الاستثمار الرياضي في السعودية يمضي قُدما

نمو التوظيفات لاستقطاب المشاريع والمواهب الدولية واستضافة المباريات

Shutterstock
Shutterstock
مشجعون سعوديون في المباراة الافتتاحية لكأس العالم 2018 في روسيا

الاستثمار الرياضي في السعودية يمضي قُدما

شهدت السنوات الخمس المنصرمة توسيع المملكة العربية السعودية استثماراتها في الرياضة بشكل كبير. وفي حين رأى بعض المراقبين الخارجيين في هذا الاستثمار إدارة للصورة العامة للمملكة في الأساس، يتلخّص الواقع في أن قطاع الرياضة هو أيضاً حقل للنمو الاقتصادي على مستوى العالم.

فمع استمرار السعودية في مهمتها الهادفة إلى تنويع اقتصادها، يُعَد الاستثمار في الرياضة خطوة حكيمة من الناحية المالية. ولهذه الخطوة منافع إضافية على مستوى التحول الاجتماعي وهي تدعم نمو القطاعات الأخرى ذات الصلة، من الضيافة إلى السياحة إلى الترفيه.

استثمار استراتيجي

تشارك العديد من الجهات الحكومية في المملكة، بما في ذلك "أرامكو السعودية"، في الرياضة بصفتها جهات راعية، لكن المستثمر الرئيسي هو صندوق الثروة السيادية، "صندوق الاستثمارات العامة". العام المنصرم، أنشأ الصندوق هيئة متميزة تُسمَّى "سرج للاستثمارات الرياضية". تتمثل استراتيجية "سرج" في إقامة فاعليات رياضية جديدة في المملكة العربية السعودية، من شأنها جذب جماهير محلية ودولية، وشراء الحقوق التجارية لبطولات رياضية حالية، وتمكين المملكة من استضافة فاعليات رياضية دولية، مثل استضافة مباراة الملاكمة بين تايسون فيوري وأولكسندر أوسيك التي أقيمت في الرياض في 18 مايو/أيار.

أنفقت السعودية منذ عام 2021، ما لا يقل عن 6,3 مليارات دولار على اتفاقات رياضية

تقديرات لمجلة "فوربس"

وبينما تركز "سرج" على تطوير القطاع الرياضي في المملكة العربية السعودية نفسها، يملك "صندوق الاستثمارات العامة" استثمارات دولية أخرى، مثل شرائه نادي "نيوكاسل يونايتد" في المملكة المتحدة واستثماره في مسابقة "ليف غولف".

ثمة حاجة إلى مساري الاستثمار المحلي والدولي لتسريع النمو في قطاع الرياضة، لكن نهج "صندوق الاستثمارات العامة" في التعامل مع كليهما، يجري من خلال منظور دولي. وتتلخص الفكرة في أن تطور المملكة العربية السعودية المشهد الرياضي المحلي من خلال استقطاب المشاريع والمواهب الدولية إلى المملكة.

Saudiarabiangp.com
فورمولا1- سباق جائزة السعودية الكبرى.

يُذكَر أن السعودية ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تتبع نهجاً كهذا. كانت مملكة البحرين أول دولة في المنطقة تستضيف "الفورمولا 1" وهي تقوم بذلك منذ عقدين. واستضافت دولة قطر أيضاً سباق الجائزة الكبرى (Grand Prix) الخاص بها، بالإضافة إلى كأس العالم لكرة القدم لعام 2022. لكن المملكة العربية السعودية تتفوق على جاراتها في حجم الاستثمارات الموظفة وتنوع محفظتها الاستثمارية الرياضية. تقدر "فوربس" أن المملكة أنفقت منذ عام 2021، ما لا يقل عن 6,3 مليارات دولار على اتفاقات رياضية.

توسع بمعايير عالمية

شهد الاستثمار السعودي في كرة القدم بالفعل نجاح البلاد في التقدم بطلب لاستضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2034. ومن المقرر أن تستضيف المملكة كأس آسيا في عام 2027. تتمتع المملكة العربية السعودية بسبق في كرة القدم كون البلاد لديها فريق كرة قدم وطني على مستوى عالمي ودوري سعودي للمحترفين نابض بالحياة، ما يُترجَم إلى جمهور محلي نشط وبنية تحتية وطنية تبني عليها البلاد بدلاً من الاضطرار إلى البناء من الصفر. وتعمل هذه البنية التحتية بالفعل لتسريع النمو في القطاع وتحقيق نتائج، مثل الاستضافة الناجحة لكأس العالم للأندية لعام 2023 وشراء لاعبين دوليين للعب في الأندية السعودية.

يقدر صافي الإنفاق على الانتقالات الصيفية لنوادي كرة القدم السعودية لعام 2023، بنحو 907 ملايين دولار، في المرتبة الثانية بعد الدوري الإنكليزي الممتاز (1,39 مليار دولار)

شركة "ديلويت"

لكن حجم الاستثمار المطلوب لا يزال ضخماً. وتقدر شركة الاستشارات والتدقيق العالمية "ديلويت" أن صافي الإنفاق على الانتقالات لنوادي كرة القدم في السعودية في فترة الانتقالات الصيفية لعام 2023، البالغ 907 مليون دولار، يحل في المرتبة الثانية بعد صافي الإنفاق على الانتقالات في الدوري الإنكليزي الممتاز (1,39 مليار دولار). واستعداداً لكأس العالم لعام 2034، من المقرر أن تصبح المملكة العربية السعودية أكبر راع لـ"الفيفا"، إذ تدفع إلى هيئة كرة القدم 100 مليون دولار سنوياً.

إقرأ أيضا: "دافوس الرياض" يرسم ممرات الانتقال لاقتصاد عالمي مزدهر

والمملكة ملزمة هيكلية حوكمة كرة القدم الدولية المعقدة التي تحد مما يمكن لأي دولة القيام به في هذا المجال. وأيضا القطاعات الرياضية الأخرى تقدم فرصاً مختلفة. عام 2021، أحدثت السعودية تحولاً في عالم الغولف من خلال إنشاء مسابقة دولية جديدة تسمى "ليف غولف"، التي هي في طور الاندماج مع بطولة الغولف المنافسة السابقة، "بي. جي. إيه. تور"، من ضمن جهة جديدة.

وتُعَد الرياضات القتالية ساحة أخرى تترك فيها المملكة العربية السعودية بصمة. استثمرت "سرج" 100 مليون دولار في "دوري المقاتلين المحترفين"، وهو تنظيم للفنون القتالية المختلطة. أما في ما يتعلق بالملاكمة، فقد أثبتت المنطقة الزمنية الخاصة بالمملكة العربية السعودية أنها أكثر ملاءمة للجماهير في أوروبا الذين اعتادوا مشاهدة مباريات الملاكمة في لاس فيغاس في ساعات الصباح الباكر. وأصبحت الرياض بسرعة وجهة للمباريات الاستعراضية، إذ من المقرر أن تستضيف الرياض مباراة طال انتظارها للوزن الثقيل الخفيف بين أرتور بيتربييف وديمتري بيفول. وإدراكاً من المملكة لمستوى الدعاية التي ستجلبها استضافة الأسماء الكبيرة في الملاكمة، تعمد من جهتها إلى تمويل مباريات ملاكمة في الخارج في أماكن مثل لوس أنجلوس ولندن.

يُعَد الاستثمار في الرياضة وسيلة رئيسة لتوليد فرص العمل، ليس فقط في القطاع نفسه لكن أيضاً في القطاعات ذات الصلة مثل السياحة والضيافة والترفيه

أما أحدث مشروع رياضي كبير في المملكة فيندرج من ضمن عالم كرة المضرب أو التنس. وقع "صندوق الاستثمارات العامة" اتفاقا مع "رابطة محترفات التنس"، ليصبح أول شريك للرابطة على الإطلاق في تسمية المرشحات لتصنيفات الرابطة. يأتي ذلك في أعقاب اتفاق الصندوق الموقع في فبراير/شباط مع "رابطة محترفي التنس" الذي صار من خلاله الصندوق أيضاً شريكاً في تسمية المرشحين لتصنيفات الصندوق والرابطة.

الرياضة تقدم الثقافة السعودية للعالم

من خلال كل تلك المشاريع، تسعى السعودية إلى تحقيق مجموعة متعددة المسارات من الأهداف. يُعَد الاستثمار في الرياضة وسيلة رئيسة لتوليد فرص العمل، ليس فقط في القطاع نفسه لكن أيضاً في القطاعات ذات الصلة مثل السياحة والضيافة. ذلك أن جذب أفضل المواهب الدولية إلى المملكة، سواء للسكن أو للعب في مباريات رفيعة المستوى، يجذب الزوار العالميين الذين يرغبون في رؤية هؤلاء النجوم يلعبون. ويمكّن الاستثمار في البنية التحتية المحلية مثل مجمعات التدريب ومخططاتها، جيل الشباب من الرياضيين في السعودية، ويسرّع تطورهم وفق المعايير العالمية. وهنا تبرز رياضتا التنس وكرة القدم للسيدات كمجالين من المتوقع أن تحدث فيهما استثمارات الدولة فرقاً كبيراً. في إنكلترا، مثلاً، لم تتحوّل كرة القدم للسيدات إلى احتراف كامل حتى عام 2018. ومع الاستراتيجيا الصحيحة والاستثمار الصحيح، ليس من المستبعد أن نتخيل الفريق الوطني السعودي للسيدات يلحق بالركب. 

بالطبع، تستفيد الصورة العامة للمملكة على الساحة العالمية من استثمار المملكة الرياضي، إذ يمكن أن تكون الرياضة وسيلة لتعريف الجمهور الدولي بالثقافة السعودية وكذلك المبادرات الثقافية. مثلاً، من المقرر حالياً إقامة مباراة للملاكمة في لندن تضم بطل العالم السابق أنتوني جوشوا في سبتمبر/أيلول من ضمن موسم الرياض.

عام 2023، وبفضل التمويل السعودي بشكل أساسي، وقع المستثمرون في الشرق الأوسط 9 في المئة من اتفاقات أصحاب الحقوق الرياضية في العالم

لكن  وراء كل هذا هدف متين على صعيد الأعمال. يرى المستثمرون في أنحاء العالم  في قطاع الرياضة مجالاً للنمو. ويتماشى مسار الاستثمار الرياضي في السعودية مع الاتجاهات العالمية. عام 2023، تركز ما يزيد قليلاً على نصف اتفاقات أصحاب الحقوق الرياضية العالمية في كرة القدم. وأحد مجالات النمو الرئيسة التي حددها المستثمرون العالميون هو رياضات السيدات.

أ.ب.
الملاكمان في الوزن الثقيل، من اليسار البريطاني تايسون فيوري، والأوكراني ألكسندر أوسيك، يقفان على المسرح قبل النزال في الرياض، السعودية، الجمعة 17 مايو 2024.

وفي حين لا تزال قائمة الاستثمارات الرياضية السعودية غير شاملة، لا تستثمر المملكة في القطاعات الرياضية كلها في شكل عشوائي. إذ تستثمر في الرياضات الرئيسة خلافا للرياضات الأربع المهيمنة في أميركا الشمالية (كرة القدم الأميركية والبيسبول وكرة السلة وهوكي الجليد)، حيث تركز غالبية اتفاقات الاستثمار الأميركية الشمالية على السوق المحلية الأميركية. لذلك، في حين أن محفظة الاستثمار الرياضي السعودي متنوعة (وتشمل الكريكيت والمصارعة والرياضات الإلكترونية)، يدرك المشرفون عليها أيضاً مجالات النمو المحتملة.

عام 2023، وبفضل التمويل السعودي بشكل أساسي، وقع المستثمرون في الشرق الأوسط 9 في المئة من اتفاقات أصحاب الحقوق الرياضية في العالم. ومع التوسع المستمر في الاستثمار الرياضي السعودي، من المرجح أن ينمو هذا الرقم. ومع إنشاء جهات مثل "سرج"، تؤكد المملكة العربية السعودية تلبية هذا النمو أهداف التحول الاجتماعي والاقتصادي وأن يسمح لها بإحداث أثر تجاري وعام على المدى الطويل في الرياضة العالمية.

font change

مقالات ذات صلة