العماليق بكم، ونحن نتذكر ذلك بالفعل ونقاتل".

تغلغل اليمين المتطرف في إسرائيل

اللافت أنه قبل نشوب أي حرب في غزة أو مواجهات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، كانت هناك دوما مقدمات تنذر بقربها، كزيارات مستفزة لساحة الحرم الشريف من قبل مسؤولين متطرفين، أو هجمات مروعة للمستوطنين.

وتصاعد نفوذ اليمين المتطرف والصهيونية الدينية في صفوف الجيش الإسرائيلي، ودعا جنود في الحرب الأخيرة إلى نكبة جديدة، بينما تحدث بعضهم عن "معجرات إلهية" في ساحات القتال، وفي الأيام الأخيرة، فتح الجيش تحقيقا في فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر ما يبدو جنديا ملثما في غزة يرفض إدخال المساعدات الغذائية لسكان غزة ويهدد بعدم الامتثال لمساعي وقف الحرب أو الانسحاب من القطاع المحتل، فيما كُتبت خلفه على جدار أحد المنازل المدمرة شعارات لحركة "كاخ" المتطرفة.

أ.ف.ب
سموتريتش وبن غفير يشاركان في مسيرة الأعلام القومية المتطرفة بالقرب من البلدة القديمة في القدس، في 15 يونيو 2021

ولم يقتصر نفوذ اليمين المتطرف على الساحتين السياسية والعسكرية فحسب، بل امتد ليصل إلى ملاعب كرة القدم، فأنصار ناديي "بيتار القدس"، و"مكابي تل أبيب" دأبوا على مهاجمة مظاهرات صغيرة ومتناثرة لأنصار اليسار العلماني تناهض الحرب والاحتلال الإسرائيلي، إذ هاجموها بكل عنف مستخدمين الكراسي والعصى والحجارة في أكثر من مرة عبر السنين الماضية.

وكنت قد كتبت في الأشهر الأخيرة عن احتدام مشاعر الكراهية تجاه الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي بصفة عامة، وتحدثت مع مواطنين إسرائيليين يهود قُلبت حياتهم رأسا على عقب بسبب التعبير عن تعاطفهم مع الفلسطينيين في غزة، وهم يشاهدون مناطق سكنية بأكملها تدمر، وعائلات تباد، ومباني حيوية تتحول إلى ركام ودخان، إثر الغارات الجوية الإسرائيلية.

ولعبت جل وسائل الإعلام الإسرائيلية في الحرب دورا كبيرا في إذكاء حكم نتنياهو الشعبوي وتيار اليمين المتطرف، بقصد أو دون قصد، فمن أراد أن يعرف السردية الأخرى للحرب من المواطنين الإسرائيليين يلجأ عادة إلى بعض وسائل الإعلام الدولية، إذ إن الكثير من الإعلاميين والصحافيين اختاروا تغييب غزة وفرض رقابة ذاتية على المحتوى باسم الدفاع عن الدولة في حربها مع "حماس"، لكنه إجراء يصب في نهاية المطاف في مصلحة بن غفير ورفاقه.

font change

مقالات ذات صلة