"أسطول الظل" الروسي ساعد الكرملين في كسب الحرب

ارتفعت عائدات روسيا من النفط بنسبة 79% في الربع الأول من 2024

ناتالي ليس
ناتالي ليس

"أسطول الظل" الروسي ساعد الكرملين في كسب الحرب

في ديسمبر/كانون الأول 2022، حددت جولة جديدة من العقوبات التي فرضتها الاقتصادات الكبرى في العالم على روسيا سقفا على سعر برميل النفط الروسي يبلغ 60 دولارا. وقد اعتبر المحللون ذلك خطوة مهمة للغاية لأنها جزء من محاولة للحد من أرباح الكرملين مع السماح ببقاء النفط الروسي في السوق، لكي لا تحرم الاقتصادات الفقيرة من الموارد الحيوية.

صار شراء النفط الروسي أصعب بالفعل - فالعقوبات المالية تعني عدم إمكان استخدام أنظمة الدفع الدولية لتسديد ثمن السلعة، في حين لم تعد شركات التأمين الغربية قادرة أيضا على تأمين الناقلات التي تحمل النفط الخام من روسيا. وفي مقابلة أجريت في يناير/كانون الثاني 2023، قال آموس هوكشتين، المنسق الرئاسي الخاص لأمن الطاقة، "أعتقد أن آلية تحديد سقف للأسعار تؤدي عملها جيدا حتى الآن لمعالجة المسألتين المقلقتين اللتين نواجههما - الأولى هي الحفاظ على المنتجات في السوق والثانية هي الحد من الإيرادات. وما زال علينا اجتياز طريق طويل وعلينا أن ننتظر كيف ستتطور الأمور، ولكن أود أن أقول إننا حتى الآن راضون تماما عن الاتجاه الذي تسلكه وطريقة تنفيذها".

ما هو "أسطول الظل" الروسي؟

بعد مرور أكثر من عام، يبدو أن الاقتصاد الروسي لم يتلقَّ ضربة موجعة بالقدر المتوقع. فالنفط الروسي يصل إلى وجهاته على نحو متزايد من طريق ما يسمى "أسطول الظل".

يقدر أن "أسطول الظل" الروسي يضم نحو 1400 سفينة، وهو ما يستأثر بنحو خُمس تجارة النفط العالمية وينقل نفطا تزيد قيمته على مليار دولار أميركي بعيدا من المراقبة

اكتشفت الدول التي خضعت مدة طويلة للعقوبات الغربية - مثل كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا - أن تطبيق القانون البحري الدولي صعب للغاية. وتتكون أساطيل الظل من سفن تجاوزت في الغالب مدة خدمتها المعتادة، وتبحر من دون تأمين غربي قياسي أو علم بلد المنشأ الحقيقي.  وهي غير شفافة من حيث الملكية، وتتمكن من خلال كل هذه الترتيبات من البقاء بعيدا عن متناول الهيئات الوطنية لإنفاذ القانون البحري.

يصف الخبير الاقتصادي الروسي يان ملكوموف الخطوات التي اتخذها الكرملين عقب إدخال سقف أسعار النفط، بأن "جهودا جبارة بُذلت لشراء أكبر عدد ممكن من الناقلات القديمة. ويعتقد معظم الخبراء أن ذلك تحقق من طريق ملاك السفن اليونانيين، الذين كانوا سعداء ببيع الناقلات التي يفترض أن يتخلصوا منها عاجلا أم آجلا على أي حال، ويرسلوها إلى التفكيك ... بدلا من ذلك، باعوها لشركات روسية أو ربما لشركات صورية حديثة التكوين مسجلة في دول مختلفة حول العالم".

رويترز
ناقلة نفط تابعة لمجموعة الناقلات الروسية "سوفكومفلوت"، أثناء عبورها مضيق البوسفور في إسطنبول، تركيا في 6 مايو 2022

استخدمت تلك السفن منذ ذلك الحين لنقل النفط من روسيا إلى المشترين الرئيسيين مثل تركيا والهند والصين، مع البقاء بعيدا من متناول العقوبات التي لا يزال تنفيذها غير مثالي.

وتوضح مراسلة الشؤون الاقتصادية للقناة 4 البريطانية هيليا إبراهيمي أن ممارسة عمليات النقل "من سفينة إلى أخرى" تجعل الأمور أكثر تعقيداً، "تقترب سفينتان إحداهما من الأخرى فتُنقل البراميل الروسية من سفينة شرعية إلى سفينة مجهولة الهوية توقف بعد ذلك تشغيل أجهزتها الخاصة بالإرسال والاستقبال، مما يجعلها تختفي".

كيف يساعد "أسطول الظل" روسيا؟

قدرت شركة الذكاء الاصطناعي البحري "وينوورد" في أواخر سنة 2023 أن "أسطول الظل" الروسي يتكون من نحو 1400 سفينة، وهو ما يستأثر بنحو خُمس تجارة النفط العالمية وينقل نفطا تزيد قيمته على مليار دولار أميركي بعيدا من المراقبة.

تمكن "أسطول الظل" الروسي من إيجاد طرق للوصول إلى العملاء وبيع سلعة النفط المطلوبة بشدة، مما يحقق ثروة للوسطاء في هذه العملية

أتاح "أسطول الظل" لروسيا حتى الآن تخفيف تأثير العقوبات على مبيعاتها النفطية. وتقول ستيفاني بيكر من "بلومبيرغ نيوز"، التي نشرت تحقيقا استقصائيا رئيسيا عن "أسطول الظل" الروسي في نهاية العام الماضي، "في الأشهر الأربعة الأولى من العام، كان عجز الموازنة الروسية أكبر مما كان يفترض أن يكون عليه طوال سنة 2023. لذا كان سقف الأسعار يعمل كما هو مخطط له في الأشهر الستة الأولى من السنة على الأقل. ثم مع تقدم الصيف، شهدنا اختراق سقف الأسعار". 

في الربع الأول من سنة 2024، ارتفعت عائدات الدولة الروسية من النفط بنسبة 79 في المئة عن العام السابق. وفُسر ذلك بأنه ناتج من مزيج من ارتفاع الضرائب على شركات النفط بالإضافة إلى زيادة الصادرات. وقدرت "رويترز" أن تتضاعف تقريبا عائدات روسيا من النفط والغاز في أبريل/نيسان 2024 عما كانت عليه في العام السابق لتصل إلى 14 مليار دولار بفضل ارتفاع الأسعار. ومع أن سعر خام الأورال في السوق اقترب من سقف الـ 60 دولارا في ديسمبر/كانون الأول 2022، فإنه ارتفع إلى نحو 80 دولارا في سبتمبر/أيلول 2023 وبلغ نحو 75 دولارا في نهاية أبريل/نيسان 2024. 

يشير ذلك إلى فشل مفهوم سقف الأسعار بأكمله - أي السماح للبلدان بالشراء بسعر دون 60 دولارا من طريق آليات شحن مشروعة ومؤمنة – لأن سعر السوق أعلى من السقف.

وهناك فرق بين سعر تصدير النفط في الجانب الروسي، وهو منخفض، وسعر الاستيراد في جانب العملاء، وهو أعلى. وذلك يؤدي إلى تحقيق أرباح بمئات الملايين من الدولارات من دون اتضاح المستفيد النهائي، لأن "أسطول الظل" يتسم بالغموض في ما يتصل بالملكية والمعلومات الأساسية الأخرى. وهكذا تمكن "أسطول الظل" الروسي من إيجاد طرق للوصول إلى العملاء وبيع تلك السلعة المطلوبة بشدة، مما يثري الوسطاء في هذه العملية، الذين ربما يحوّلون جزءا من تلك الأرباح إلى الكرملين.

رويترز
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل حفل تنصيبه في الكرملين، موسكو في 7 مايو 2024

تقول سيرين تشيونغ من "بلومبيرغ نيوز" في تقريرها الاستقصائي، "ما يحدث بالفعل هو – لنقل إن الصين والهند - تشتريان الشحنة على أساس التسليم. يمكنك تقديم تقديرات مختلفة في شأن تكلفة الشحن. هناك العديد من النفقات المتفرقة بين الشحن والتسليم التي يمكن تضخيمها أو تقليصها، حسبما تريد. ومن ثم يمكنك النزول دون سقف الأسعار، لأننا جميعا نعلم أن هناك طرقا عديدة لتقسيم السعر وتجزئته".

يعتقد الاتحاد الأوروبي أن "أسطول الظل" يمول خزينة الحرب الروسية بشكل مباشر، وأنه لا يمكن السماح بذلك

توبياس بيلستروم، وزير الخارجية السويدي

ماذا بعد؟

مع أن الخطوات المحددة للتعامل مع "أسطول الظل" لم تتضح بعد، فقد ظهرت بعض المؤشرات الأخيرة الى إجراءات مقبلة. وقال وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، في أبريل/نيسان 2024 إن الأسطول سيستهدف بوصفه جزءا من حزمة العقوبات التالية التي سيفرضها الاتحاد الأوروبي. وذلك يتطلب بعض الوقت، إذ إن الخطوات التالية تشمل، على حد تعبيره، الحاجة إلى "الجلوس وإجراء مراجعة شاملة لكل عناصر "أسطول الظل" وما يمكن القيام به". لكنه أوضح في تعبيره أن الاتحاد الأوروبي يعتقد أن "أسطول الظل" يمول خزينة الحرب الروسية بشكل مباشر وأنه لا يمكن السماح بحدوث ذلك.

إقرأ أيضا: هل تصطدم روسيا والجزائر في الساحل الأفريقي... بسبب "فاغنر"؟

لكن الخبراء يعتقدون أن هذه الخطوات محفوفة بالأخطار. ففي أسوأ السيناريوهات يمكن أن تعد روسيا ذلك تصعيدا، في حين يعده كثيرون إجراء غير عملي.

Shutterstock
ناقلة تعبر نهر الفولغا، تنقل كميات من النفط الروسي إلى أوروبا

ففي مقابلة مع مؤسسة "مجلس الأطلسي" للأبحاث، قال نيلز وانغ، وهو أميرال متقاعد في البحرية الدانماركية، "ما دمت في أعالي البحار، أو المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة ما، أو الحافة الخارجية لمياهها الإقليمية، لديك الحق في "المرور البريء". وذلك يعني أن الدولة الساحلية لا تستطيع فرض أي عقوبات عليك إذا لم تفعل أي شيء مضر بالبيئة أو قاع البحر". لذا يمكن أن تستمر السفن في "أسطول الظل" في إيجاد طرق إلى وجهاتها من دون أن تعيقها حتى الدول التي لديها النيات في ذلك.

تهديد بيئي

غير أن العامل البيئي مهم. فهذه الناقلات تجاوزت عمرها الافتراضي في الغالب، لذا تخشى الجماعات البيئية مثل "غرينبيس" وقوع حادث كبير، وقد بدأت في اتخاذ إجراءات. في أبريل/نيسان 2024، استخدم نشطاء من منظمة "غرينبيس نورديك" الإسكندينافية منطادين مطاطيين وبعض الدهان الأبيض. واقتربوا من إحدى ناقلات "أسطول الظل" الروسي وكتبوا على جانبيها عبارة "النفط حرب - الشعب يريد السلام" لتمييزها بعلامة تمكّن الحكومات والنشطاء الآخرين من استهدافها. وجاء في بيان صحافي تلاه رولف ليندال، وهو ناشط في مجال السلام والطاقة في "غرينبيس نورديك" الإسكندينافية، "لا يشكل أسطول الظل تهديدا بيئيا مباشرا فحسب، وإنما يؤجج أيضا حرب روسيا على أوكرانيا. العقوبات غامضة، مما يسمح بوجود أسطول الظل لاعتماد المجتمع العالمي على النفط".

تستطيع المنظمة البحرية الدولية وضع قائمة بالسفن التي تحمل العلامات المميزة لـ"أسطول الظل" مثل التأمين الرديء، الملكية الغامضة، الفجوات المنتظمة في الإشارات، والتغيير المتكرر للعلم المسجل

إليزابيث براو، زميلة أولى في مؤسسة "مجلس الأطلسي" للأبحاث

ترى إليزابيث براو، وهي زميلة أولى في مؤسسة "مجلس الأطلسي" البحثية، أن مثل هذه الإجراءات التي تقوم بها منظمات مثل "غرينبيس" يمكن أن توفر معلومات حيوية لمزيد من الجهود المحددة الأهداف التي تبذلها جهات فاعلة مؤسسية مثل حلف الناتو والمنظمة البحرية الدولية.

وترى في مقالة كتبتها في مجلة "فورين بوليسي"، "تستطيع المنظمة البحرية الدولية، مزودة مثل هذه البيانات، وضع قائمة بالسفن التي تحمل العلامات المميزة لأسطول الظل مثل التأمين الرديء، والملكية الغامضة، والفجوات المنتظمة في الإشارات، والتغيير المتكرر للعلم المسجل".

إقرأ أيضا: قلق غربي من تنامي قوة الاقتصاد الروسي

من الواضح الآن أن "أسطول الظل" قد وصل إلى حجم يقوض بشكل جدي جهود المجتمع الدولي للضغط على عائدات النفط الروسية. كما يفرض في الوقت نفسه مجموعة من التهديدات الأخرى، بما في ذلك التهديدات البيئية العالمية. ويبدو أن ثمة إجماعا في الوقت الحالي على الحاجة إلى اتخاذ إجراء، حتى لو لم يكن أحد يعرف ما هو هذا الإجراء بالضبط.

font change

مقالات ذات صلة