قرن من التشكيل العربي في باريس

ملصقات وتعبيرات فنية تضامنا مع الفلسطينيين

ملصقات فلسطينية في معرض تجليات عربية في باريس

قرن من التشكيل العربي في باريس

باريس: اختار منظمو معرض "تجلّيات عربية" الذي يقام حاليا في "متحف الفن الحديث" في باريس عناوين سياسية لرصد تحوّلات الفن التشكيلي العربي خلال القرن العشرين، إلا أن المعرض الذي يستمر حتى 25 أغسطس/آب المقبل يقدّم مختلف توجّهات الفن التشكيلي العربي ابتداء من لوحة لجبران خليل جبران أنجزها حين وصل إلى باريس عام 1908 وتأسيس مدرسة الفنون الجميلة في القاهرة في العام نفسه وصولا إلى عام 1988 الذي أعلن فيه ياسر عرفات استقلال فلسطين من الجزائر، حسب قول أحد منظمي المعرض، وتوافق حينذاك مع المعرض الأول لفنانين عرب أقيم في باريس.

العناوين السياسية التي تشير إلى ما قبل الاستعمار ثم إلى مناهضته و"مقاومة الفن"، لقيت ترحيبا من الجمهور الذي ربط موعد إقامة المعرض بالعدوان الإسرائيلي على غزّة، إذ احتوى المعرض على ملصقات وكتيبات وتسجيلات فيديو عن حرب الاستقلال الجزائرية ومرحلة جمال عبد الناصر وبن بلة وياسر عرفات، وفي جناح متميّز برزت شعارات الثورة الفلسطينية خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي من خلال ملصقات أرشيفية لحركات وجبهات عدة وفي فعاليات مختلفة.

فلسطين حرّة

هذا المنحى السياسي في العناوين لفت انتباه مرتادي المعرض فجاءت انطباعاتهم في دفتر الزوّار عاكسة لانفعالاتهم ومواقفهم المتزامنة مع الأحداث الجارية، وهي تكشف في مجملها عن تضامنهم مع أبناء غزة وفلسطين عامة، حتى أن أكثرها كُتب بخطوط عربية لافتة مع لازمة دائمة: "فلسطين حرّة".

احتوى المعرض على ملصقات وكتيبات وتسجيلات فيديو عن حرب الاستقلال الجزائرية ومرحلة جمال عبد الناصر وبن بلة وياسر عرفات

إلى ذلك، أضاء المعرض على أهم مراحل الفن التشكيلي العربي الحديث من خلال روّاده الذين درسوا في باريس أو عاشوا فيها. فحضر اللبناني جبران خليل جبران (1883- 1931) عبر لوحته الزيتية (صورة شارلوت تيلر) وهو اسم صحافية رسمها سنة مجيئه من نيويورك إلى باريس (1908) حيث درس في "أكاديمية جوليان" وفي استديو الفنان الرمزي بيار مارسيل بيرونو حتى عام 1910، إلى جانب لوحات أخرى عبّرت عن مرحلته الأولى في الرسم، مع غلاف كتابه "الأرواح المتمرّدة" الذي صدر في نيويورك حينذاك بالعربية وانتقد فيه جبران وضع المرأة في المجتمعات التقليدية وحال الكنيسة.

لوحة "شارلوت تيلر" لجبران خليل جبران

وفي جوار جبران، منحوتات الفنان المصري محمود مختار (1891- 1934) وهو أحد طلاب الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة في القاهرة التي تأسست عام 1908، قبل أن يأتي إلى باريس حيث درس فيها أيضا وكان أول فنان عربي يعرض منحوتاته فيها، وذلك عبر منحوتة "عايدة" عام 1913، ومنحوتات أخرى ارتبطت بالبيئة المصرية وصاحبت التطلعات المحلية نحو النهوض وهي تتقارب مع لوحات الفنان محمود سعيد (1897- 1964) الذي جاء إلى باريس عام 1919 لدراسة الفن في "أكاديمية جوليان" بعد حصوله على دبلوم الحقوق في العام نفسه.

لوحة للفنان العراقي شاكر حسن

مكانة الفن العربي

من الأعمال المعروضة اللافتة أيضا أعمال الفنانة المصرية إيمي نمر (1898- 1974) وهي ابنة فارس نمر، من أصل لبناني سوري، ساهم في تأسيس مجلتي "المقتطف" و"المقطم"، وقد درست في باريس وعرضت أعمالها هناك عام 1925.

لوحة للفنانة بايا

وهناك أعمال أخرى للفنانة الجزائرية بايا التي قيل إن بيكاسو استلهم لوحاته عن "نساء الجزائر" من أعمالها، والفنان العراقي الرائد فائق حسن الذي درس في فرنسا (1938) وشاكر حسن آل سعيد أحد الأعضاء المؤسسين لجماعة بغداد للفن الحديث والذي درس في باريس في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، ويجمع في لوحاته مواد نحتية مع خليط من الألوان.

تداخلت في المعرض مختلف الاتجاهات الفنية من الانطباعية إلى الواقعية والتعبيرية والسوريالية والتجريد

إضافة إلى أعمال منى السعودي وآدم حنين وجورج حنين ورمسيس يونان وفؤاد كامل وعبدالهادي الجزار وإيتيل عدنان وشفيق عبود ومروان قصاب باشا ويوسف عبدلكي وإبراهيم حداد وعلاء بشير وأمين الباشا وفريد بلكاهية وأحمد شرقاوي ومنى حاطوم وكلود لازار.

منحوتة للفنانة منى السعودي

هذه الأسماء تعكس أهمية المعرض الذي يقام في أهم متاحف الفن في باريس ويحتوي على أكثر من مئتي عمل لمئة وثلاثين فنانا. تداخلت فيه مختلف الاتجاهات الفنية من الانطباعية إلى الواقعية والتعبيرية والسوريالية والتجريد عامة في جميع أشكال تجلياته. ومثّل المعرض مناسبة نادرة في عاصمة الفنون باريس حيث ألقي الضوء على مكانة الفن التشكيلي العربي في القرن العشرين وأهميته في المساهمة بالتجربة الفنية في العالم، وإن كانت هذه المساهمة عبر أسماء فنية كانت لها علاقة بباريس ومدارسها الفنية التي تعلّم منها أولئك الفنانون أو استفادوا من تجاربها خلال معايشتهم المكانية لها.

font change

مقالات ذات صلة