3 أفلام جديدة تروي تمسك الفلسطيني بهويته وأرضه

زوايا مختلفة لسرد قصة المعاناة تحت الاحتلال

AFP
AFP
المخرجة فرح النابلسي

3 أفلام جديدة تروي تمسك الفلسطيني بهويته وأرضه

تواصل السينما الفلسطينية المعاصرة سرد القصة الفلسطينية للعالم والتصدي لسردية الآلة الدعائية الإسرائيلية التي تنقل سرديتها الخاصة القائمة على الخداع والتضليل.

نشطت السينما الفلسطينية خلال العقدين الأخيرين، وزادت نسبة إنتاج الأفلام القصيرة والروائية، وازداد إقبال الشباب الفلسطيني على خوض تجربة التمثيل، وكذلك تعددت الأشكال الإخراجية التي تقدم قصة الشعب الفلسطيني الى العالم، وتجمع عناصر سرديته، عبر المشاركة في المحافل الدولية المختلفة والمهرجانات الفنية. نعرض هنا لثلاثة من هذه الأفلام الجديدة.

الأستاذ

فيلم "الأستاذ"، 2023، من إخراج فرح النابلسي. عبارة عن ملحمة درامية تحكي النابلسي من خلال أحداثها مأساة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال عبر إضاءات فنية وأقاصيص مجمعة من نمط الحياة الفلسطينية في ظل الاحتلال.

يبرز "الأستاذ" رد الفعل الشعبي المتسم بالإرادة والتعالي على النزف المستمر

في الفيلم يؤدي الممثل المخضرم صالح بكري، دور المناضل والمعلم، الذي يحاول إخفاء تحركاته النضالية ضد الاحتلال، حتى لا يطال ذلك لقمة عيشه وعائلته.

في "الأستاذ" نجد صورة الجسد الفلسطيني الممزق، وسريان الألم مثل مرض عضال بين خلاياه. إذ تجسد النابلسي مرارة الهدم اليومي للبيوت الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وهو ما حدث بشكل مفرط خلال الحروب المتكررة على قطاع غزة.

وما بين الألم والحسرة بسبب ممارسات الاحتلال ضد شعب يعرف قيمة الأرض ولم يتوقف عن تقديم التضحيات على مدار ثمانية تقود، تبرز أحداث الفيلم رد الفعل الشعبي المتسم بالإرادة والتعالي على النزف المستمر.

وتبرز أحداث الفيلم الحرق المستفزّ للأشجار من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، مبينة الإمعان في الإيذاء والحقد الذي يحمله الاحتلال ضدّ أصحاب الأرض المحتلة.

وخلال سردية الأحداث يحمل الفيلم رموزه الخاصة، التي تزيد قدرته على إيصال رسالته، فالكنبة الموضوعة فوق ركام المنزل المهدم، هي وسيلة المخرجة لتأكيد خروج الحياة من تحت الركام. مشهد واقعي، قدمه الفلسطينيون مرارا، وعملية نقله الى السينما لا تحمل الدهشة بقدر ما تحمل فكرة تأكيد الإصرار على الحياة على هذه الأرض. وكأن الفلسطيني في هذه اللقطة، يحاول أن يستعيد قطعة من ماضيه، تمكنه من خلق لحظة فيها بعض الألفة مع الواقع الأليم الذي يحياه بفعل ممارسات الاحتلال ضدّ كل ما هو ساكن ومتحرك فوق الأرض الفلسطينية، حيث أن صفة الجلوس بحد ذاتها، ولو فوق الأنقاض، تحمل معنى التشبّث بالمكان والتمسك بالأرض حتى لو كانت خرابا.

تسلط الكاميرا الضوء على حياة الأسرة الفلسطينية المتخمة بالألم الناجم عن الأسر، فلا يكاد يخلو بيت فلسطيني من مشاعر اشتياق وألم لفقد أحد أفراده، إما بسبب قتله أو أسره على يد الاحتلال، وتستعرض أحداث الفيلم العنصرية التي لطالما أقحمها الاحتلال في ساحة الصراع، من خلال اعتبار حياة كل إسرائيلي مساوية لألف من الفلسطينيين.

في هذا الفيلم دراما تفتح الأعين شاهقة على ما يحدث في حياة المواطن الفلسطيني، مصورة إياها حياة مدججة بالمشاعر المتناقضة، لكنها مركونة على جانبي عربة سريعة، تمضي مختصرة الكثير من المواقف، ومن شدة سرعتها، ومن كثرة الأحداث أيضا، يتحول المشهد العام ضبابيا متماوجا مع ذاته، الى درجة أن تفسير تلك الحياة، يبدو شديد الصعوبة في بعض الأوقات، وهو مختصر حوار الأستاذ مع المتطوعة البريطانية في المدرسة، ليزا، التي جسدت دورها الممثلة إيموجن بوتس، والتي تتقرّب منه عاطفيا، لبعض الوقت.

باي باي طبريا

أما الفيلم التسجيلي "باي باي طبريا" للمخرجة لينا سويلم، الذي رشح لجوائز عدة في مهرجانات دولية، العام المنقضي، فيروي الألم الفلسطيني من خلال العلاقة بالأرض والهوية، عبر الحنين إلى الماضي واسترجاع اللحظات التي احتضنت خلالها أرض فلسطين فكرة العائلة ولم الشمل الاجتماعي، وهو ما يميز الحياة اليومية الفلسطينية، من خلال عادات وتقاليد متوارثة، يتم تمريرها للأجيال الناشئة دون أدنى مشقة. إذن هي خزين الحياة بعاداتها وتقاليدها محمولة بيد الآباء والأجداد على الدوام.

 يعتمد "باي باي طبريا" على الذاكرة، والربط ما بين الماضي والحاضر، وكأنما لكل جيل شاشة مفتوحة على هذا العالم

يعتمد فيلم سويلم على الذاكرة، والربط ما بين الماضي والحاضر، وكأنما لكل جيل شاشة مفتوحة على هذا العالم، وكذلك لكل مرحلة قصصها الخاصة، وما يجمع تلك الأجيال المتعاقبة فكرة ضياع الوطن، وتشتت شمل العائلة والفرحة المسلوبة عند كل منعطف، فالعاطفة المسيطرة على ذلك الاستعراض التاريخي لجلسات العائلة الفلسطينية، هي الألم والحسرة على كل لحظة أمضاها الفلسطيني في منفاه.

أما تلك الرموز التي يتحرك الفيلم حولها، فإن المخرجة سويلم تتبع حائط صور العائلة، ومن خلاله تقشر الأغطية عن الماضي، لتوغل هي وابنتها في الألم، تلك اللحظات التي لربما تكون عادية عند أحدهم، لكنها مفعمة بالأحاسيس لدى شخص لم يعش حياة عادية، له فيها حرية الاختيار بالبقاء أو الذهاب، هذا الصراع الوجودي مع الهوية الذي تسبب به الاحتلال من خلال طرد الفلسطيني من أرضه التاريخية.

AFP
المخرجة لينا سويلم

رمز آخر عملت سويلم على تقديمه، وهو الجدة الفلسطينية التي تمشط شعرها، وكأن المخرجة أرادت أن تظهر الصورة القديمة الجديدة للأرض، تتزين بكل ما تملك من أدوات، حتى في أحلك الظروف. هذه المرأة الفلسطينية التي تحمل ذاكرة الألم، ظاهرا على ملامحها، وبمشيب شعرها، تصنع تواطؤا مع الحياة من جديد، عبر الضحكة والتزين، هذا الصوت التقليدي مع الحياة في لحظة الكارثة، يؤجل الموت قليلا.

رمز ثالث تستخدمه المخرجة في الفيلم، بتسليط الضوء على التراث الفلسطيني، من خلال تصدير مشهد صناعة الحلوى والكعك داخل المنزل، وهو السلوك الفلسطيني المبهج في المناسبات السعيدة والأعياد. فمن خلال هذه المشهدية تسترجع الحياة قبل النكبة، وتعود الحركة الى الصورة في ذلك العالم المسروق.

ذلك التقافز الذي عمدت إليه سويلم ما بين الماضي والحاضر، من خلال قصة واقعية لأمها الفنانة هيام عباس، يأتي بمثابة تغلب على النسيان، واستعادة للماضي، كل الماضي، وهو ما يضمن بقاء القصة الفلسطينية نابضة، ممتلئة بالمشاعر الإنسانية، لأناس تم التكتم على سردياتهم بفعل الماكينة الإعلامية والسردية المضادة للاحتلال الإسرائيلي.

ضيف من ذهب

أما ثالث هذه الأفلام فهو "ضيف من ذهب" للمخرج سعيد زاغة، 2023، الفيلم الذي يضطلع ببطولته كل من علي سليمان ونسرين فاعور، يحمل طريقة إخراجية تقوم على المفارقات في تناول الأفكار، وكيفية استعراض الهوية الشخصية بحيث تصبح مثار عاصفة فكرية في لحظة واحدة.

المخرج سعيد زاغة

الفكرة التي يقوم عليها الفيلم بسيطة جدا، وتمضي بهدوء تام، لكن الضجيج يحدث في لحظة انقلابية، لحظة معرفة هوية الضيف الذي استضافته عائلة فلسطينية داخل منزلها، كعادة الفلسطيني في كرم ضيافته. فلحظة الكشف عن هوية الضيف تلك، هي بمثابة لمس حجر الدومينو الذي يسقط بشكل متسلسل جميع الحجارة من بعده.

يحاول "ضيف من ذهب" أن يلقي الضوء على الوطأة الأمنية التي يعيشها الفلسطيني في ظل وجود الاحتلال

ويحاول المخرج خلال سرده لأحداث فيلمه القصير أن يلقي الضوء على الوطأة الأمنية التي يعيشها الفلسطيني في ظل وجود الاحتلال، كما يظهر زاغة خصوصية العلاقة الإنسانية، وكيفية تأثرها بعد انكشاف الهوية.

وينطوي الفيلم على خطاب موجه إلى العالم، وعلى تحليل يرجو منه المخرج نقل السردية الفلسطينية، من خلال إلغاء ما هو سائد في تفكير المجتمع الدولي، واتخاذ وجهة أخرى لفهم القضية الفلسطينية، وأخذ المطلب الفلسطيني بشيء من العاطفة لفهم دوافع نضاله من أجل التحرر، وكأن المخرج يريد أن يقول للعالم: عليك الكف عن تحجيم الهوية الفلسطينية، وطمس حياة الإنسان هنا. وتبرز في هذا السياق مطالبة الغربي بالدخول إلى الذات الفلسطينية، ومحاورتها لفهم دوافعها ومن ثم نقل أوجاعها الى الآخرين.

تلك الفلسفة التي اتخذها المخرج في طرحه، تنأى عن التعقيدات، وتذهب نحو تجريد الإنسان من أفكاره، وتناول القضية الفلسطينية لمرة واحدة عبر المزاح القائم على تغييب العقل، من خلال المخدِّر.

هذه الحالة النشاز، الخارجة عن السياق التقليدي للسياسيين، والاجتماعات داخل الغرف المغلقة، لربما تكون وسيلة لإيصال الفكرة الفلسطينية التي تطمح إلى تحرير الإنسان من يوميات القهر والعنف والتنكيل والظلم، عبر ممارسات مستمرة من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، تنغص حياة الفلسطيني وتحاول دوما طمس هويته الثقافية.

font change

مقالات ذات صلة