من المتوقع أن يختفي نصف اللغات الفريدة في العالم، والبالغ عددها قرابة 7000 لغة، في حلول نهاية القرن الحادي والعشرين. ويعود السبب في ذلك إلى أمرين رئيسين اثنين. الأول هو الاستعمار: فعندما غزت القوى العظمى البلدان، فرضت لغتها في الحكومة والمدارس وأهملت اللغات المحلية (أو حظرتها تماما). أما الأمر الثاني فهو الرأسمالية: فمع نمو البلدان وتوجهها نحو الصناعة، ينتقل الناس إلى المدن بحثا عن العمل، وهناك يشرعون في التحدث بشكل متزايد باللغة الأكثر استخداما في مكان العمل بدلا من لغتهم الأم التي يستخدمونها في بيوتهم.
وغالبا ما يُنظر إلى اللغة الإنكليزية، باعتبارها اللغة الأكثر هيمنة في تاريخ العالم، كرمز للتجانس ومحو الثقافات الصغرى. ومع ذلك، يفاجئنا روس بيرلن Ross Perlin في كتابه "مدينة اللغات" الصادر عن دار "غروف" للنشر، بأن مدينة نيويورك، الممتدة فوق بضعة كيلومترات مربعة، هي البقعة الأكثر تنوعا وتعددا لغويا على الأرض. وقد استطاع بيرلن، بصفته المؤسس المشارك لتحالف اللغات المهددة بالانقراض، أن يوثق في كتابه هذا مجموعة مذهلة من اللغات. فحدّدت منظمته غير الربحية نحو 700 لغة يجري التحدث بها في المدينة، وهو ما يتجاوز بكثير المئة لغة تقريبا المعترف بها رسميا في التعداد السكاني الأميركي. ولا يسلط الكتاب الضوء على الثراء الثقافي لنيويورك فحسب، بل هو أيضا دعوة للتعرف الى النسيج المذهل للغات البشرية والحفاظ عليه قبل فقدان المزيد من الخيوط بشكل دائم.
تهديد الجيران
ويفرد بيرلن في كتابه ست لغات، كل منها مهدد من جيران أكبر منها ومختلفين عنها. ولا بأس في أن نذكر هنا أن اللغة الإنكليزية لا تعتبر في أي حال من الأحوال القوة اللغوية الوحيدة. فلغة السيكي، من نيبال، محاصرة بالنيبالية والتبتية. ولغة الواخي، في آسيا الوسطى، تقع بين الصينية والفارسية والروسية، ومتحدثوها عادة ما يتحدثون الطاجيكية مع آخرين من أبناء بلدهم الأصلي.