ثلاثة "خيارات مؤلمة" أمام اللاجئين السوريين في لبنانhttps://www.majalla.com/node/318046/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%A4%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86
تجددت قوافل ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان يوم 14 مايو/أيار الماضي، استئنافا لـ"تأمين العودة الطوعية" التي يتولاها الأمن العام اللبناني منذ 2017، وشملت اللائحة 2500 لاجئ، في وقت يتنامى فيه رأي عام رافض للاجئين السوريين ويعتبرهم المسبب لأسوأ أزمة اقتصادية شهدها لبنان والثالثة عالميا، ويتهمهم بالتورط في زعزعة الأمن والجريمة، إذ إن البلد هو الأول عالميا في كثافة اللاجئين.
الترحيل الأخير حركه إجماع سياسي لبناني، بالتزامن مع قبول لبنان حزمة مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، مقسمة على أربع سنوات، وهي "للبنان واللبنانيين"، وفق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي حصد تفاعلات غاضبة، وصفت الهبة بـ"رشوة" لإبقاء اللاجئين السوريين... وفي الموازاة، دعا الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله اللاجئين السوريين لركوب "قوارب الموت"، بقوله "هذا البحر أمامكم"، فتداول نشطاء على وسائل التواصل خريطة سوريا وعبارة "117 منطقة سورية على (حزب الله) أن يركب البر والبحر للعودة منها إلى لبنان".
يقف اللاجىء السوري أمام ثلاثة خيارات: البقاء تحت إشعار الترحيل، أو "قوارب الموت"، أو العودة إلى سوريا. الخيار الأخير تناقشه "المجلة" من خلال تناول نقاط الالتباس، أمنيا واقتصاديا وسياسيا. البداية مع وقائع وشهادات لاجئين.
إجراءات اعتباطية واعتقالات
منذ أبريل/نيسان 2024، تكثفت مداهمات الجيش لأماكن وجود اللاجئين السوريين في المناطق اللبنانية. تعتقل الدوريات لاجئين، أغلبهم من الرجال، وبعض العائلات، ويتم ترحيلهم عبر نقاط حدودية في الشمال والبقاع. هناك، ينشط المهربون في إعادة لاجئين لأماكن إقامتهم داخل لبنان لقاء 100 دولار.
الترحيل الأخير ليس منقطعا عن ترحيل مستمر للاجئين، وقد يتم بشكل متفرق، يلغي الواقع والاهتمام، فهو بعيد عن الأضواء والأدبيات التي تعامل اللاجئين غالبا كأرقام.
الإعادة القسرية "البناءة" تحدث عندما تستخدم الدول وسائل غير مباشرة لإجبار اللاجئ على العودة إلى بلاده في ظروف غير آمنة
وبحسب مركز "وصول" لحقوق الإنسان، قُتل السوري محمود حسنة (27 سنة) برصاص القوات الحكومية السورية، على حاجز في مدينة حمص، أثناء محاولته مغادرة مناطق سيطرة الحكومة إلى الشمال السوري، وذلك بعد ترحيله من لبنان يوم 8 مايو الفائت.
وتروي لنا اللاجئة في مخيم قب الياس، والأم لخمسة أطفال، ظروف ترحيل زوجها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023: "فوجئنا بدوريات أمنية عند الساعة الخامسة والنصف صباحا، بعدد يتجاوز المئة عنصر، يطوقون المخيم. دخلوا إلى خيمتنا وسحبوا زوجي بسبب انتهاء أوراق إقامته منذ ثلاث سنوات. وتعرض زوجي للضرب والإهانات اللفظية رغم توسلاته، لأنه أجرى حديثا عملية في القلب".
وتشرح اللاجئة من حلب منذ 2014، أن إقامتهم منتهية بسبب رفض "مفوضية اللاجئين" تجديدها ولصعوبة إيجاد كفيل لبناني.
وتتابع: "بعد ثلاثة أيام وردني اتصال يقول إن زوجي رُحل إلى سوريا وهو موقوف في الفرع 227 بدمشق".
في السياق، وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في 2023 اعتقال 97 شخصا من اللاجئين الذين أعيدوا قسريا من لبنان، معظمهم اعتقلوا من قبل مفرزة الأمن العسكري التابعة لقوات الحكومة السورية.
وأكدت الشبكة أن الجكومة السورية اعتقلت أو احتجزت ما لا يقل عن 2317 شخصا بينهم 129 طفلا و87 امرأة في عام 2023، منهم 232 حالة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
إجراءات تعجيزية
عشية انطلاق الترحيل، حذرت "منظمة العفو الدولية" السلطات اللبنانية، من اعتماد الإعادة القسرية "البناءة"، والتي تحدث عندما تستخدم الدول وسائل غير مباشرة لإجبار اللاجئ على العودة إلى بلاده في ظروف غير آمنة.
يستهدف لبنان ترحيل اللاجئ السوري دون إقامة نظامية، لكن الأمن العام يتهم أنه يفرض للمعاملات إجراءات ورسوما غير متكافئة مع وضع اللاجئين، مما يضع شريحة واسعة هدفا للترحيل، ومَن تتوفر معه موارد بالحد الأدنى يحاول الهجرة.
هذا حال مصطفى أبو حسنة، اللاجئ من حماة، في طرابلس، وخريج العلوم السياسية والإعلام. يسعى للهجرة بعد إشعار الأمن العام اللبناني له بالمغادرة.
عمل اللاجئين السوريين غير القانوني هو ضرب من الاستغلال لتعزيز هوامش ربح أرباب العمل
يقول أبو حسنة لـ"المجلة": "يفرض الأمن العام اللبناني شروطا تعجيزية، مما يدل على سياسة ممنهجة يتبعها لإبقاء اللاجئ السوري دون إقامة وعمل قانونيين. إقامة الطالب تشترط التأكد من أنك لا تعمل، ولا حتى عبر الإنترنت. وإقامة الكفيل محصورة بالعمال فئة ثانية أو ثالثة، في الزراعة والبناء والتنظيفات، والتصنيف بحد ذاته عنصري، عداك عن أنه غير منسجم مع الواقع".
ويتابع: "لأن الإعلاميين لا تشملهم الكفالة، حاولت الاستحصال على إقامة عامل نظافة. دخل الكفيل متاهات بيروقراطية، وتعرضت لمعاملة مهينة من العنصر المسؤول عن إقامات العمال، كان يومئ بازدراء وقرف لمجرد الحديث معه، وأخذني وردني إليه أكثر من 35 مرة، هدرا للوقت والمال والنفسية. بعد كل ذلك، كشف تقرير الاستقصاء حقيقة عملي، وجاءني طلب الإقامة التي أسعى إليها منذ 2017 بالرفض، مع قرار مغادرة لي ولزوجتي ولابني".
ويضيف: "أما إقامة الصحافي فهي فئة أولى، وبحسب ما قرأت تتطلب إجازة عمل ألفي دولار، ورسوم أمن عام 88 مليون ليرة (حوالي 970 دولارا)، ولو أمنتها، يجب أن أكون مسجلا باتحاد الصحافيين في سوريا وهي النقابة التابعة للحكومة. كيف ذلك وأنا صحافي معارض؟".
يستنتج بمرارة: "إقامة عامل نظافة كلفتني الكثير من الجهد والتعب والمال، ولم أحصل عليها، فكيف إذا كانت إقامة صحافي؟".
السبب الاقتصادي
الخبير في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر أديب نعمة، يشدد في حديث لـ"المجلة" على وزن الملف الاقتصادي في المطالبات بترحيل اللاجئين السوريين: "هذه حفلات تحريض تشنها الطبقة السياسية لتغطي إفلاسها، مركزة الأنظار على اللاجئين. يذكرني المشهد بانتهاء الحرب الأهلية، حين اتفق الجميع على أن اللاجئ الفلسطيني هو سبب الحرب. واليوم يتفقون على أن اللاجئ السوري هو سبب الانهيار الاقتصادي".
يعتبر نعمة أن أهم المغالطات المسيطرة هي عدم التمييز بين تأثر لبنان بالأزمة السورية وتأثره باللجوء السوري: "أثرت الحرب السورية على لبنان بشكل كارثي، فالحدود أقفلت، وضُربت السياحة، وتورط (حزب الله) بالحرب، ونشط التهريب، وفتحت المعابر غير الشرعية ذهابا وإيابا أمام المهربين، يتاجرون في الممنوعات وفي المواد الأساسية من وقود وطحين وأدوية".
ويشير إلى فوائد غير معترف بها لبنانيا لـ"اقتصاد اللجوء"، الذي حركته القوى العاملة السورية اللاجئة، وهو ينضوي تحت قطاع الزراعة، وورش العمل اليدوية، وتشغيل المعامل وحتى المطاعم، كما رفع اللجوء السوري نسبة الاستهلاك في السوق اللبنانية، وساهم في إنعاش الدورة الاقتصادية في الدكاكين من خلال البطاقات الشرائية، وساهم في خلق فرص عمل للبنانيين في برامج التنمية الاجتماعية الخاصة باللاجئين".
ويسأل: "المناطق اللبنانية التي تصب جام عنصريتها على السوري، وتشكو أسواقها الإغراق، هل حقا يقبل أبناؤها بطبيعة عمل اللاجئ وأجرته؟".
ويضيف أن عمل اللاجئين السوريين غير القانوني هو ضرب من الاستغلال لتعزيز هوامش ربح أرباب العمل، فهؤلاء لا يدفعون الحد الأدنى للأجور، ولا الضرائب الخاصة بالعمال المسجلين، ورغم صدور قانون لضم العامل السوري لصندوق الضمان الاجتماعي، يلجأ أصحاب المصالح لمخارج قانونية لعدم تسجيل العامل السوري، بهدف توفير رسوم الضمان.
تضليل بالأرقام
يستعيد أديب نعمة محطات في عمله الاستشاري مع وزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمات دولية، منبهاً إلى أعطاب في الأرقام الخاصة باللجوء السوري، وهي تنحو للتهويل والمبالغات. ويدعو الصحافيين إلى تناول كل رقم بعين مشككة، ومقاطعة المصادر، واستخدام مهارات استقصائية، لأن الجمهور يتخذ الأرقام حقيقة مطلقة، وخصوصا تلك الصادرة عن جهات دولية، وهي ليست كذلك.
يتناول "التقييم الاقتصادي والاجتماعي لآثار الأزمة السورية على لبنان" الذي أصدره "البنك الدولي" وشركاء أمميين، خلال اجتماع "مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان" بنيويورك في سبتمبر/أيلول 2013، على أنه "أول التقارير التي حذرت بالأرقام من مضار اللجوء السوري، وكرت سبحة المعتقدات الخاطئة والإجراءات التعسفية- بما فيها الترحيل. التقرير المذكور مثلا كان مستعجلا ويفتقر للعلمية. لقد حضرت الاجتماع التحضيري في أغسطس/آب 2013، وطُلب من الخبراء إصدار التقرير خلال شهر واحد. عارضت المشروع لأنه يتطلب وقتا ومنهجية، لكن المجموعة أصرت على إصداره، ورفضت من ناحيتي المشاركة".
يصر لبنان منذ 2014 على وصف اللاجئين السوريين بـ"النازحين"، في حين أنهم عبروا حدودا دولية، بسبب ظروف قسرية أمنية وسياسية واقتصادية
ووفق نعمة، تتعمد السلطات اللبنانية التجهيل والتذبذب في المعلومات الخاصة باللاجئين السوريين، بهدف احتكار الخطاب ومطابقته لمصالحها، وأهم تمثلات ذلك هو المبالغة بأرقامهم وإشاعة المخاوف الديموغرافية، معتمدة عدد مليون و500 ألف لاجئ سوري، غير المستند إلى أي إحصاء علمي، والعدد الأقرب للواقع هو 800 ألف لاجئ سوري.
ويكشف أديب نعمة أن الحكومة رفضت مشروع إجراء تعداد سكاني شامل يستهدف اللبنانيين والسوريين: "أنجزنا في لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني ودائرة الإحصاء المركزي في 2019 تعدادا للاجئين الفلسطينيين، وبفضل تدريبات وتقنيات متقدمة، كنا نراقب على الشاشات عداد اللاجئين يرتفع في لحظة الإحصاء، وخلصت النتيجة لوجود 175 ألف فلسطيني في لبنان، لكن الرقم المتداول لا يزال 400 ألف. وحين رفع الطلب للحكومة بتعداد اللاجئين السوريين، مستفيدين من الموارد والكفاءات الموجودة، جاء الرفض".
ليُرحل من انتخب الأسد
في سياق الأرقام ومآزقها، يدين لبنانيون اللاجئين السوريين بسبب الانتخابات الرئاسية السورية في مايو/أيار 2021، ويستحضرون مشهد الازدحام أمام السفارة السورية، والباصات، وصور الرئيس بشار الأسد والشعارات الموالية، والاشتباكات مع مناصرين لأحزاب مسيحية. ارتفعت مذاك مطالبات بترحيل اللاجئين السوريين تحت شعار "مَن انتخب الأسد فليعد إليه".
تواصلت "المجلة" مع مصدر متابع، وقال: "إن بحثا سريعا سيظهر تقارير حقوقية حول ضغوطات أمنية وابتزازات تحت طائلة الترحيل وإغراء برشى ومساعدات مارستها مكاتب حليفة للأسد في لبنان، واستعان هؤلاء بمفاتيح القرى الحدودية والمخيمات".
وأكمل: "ليس كل المقترعين لاجئين، فعلينا أن لا ننسى سكان جبل محسن الذين يحملون جنسيات مزدوجة، والتقارير والفيديوهات تظهر الباصات التي أقلتهم إلى مراكز الاقتراع. وليس كل السوريين لاجئين، فهناك المستثمرون والمقيمون والعمال".
ويعري المصدر هذه الحجة من الصحة، مستعينا بالأرقام: "يصعب الاتكال على بيانات من النظام السوري. لكن بالإمكان إجراء عملية حسابية: وُجد في المركز صندوق اقتراع واحد عند الثامنة صباحا، ثم أضيف صندوق ثانٍ عند الواحدة ظُهرا، واستمرت العملية لغاية الساعة الثامنة. وإن افترضنا اقتراع 3 ناخبين كل دقيقة، ستعطينا النتيجة 3240 مقترعا".
السياسة اللبنانية
يصر لبنان منذ البيان الحكومي في 2014 على وصف اللاجئين السوريين بـ"النازحين"، في حين أنهم عبروا حدودا دولية معترفا بها، بسبب ظروف قسرية أمنية وسياسية واقتصادية.
كما تردد الآراء والسلطات الداعمة للترحيل أن "اللاجئين غير الشرعيين ليسوا لاجئين"، ومَن دخلوا لبنان في السنتين الأخيرتين هم مهاجرون اقتصاديون، في اجتهاد اصطلاحي يحاول الضغط للترحيل والتنصل من الرزمة الإنسانية الواجبة تجاه اللاجئين. وتذكر هذه المواقف أن لبنان لم يوقع على معاهدة جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، وأن لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء، استنادا للمذكرة الموقعة بين الأمن العام اللبناني والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في 2003، لكنها تتجاهل أن لبنان وقع على القانون الدولي الإنساني، وشارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث يتكرس مبدأ عدم الإعادة القسرية.
وفي ضوء الترحيل الأخير، تناقش الباحثة الاستراتيجية ومديرة مركز "RCCP" للدبلوماسية المجانبة، دانية قليلات الخطيب، تضافر الإرادة الدولية واللبنانية لصون مصالحها الخاصة على حساب وضعية اللاجئين السوريين.
وردا على سؤال "المجلة" حول اتهام حكومة ميقاتي بتلقي "الرشوة" من الأوروبيين، تجيب: "نعم، الاتحاد الأوروبي يعطي لبنان المال مقابل إبقاء اللاجئين. وهذا لا يختلف عن سياسته مع دول شمال أفريقيا حيث يدعم (الرجل القوي) والدكتاتوريات مقابل لجم الهجرة غير النظامية عبر المتوسط. ومثلما تبتز دول شمال أفريقيا أوروبا بالهجرة، كذلك تفعل حكومة لبنان".
العودة الجماعية الآمنة والطوعية غير ممكنة للسوريين إلا بإيجاد الظروف المناسبة
يستوقف الباحثة أن "اللاجئين لا يستطيعون العودة إلى سوريا ما لم ينسحب (حزب الله) من مناطقهم وبيوتهم التي احتلها، في القصير وريفا والزبداني والقلمون ويبرود وغيرها. والأجدر باللبنانيين الضغط على الحزب لينسحب من سوريا، عوضا عن صب جام غضبهم على اللاجئين السوريين الذين ليس لهم منفذ".
وعن الاستقطاب المسيحي حول ملف اللاجئين، تقول: "صحيح أن حزب (القوات) يساهم في تأجيج الكراهية ضد السوريين لكنه ليس وحيدا في ذلك، بل هذا هدف كل خطابات السياسيين، إذ يطرح الملف من زاوية شعبوية ولا يُعالج بموضوعية".
الوضع السوري
من الجانب السوري، العودة ليست محاصرة فقط بالبعد الميليشياوي وممارسات القوى التابعة للحكومة وتداخل المرجعيات الأمنية والتقسيمات العسكرية. وتختبر سوريا اليوم هزات ارتدادية إنسانية تستبعد الحد الأدنى من مقومات العيش، حيث قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، إن الدمار الذي حل بسوريا منذ عام 2011 "لا مثيل له في التاريخ المعاصر".
خلفت الحرب نحو ثلاثة ملايين وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل أو جزئي، بحسب تقرير "الشبكة السورية لحقوق الانسان" في 2018، إلى جانب انحلال البنى التحتية من مياه وكهرباء، ونقص مدو في الغذاء، وشح الخدمات الأساسية الطبية والتربوية، وانهيار العملة السورية، وعقوبات اقتصادية، لا تترك تصورا لإعادة إعمار قريبة، بينما تقرير "الإسكوا"، "بعد ثماني سنوات من الحرب" (2020)، قدر الخسائر الناتجة عن الحرب السورية بـ442 مليار دولار.
وعلى سبيل الخلاصة والتكثيف، تقول المحامية والناشطة الحقوقية مجدولين حسن، في حديث لـ"المجلة"، إن العودة الجماعية الآمنة والطوعية غير ممكنة للسوريين إلا بإيجاد الظروف المناسبة، وتفصلها كالآتي: "أولا والأهم، عملية سياسية في سوريا. ثانيا، إصدار عفو عن كل المطلوبين أمنيا والمعتقلين الموجودين في السجون كافة، وليس فقط في سجون الحكومة. ثالثا ضمان توفر سبل العيش للعائدين من خلال نمو الاقتصاد السوري. وكل هذه الشروط هي في رأيي غير قابلة للتحقيق، لأن الظروف الدولية لا تتجه لإنتاج حل سياسي في سوريا. لذلك فإن ملف العودة سيبقى معلقا وخاضعا للتجاذبات السياسية في دول اللجوء، وستبقى العودة قسرية ولكن بلبوس طوعي، أو يضطر اللاجئ لتسويات تدفعه للعودة إلى سوريا، حيث سيواجه بمفرده كل تحديات البقاء".