عندما يدعو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي زعماء العالم لحضور الجولة الجديدة من محادثات السلام المقرر عقدها في سويسرا، فهذه علامة أكيدة على أن آماله بالفوز في حربه ضد روسيا تتراجع سريعا.
ومن المقرر عقد هذه القمة، التي خطط لها منذ أشهر، في فندق بورجنشتوك الفاخر، خمس نجوم، فوق بحيرة لوسيرن. وجاء تنظيمها بعد أن اقترح زيلينسكي على الرئيس السويسري السابق آلان بيرسيه أن تستضيف سويسرا المحايدة مثل هذا الحدث.
ويضع الزعيم الأوكراني على هذه المحادثات، المزمع عقدها في منتصف يونيو/حزيران، آمالا كبيرة ومستعجلة، ولا سيما في هذا الوقت الذي تحاول فيه أوكرانيا صد هجوم روسي جديد شمال شرقي البلاد.
ووجهت الحكومة السويسرية الدعوة لأكثر من 160 دولة، قائلة إن هدف القمة "توفير منتدى يناقش فيه زعماء العالم سبل تحقيق سلام عادل ودائم في أوكرانيا، استنادا إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
ومن المرجح في الوقت الحاضر أن تشارك نحو 90 دولة فقط من الدول المدعوة. ومن المرجح أن تثار في القمة قضية تبادل السجناء السياسيين وسلامة المحطات النووية وعودة الأطفال المختطفين، من بين قضايا أخرى. كما توفر القمة في نظر زيلينسكي فرصة حيوية لأوكرانيا لتظهر أن الدعم العالمي لجهودها الحربية ضد روسيا لا يزال قويا. وهذا يفسر لماذا ناشد زيلينسكي الرئيس الأميركي جو بايدن على نحو مباشر نهاية هذا الأسبوع لحضور القمة، حيث من المتوقع أن يقدم فيها دعمه للقضية الأوكرانية.
وعلق زيلينسكي في رده على احتمال عدم حضور بايدن إلى سويسرا، قائلا إن غياب الزعيم الأميركي "لن يحظى إلا بتصفيق [الرئيس الروسي فلاديمير] بوتين، سيصفق بوتين لذلك شخصيا وبحماسة بالغة".
جميع المؤشرات القادمة من البيت الأبيض تدل على أن بايدن ونائبته كامالا هاريس لا يخططان لحضور القمة
إلا أن جميع المؤشرات القادمة من البيت الأبيض تدل على أن بايدن ونائبته كامالا هاريس لا يخططان لحضور القمة. وكانت "بلومبرغ" قد ذكرت في وقت سابق من هذا الأسبوع أنه من المتوقع أن يغيب بايدن عن قمة السلام في سويسرا لأنها تتعارض مع حملته لجمع التبرعات في كاليفورنيا، التي من المقرر أن يحضرها إلى جانب مشاهير مثل: جورج كلوني، وجوليا روبرتس، وآخرين.
وبينما تقول واشنطن إنها تدعم الاجتماع، فإنها لم تلتزم بعد بإرسال وفد رفيع المستوى إليه.
العقبة الرئيسة الأخرى التي تواجه القمة هي أن روسيا، الدولة التي أثارت الصراع في أوكرانيا أساسا، لم تُدع إلى هذه القمة، ولو أن الكرملين أشار إلى أنه لن يحضرها على أي حال.
وكانت العلاقات بين روسيا وسويسرا قد توترت بعد أن فرضت سويسرا عقوبات على موسكو بعد غزوها أوكرانيا، حيث جمدت سويسرا ما يقدر بـ14 مليار دولار تقريبا من الأصول الروسية.
كما أن الصين، وهي واحدة من القوى الكبرى الأخرى في العالم، لا تخطط لإرسال أحد من مسؤوليها الكبار إلى القمة، ونتيجة لذلك من المرجح أن يكون بين أبرز المشاركين قادة أوروبيون كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس.
ومن المؤكد أن غياب الحماسة الواضح لدى الكثير من زعماء العالم للمشاركة في القمة لا يحمل لزيلينسكي بشرى سارة، لأنه يشير إلى أن الدعم العالمي للمجهود الحربي في أوكرانيا آخذ بالتراجع، وهو دعم أثبت أهميته لكييف خلال العامين الأولين من القتال. ومن المؤكد أيضا أن غياب الاهتمام الواضح بالقمة السويسرية يأتي في وقت سيئ لدى زيلينسكي، حيث تجد القوات الأوكرانية نفسها وعلى نحو متزايد في موقف دفاعي أمام سلسلة من الهجمات الروسية المتجددة.
أحد الأهداف الرئيسة لإدارة بايدن هو ضمان عدم تصاعد الصراع خارج حدود أوكرانيا
واضطرت كييف مع وصول الحرب إلى منعطف حرج، إلى إعادة توجيه الآلاف من قواتها إلى الجزء الشمالي الشرقي من خط المواجهة حول مدينة خاركيف لصد هجوم بوتين، تاركة دفاعاتها مكشوفة في مكان آخر. فعلى سبيل المثال، تجلى في الأسبوع الماضي انعدام كفاية الدفاعات الجوية الأوكرانية في تعاملها مع الهجوم الروسي، حين دمرت قنبلتان موجهتان روسيتان متجرا كبيرا ومركز حدائق في خاركيف في وقت ازدحامهما بالمتسوقين.
كما أن تلك الأشهر التي قضاها الكونغرس في المشاحنات السياسية حول خطط إدارة بايدن لتقديم 60 مليار دولار إضافية من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ساهمت في حرمان القوات الأوكرانية على الخطوط الأمامية من الذخيرة الحيوية والدفاعات الجوية على الأخص. ومع أن الكونغرس وافق الآن على حزمة المساعدات هذه، فلا يزال الأوكرانيون يفتقرون إلى المعدات الحيوية، وهو ما أظهرته قدرة الروس على مهاجمة أهداف مدنية في خاركيف.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت أيضا في تراجع الجهود الحربية الأوكرانية، هو ما فرضه عليها الحلفاء الرئيسون في الولايات المتحدة وأوروبا من قيود على استخدام الأسلحة الموردة للقوات الأوكرانية، مثل عدم السماح باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لمهاجمة أهداف داخل روسيا نفسها.
أحد الأهداف الرئيسة لإدارة بايدن ضمان عدم تصاعد الصراع خارج حدود أوكرانيا، ويشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من أن أي محاولة تستهدف فيها أوكرانيا أهدافا روسية داخل روسيا، بدلا من استهداف القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية التي تحتلها، قد تؤدي إلى تصعيد خطير في الصراع.
وفي الوقت نفسه، يؤكد الأوكرانيون أن هذه القيود تعيق جهودهم للدفاع عن أنفسهم ضد العدوان الروسي في وقت تشن فيه روسيا بانتظام هجمات ضد البنية التحتية الأوكرانية سعيا منها لتقويض الروح المعنوية الأوكرانية.
وإذا امتلكت أوكرانيا القدرة على استهداف المواقع الروسية داخل روسيا، فسوف يحسّن ذلك إلى حد كبير قدرة القوات الأوكرانية على الدفاع عن أراضيها، في هذا الوقت الذي يقول فيه زيلينسكي إن الروس يحشدون قواتهم على الحدود الشمالية لأوكرانيا استعدادا لهجوم جديد. أما إن بقي الأميركيون والأوروبيون يصرون على فرض قيود على قدرات الأوكرانيين القتالية، فستظل قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم محدودة للغاية.
ومن الواضح في ظروف كهذه أن الأفضلية، في ظل الوضع الراهن، تعود إلى الروس، وهو وضع ليس مرجحا أن يتغير بغض النظر عن أي محادثات سلام يمكن أن تجري في سويسرا منتصف يونيو/حزيران.