مع نهاية كل حرب بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة على مدار العقدين الماضيين، لا تحقق إسرائيل ولا "حماس" أهدافهما المعلنة هناك: فالفصائل المسلحة ظلت قائمة وصامدة، رغم الدمار الهائل في البنية التحتية والضحايا من المدنيين، ولم ينته الاحتلال الإسرائيلي، بل ازداد شراسة وأطبق الخناق حول المزيد من الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية، أو اليوم في قطاع غزة. لكن اليمين الإسرائيلي المتطرف دوما يخرج منتصرا، ويصبح أنصاره أكثر جرأة في تبرير الانتهاكات بحق الفلسطينيين. بل إنه أصبح اليوم المتحكم الفعلي في استقرار حكومة بنيامين نتنياهو الهشة.
وبعد مضي أشهر عدة على حرب غزة الأخيرة، فشل الطرفان في تقديم أي رواية مقنعة ومنطقية لما أنجزاه في تلك الحرب الوحشية التي استهدفت المدنيين في القطاع بشكل غير مسبوق ردا على هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ قُتل وجُرح عشرات الآلاف، وألحقت الحرب دمارا شاملا بالبنية التحتية والمدنية في مساحة صغيرة من الأرض يقطنها أكثر من مليوني شخص.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يفشل فيها رئيس وزراء لإسرائيل، وعلى رأسهم نتنياهو الأكثر بقاء في السلطة، في تدمير أنفاق "حماس" واجتثاثها من غزة، فضلا عن مكون جديد في الحرب الأخيرة، الذي يتمثل فيمن لا يزال على قيد الحياة من الرهائن الذين اختطفتهم "حماس" وأنصارها من داخل إسرائيل.
بل إن إسرائيل أصبحت اليوم، تُلاحق قادتها تُهم في محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية بدافع التطهير العرقي، وجرائم حرب، كما أن المحكمة الجنائية الدولية تسعى لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت.
إن حروب غزة هي حروب الطريق المسدود دوما دون حل سياسي شامل للصراع. لكنها تسدي صنيعا لليمين المتطرف وأفكاره، فيما يوظف أدواته في كل مرة، ومن بينها شخصيات سياسية وميليشيات المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة. وكلما زاد التنكيل بالفلسطينيين في غزة والضفة، قويت شوكة المتطرفين الإسرائيليين. كما توجد علاقة طردية بين الاستهداف العسكري الممنهج للمدنيين في غزة والرغبة اليمينية المتطرفة في إبادتهم المتمثلة في تصريحات وزراء في الحكومة الراهنة، الذين دعوا إلى إعادة بناء مستوطنات في غزة، وتهجير أهلها، ووصفوا الفلسطينيين على أنهم مجرد "اختراع"، بل إن أحدهم اقترح إلقاء قنبلة نووية على غزة.