في الفيلم يؤدي الممثل المخضرم صالح بكري، دور المناضل والمعلم، الذي يحاول إخفاء تحركاته النضالية ضد الاحتلال، حتى لا يطال ذلك لقمة عيشه وعائلته.
في "الأستاذ" نجد صورة الجسد الفلسطيني الممزق، وسريان الألم مثل مرض عضال بين خلاياه. إذ تجسد النابلسي مرارة الهدم اليومي للبيوت الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وهو ما حدث بشكل مفرط خلال الحروب المتكررة على قطاع غزة.
وما بين الألم والحسرة بسبب ممارسات الاحتلال ضد شعب يعرف قيمة الأرض ولم يتوقف عن تقديم التضحيات على مدار ثمانية تقود، تبرز أحداث الفيلم رد الفعل الشعبي المتسم بالإرادة والتعالي على النزف المستمر.
وتبرز أحداث الفيلم الحرق المستفزّ للأشجار من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين، مبينة الإمعان في الإيذاء والحقد الذي يحمله الاحتلال ضدّ أصحاب الأرض المحتلة.
وخلال سردية الأحداث يحمل الفيلم رموزه الخاصة، التي تزيد قدرته على إيصال رسالته، فالكنبة الموضوعة فوق ركام المنزل المهدم، هي وسيلة المخرجة لتأكيد خروج الحياة من تحت الركام. مشهد واقعي، قدمه الفلسطينيون مرارا، وعملية نقله الى السينما لا تحمل الدهشة بقدر ما تحمل فكرة تأكيد الإصرار على الحياة على هذه الأرض. وكأن الفلسطيني في هذه اللقطة، يحاول أن يستعيد قطعة من ماضيه، تمكنه من خلق لحظة فيها بعض الألفة مع الواقع الأليم الذي يحياه بفعل ممارسات الاحتلال ضدّ كل ما هو ساكن ومتحرك فوق الأرض الفلسطينية، حيث أن صفة الجلوس بحد ذاتها، ولو فوق الأنقاض، تحمل معنى التشبّث بالمكان والتمسك بالأرض حتى لو كانت خرابا.
تسلط الكاميرا الضوء على حياة الأسرة الفلسطينية المتخمة بالألم الناجم عن الأسر، فلا يكاد يخلو بيت فلسطيني من مشاعر اشتياق وألم لفقد أحد أفراده، إما بسبب قتله أو أسره على يد الاحتلال، وتستعرض أحداث الفيلم العنصرية التي لطالما أقحمها الاحتلال في ساحة الصراع، من خلال اعتبار حياة كل إسرائيلي مساوية لألف من الفلسطينيين.
في هذا الفيلم دراما تفتح الأعين شاهقة على ما يحدث في حياة المواطن الفلسطيني، مصورة إياها حياة مدججة بالمشاعر المتناقضة، لكنها مركونة على جانبي عربة سريعة، تمضي مختصرة الكثير من المواقف، ومن شدة سرعتها، ومن كثرة الأحداث أيضا، يتحول المشهد العام ضبابيا متماوجا مع ذاته، الى درجة أن تفسير تلك الحياة، يبدو شديد الصعوبة في بعض الأوقات، وهو مختصر حوار الأستاذ مع المتطوعة البريطانية في المدرسة، ليزا، التي جسدت دورها الممثلة إيموجن بوتس، والتي تتقرّب منه عاطفيا، لبعض الوقت.
باي باي طبريا
أما الفيلم التسجيلي "باي باي طبريا" للمخرجة لينا سويلم، الذي رشح لجوائز عدة في مهرجانات دولية، العام المنقضي، فيروي الألم الفلسطيني من خلال العلاقة بالأرض والهوية، عبر الحنين إلى الماضي واسترجاع اللحظات التي احتضنت خلالها أرض فلسطين فكرة العائلة ولم الشمل الاجتماعي، وهو ما يميز الحياة اليومية الفلسطينية، من خلال عادات وتقاليد متوارثة، يتم تمريرها للأجيال الناشئة دون أدنى مشقة. إذن هي خزين الحياة بعاداتها وتقاليدها محمولة بيد الآباء والأجداد على الدوام.