كهرباء سوريا بين الدمار والعجز... و"الفرقة الرابعة"

النظام يتحكّم بالانتاج والتقنين بما يعمق عدم المساواة وظلم المواطنين في التغذية والتكلفة

Shutterstock
Shutterstock
خطوط الكهرباء، شرايين الحياة

كهرباء سوريا بين الدمار والعجز... و"الفرقة الرابعة"

تعرض قطاع الكهرباء في سوريا لدمار وأضرار جسيمة في أعقاب سنة 2011، مما أدى إلى انخفاض مستويات الإنتاج وأثّر على السكان والاقتصاد. وصار الحصول على الكهرباء من أهم الأولويات لدى الأسر السورية في السنوات القليلة الماضية. وقدرت وزارة الكهرباء السورية الخسائر التي تكبدها قطاع الكهرباء منذ بداية الصراع السوري بنحو 2,4 مليار دولار أميركي من حيث القدرة الإنتاجية وتكاليف إعادة إعمار خطوط التغذية.

يعاني السكان من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وانقطاع الكهرباء تماما عن بعض فئات المجتمع في بعض الأحيان. وقد فرضت الحكومة السورية نظام تقنين للكهرباء.

وشهد انقطاع الكهرباء وتقنينها تفاقما ملحوظا في السنوات المنصرمة، وحتى اليوم، في العاصمة دمشق التي تحظى بخدمة أفضل من العديد من المناطق السورية، يتجاوز انقطاع التيار الكهربائي 20 ساعة في بعض الأحيان. وعجزت وزارة الكهرباء السورية عن إدخال تحسين يذكر على القدرة الإنتاجية للكهرباء في السنوات القليلة المنصرمة، مع أنها رفعت في الوقت نفسه تكلفتها على السكان والاقتصاد باستمرار.

إنتاج الكهرباء المتاح حاليا ما بين 2000 و2300 ميغاواط فقط، والطلب نحو 7000 ميغاواط. وتحتاج وزارة الكهرباء إلى نحو 5 ملايين دولار أميركي يوميا لإنهاء نظام التقنين

صحيفة "قاسيون"

تبلغ القدرة الإنتاجية في سوريا نحو 5500 ميغاواط، لكن البلد لا يستطيع أن ينتج حاليا إلا ما بين 2000 و2300 ميغاواط، وذلك يقل كثيرا عن الطلب المقدر بنحو 7000 ميغاواط. وتحتاج وزارة الكهرباء إلى نحو 5 ملايين دولار أميركي يوميا (3 ملايين دولار لتأمين الغاز ومليوني دولار للوقود) لتأمين الموارد اللازمة لإنهاء نظام التقنين. وتقدر الاحتياجات الإجمالية بنحو 23 مليون متر مكعب من الغاز و12 ألف طن من الوقود يوميا، يتوفر منها حاليا نحو 6,6 ملايين متر مكعب من الغاز و5500 طن من الوقود.

إستراتيجيا الحكومة: رفع التكاليف والخصخصة

وفي مواجهة الارتفاع المستمر لتكلفة موارد الطاقة، وعدم كفاية الكميات المتوفرة، لجأت وزارة الكهرباء السورية أيضا في السنوات القليلة المنصرمة إلى رفع أسعار الكهرباء التي توفرها. ففي فبراير/شباط 2024، أعلنت وزارة الكهرباء زيادة جديدة كبيرة في تكلفة الكهرباء بلغت ما بين 300 و585 في المئة. وشمل القرار أسعار الكهرباء للاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية والزراعية بالإضافة إلى المنشآت السياحية. وفي مارس/آذار 2024، قدرت صحيفة "قاسيون" أن كل أسرة في حاجة على الأقل إلى نحو 3 ملايين ليرة سورية سنويا (ما يعادل 238 دولارا أميركيا وفقا لسعر الصرف الرسمي البالغ 12,625 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد) لتغطية احتياجاتها من الكهرباء، بما في ذلك اللجوء إلى نظام الأمبير.

أ.ب.

في غضون ذلك، واصلت الحكومة خطوات التحرير والخصخصة الجديدة لتشجيع الاستثمارات الخاصة في قطاع الكهرباء، مثل القانون رقم 41 لعام 2022، الذي أدخل تعديلات على ثلاث مواد من قانون الكهرباء الرقم 32 لعام 2010، المواد 9 و14 و30. وقد منح ذلك على سبيل المثل مزيدا من السلطة التعاقدية للهيئات الكهربائية الحكومية في المحافظات وخفف شروط بيع الكهرباء التي ينتجها القطاع الخاص للمستهلكين - وهما إجراءان من شأنهما تشجيع الاستثمار الخاص في هذا القطاع. وفي إطار هذا القانون، منحت الحكومة شركة سورية إدارة محطة كهرباء دير علي لتوليد الطاقة الكهربائية بموجب قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي خريف عام 2023، رخصت بموجب هذا القانون أيضا لشركتين، "بلاك أوركا ش. م. م." و"نكست جنريشن للطاقة ذ. م. م."، يمتلكهما رجال أعمال تابعون للقصر الرئاسي.

إقرأ أيضا: المساعدات لسوريا تتراجع... والحاجات الإنسانية الهائلة تتفاقم

وهما ملزمتان تنفيذ مشاريع كهربائية في مناطق دمشق. لكن، باستثناء هذه الحالات القليلة، كما هي الحال في عمليات الخصخصة الأخرى، لم تجذب هذه التدابير استثمارات أجنبية كبيرة، وإنما استثمارات رأسمالية وطنية صغيرة نسبيا، أو على الأقل غير كافية للتعامل مع النقص الهيكلي العميق في الكهرباء. وفي مؤشر إلى انعدام الحوافز للاستثمار في سوريا وجذب الاستثمارات الأجنبية، أفاد موقع "أثر برس" الإعلامي الموالي للنظام في بداية فبراير/شباط 2024 أن الحكومة السورية ربما تنظر في إلغاء عقد إنجاز كلي (تسليم المفتاح) مع شركة الإمارات الدولية للاستثمار مُنح في سنة 2021 لبناء مشروع للطاقة الشمسية بقدرة 300 ميغاواط في وديان الربيع قرب محطة تشرين للطاقة في دمشق، لعدم التنفيذ، وفقا لمصدر لم يكشف عن اسمه في وزارة الكهرباء. وكانت المشاريع القليلة جدا التي تشارك فيها جهات أجنبية من تنفيذ شركات إيرانية مثل إعادة تأهيل المحطة الحرارية في حلب، التي تعد من أكبر محطات توليد الكهرباء في البلاد، إذ تبلغ قدرتها الإنتاجية الإجمالية 1100 ميغاواط، أو بناء محطة الرستين الجديدة لتوليد الكهرباء التي افتتحتها مجموعة "مبنا" الإيرانية في سنة 2023 في محافظة اللاذقية.

حددت وزارة الكهرباء أسعار الشراء من المقاولين باليورو، ومنحت أسعارا تفضيلية للطاقة المتجددة المولدة من غاز مكبّات النفايات والمواد العضوية والرياح والطاقة الشمسية. لكن ذلك لم يكن كافيا

في الوقت نفسه، أعلنت وزارة الكهرباء في سنة 2019 الإستراتيجيا الوطنية لرفع إنتاج الطاقة المتجددة إلى 5 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء (أي نحو 2500 ميغاواط) من إجمالي الطاقة الأولية المنتجة في سنة 2030، بما في ذلك 1500 ميغاواط من الخلايا الشمسية و1000 ميغاواط من توربينات الرياح. كما تهدف إلى تركيب 1,2 مليون سخان مياه بالطاقة الشمسية في المنازل.

البدائل: نظام الأمبير والألواح الشمسية؟

في هذا الإطار، نظمت الحكومة مؤتمرا وطنيا للطاقة المتجددة في مايو/أيار 2022. تعتمد هذه الإستراتيجيا بشكل أساسي على: تعزيز مشاريع الإنجاز الكلي (تسليم المفتاح)، ومنح خفوضات ضريبية وتقديم محفزات لصناعيي المعدات المناسبة، وخفض التعريفات على استيراد التكنولوجيا ذات الصلة، وشراء الكهرباء التي يولدها القطاع الخاص. ولضمان نوع من الاستقرار للمقاولين، حددت وزارة الكهرباء أسعار الشراء باليورو ومنحت أسعارا تفضيلية للطاقة المتجددة المولدة من غاز مكبّات النفايات والمواد العضوية والرياح والطاقة الشمسية. لكن ذلك لم يكن كافيا لضمان تطور القطاع. كما أن الحكومة السورية ألغت في السنوات القليلة المنصرمة عشرات مشاريع الطاقة المتجددة التي تقوم بها جهات خاصة لأن الشركات لم تنفذ المشاريع في الإطار الزمني المتفق عليه. ووفقا لوزارة الكهرباء، أنتجت مشاريع الطاقة المتجددة نحو 350 ميغاواطاً في البلاد في نهاية عام 2023.

إيوان وايت

إقرأ أيضا: السياسات الاقتصادية السورية نحو مزيد من التقشف والظلم الاجتماعي 

في مواجهة انخفاض إمدادات الكهرباء التي تنتجها الحكومة والاستثمار غير الكافي للجهات الفاعلة في القطاع الخاص في هذه القطاعات، سعت المجتمعات المحلية إلى إيجاد مصادر طاقة بديلة، ولا سيما من طريق بدائل خاصة خارج الشبكة، مثل المولدات والبطاريات والألواح الشمسية. ففي العديد من المدن التي تأثرت بشدة بالحرب، تشكل المولدات التجارية والخاصة والبطاريات المصدر الرئيس للكهرباء للسكان المحليين.

وقد حوّل العديد من المنازل الأجهزة الكهربائية الصغيرة لكي تعمل ببطاريات 12 فولتاً. ولتأمين الكهرباء، يدفع السكان المحليون اشتراكا مباشرا لمالكي المولدات. ويتوقف رسم الاشتراك على الاستهلاك بالأمبير. ويعتمد نظام الأمبير على الكهرباء التي تنتجها المولدات الصناعية. وتحتاج الأسرة إلى ما بين ثلاثة وأربعة أمبيرات على الأقل لتغطية احتياجاتها الأساسية من الكهرباء.

يهيمن رجال أعمال تابعون للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد على نظام الأمبير. واعترفت الحكومة السورية في مايو 2023 بأن استخدام نظام الأمبير صار "أمرا واقعا"

توسع استخدام نظام الأمبير في كل أنحاء البلاد، متجاوزا مدينة حلب التي ظهر فيها أولا نتيجة الدمار الواسع للبنى التحتية لمحطات توليد الكهرباء، وعدم قدرة الحكومة على تأمين الكهرباء. ووفقا لمصادر صحافية عدة، يهيمن رجال أعمال تابعون للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد على نظام الأمبير.

ومع أن الحكومة السورية نفت أكثر من مرة في البداية منح رخص رسمية للعمل بهذا النظام، فإنها اعترفت في مايو/أيار 2023 بأن استخدام نظام الأمبير أصبح "أمرا واقعا"، وفقا لمصدر في وزارة الكهرباء تحدث إلى صحيفة "الوطن". على سبيل المثل، في صيف عام 2023، أصدرت محافظة دمشق رسميا قواعد الترخيص لموردي الكهرباء، الذين وصل عددهم إلى 24 في ذلك الوقت. وقد سمحت القيود المفروضة على الجهات الخاصة الموردة للكهرباء باستئجار عقارات تملكها المحافظة، في مقابل ألفي ليرة سورية للمتر المربع الواحد في اليوم. ويتعين على تلك الجهات توظيف ما لا يقل عن 5 إلى 10 في المئة من موظفيها من المحاربين الجرحى وأبناء الشهداء الذين يوصي بهم مشروع جريح الوطن ورابطة الشهداء. وترتبط هاتان الجهتان بأسماء الأسد ووزارة الدفاع على التوالي. 

في الوقت نفسه، شهد استخدام الألواح الشمسية في البلاد ارتفاعا ملحوظا في السنوات القليلة المنصرمة، في توجه واضح لتوليد الكهرباء بالألواح الشمسية لا للمنشآت الصناعية الكبيرة وإنما للمنازل أيضا. وفي سنة 2021، أطلقت الحكومة صندوق دعم الطاقة المتجددة لتشجيع "مستهلكي الطاقة على استعمال مصادر الطاقات المتجددة، والعمل على رفع كفاءة الطاقة". ويفترض أن تصرف أموال الصندوق من طريق قروض مدعومة بدون فوائد. وفي أبريل/نيسان 2024، قدم 40 ألف طلب منذ إنشاء الصندوق، ونفذ أكثر من 5500 طلب للأسر والقطاعات الزراعية والاقتصادية وزاد إجمالي الطاقة المركبة على 8,5 ميغاواط.

القيود

غير أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المستمرة والمتفاقمة في البلاد جعلت هذه البدائل باهظة التكلفة على الغالبية العظمى من الأسر في سوريا. وكان لارتفاع أسعار الوقود الذي يشغل المولدات، تأثير سلبي كبير على قدرة الأسر الضعيفة على الحصول على الكهرباء. على سبيل المثل، يُقدر أن سكان مدينة حلب أنفقوا نحو 16,1 مليون دولار أميركي شهريا للحصول على 240 ميغاواطاً من الكهرباء من شبكة تضم 1200 مولد، وفقا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سنة 2022.

كان لارتفاع تكلفة الكهرباء وساعات التقنين الطويلة تأثير سلبي على القطاعين الزراعي والصناعي، بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، وسوء إدارة المياه

في الأشهر القليلة الأولى من سنة 2024، استمر ارتفاع تكلفة الاستهلاك بالأمبير باطراد. ارتفع السعر الرسمي للكيلوواط ساعة من 5500 ليرة سورية إلى 7500 ليرة سورية في فبراير/شباط 2024 في محافظة دمشق، ولكن وفقا لوسائل إعلام وشهادات مختلفة، باعت الجهات الخاصة المزودة للكهرباء الكيلوواط ساعة بين 9500 و11500 ليرة سورية.

من المشكلات الإضافية للمولدات تأثيرها على جودة الهواء، وهذا ما يعود بالضرر على الصحة العامة. وثمة خيار آخر هو أنظمة البطاريات التي توفر إضاءة أساسية وتسمح بتشغيل الأجهزة الإلكترونية الصغيرة وشحن الهواتف. وبما أن معظم هذه البطاريات رديئة أو أعيد تدويرها، لذا يجب تغييرها مرة أو مرتين كل عام.

وكالة أنباء شينخو
عاملان يصلحان خطوط الكهرباء في بلدة كفر بطنا في ريف الغوطة الشرقية في دمشق، سوريا، 8 أكتوبر 2018.

من جهة أخرى، ظلت الطاقة الشمسية غير ميسورة التكلفة لغالبية المجتمع. وقدر متوسط تكلفة تركيب الألواح الشمسية لمنزل عادي بـ 30 مليون ليرة سورية (ما يعادل 2376 دولارا أميركيا بسعر الصرف الرسمي) في بداية عام 2024، ويشمل ذلك شراء 6 ألواح شمسية بـ 18 مليون ليرة سورية، وبطاريتين سعة 200 أمبير بـ 8 ملايين ليرة سورية، ومقوّماً عكسياً بـمليوني ليرة سورية، وقواعد حديدية وكابلات توصيل بمليوني ليرة سورية. ولا تستطيع الغالبية العظمى من السكان شراء الألواح الشمسية بهذا السعر أو تقديم الضمانات المالية للمصرف للحصول على قروض لهذا الغرض.

التأثير على الاقتصاد والمجتمع

أثر ارتفاع أسعار الكهرباء، إلى جانب عدم توفرها أو انقطاعها، على السكان والقطاعات المختلفة للاقتصاد، لا سيما القطاعات الإنتاجية. فقد كان لارتفاع تكلفة الكهرباء وساعات التقنين الطويلة تأثير سلبي على القطاعين الزراعي والصناعي، إلى جانب عوامل أخرى، بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود والأسمدة، وسوء إدارة المياه، وتكرار الجفاف، وآثار العقوبات، وانهيار سعر صرف الليرة السورية، واضطرابات سلاسل الإمداد، وغيرها.

"خط الكهرباء الذهبي" الذي توفره الحكومة للأنشطة الاقتصادية ويضمن تزويد الكهرباء في النهار، يبقى مكلفا وغير متوفر في العديد من المناطق

على سبيل المثل، طالبت غرف الصناعة واتحاد غرف الصناعة السورية الحكومة بشكل متكرر في السنوات القليلة المنصرمة بضمان توفير السلع ومصادر الطاقة المطلوبة، لا سيما الكهرباء، للمنشآت الصناعية والمصانع. غير أن توفير الكهرباء لم يتحسن، بل على العكس، مما أثر على قطاع الصناعة بأكملها. كما أن "خط الكهرباء الذهبي" الذي توفره الحكومة للأنشطة الاقتصادية ويضمن رسميا تزويد الكهرباء في النهار، باستثناء يومي الجمعة والسبت، يبقى مكلفا وغير متوفر غالبا في العديد من المناطق، بالإضافة إلى انقطاعاته المتكررة.

أ.ب.

وفي ظل غياب الكهرباء وارتفاع تكاليفها، وكذلك الوقود، تتوقف العديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة السورية عن العمل، مما يؤدي إلى فقدان فرص الدخل للأسر الضعيفة. ووفقا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في عام 2022، تلحق أكبر الأضرار بالنجارين والحلاقين والخياطين وورش العمل الميكانيكية أو الصناعية إذ لا يمكنهم تحمل تكلفة مصادر الطاقة البديلة. 

في منتصف أبريل/نيسان 2024، بعد إدخال زيادة جديدة على سعر الكهرباء في فبراير/شباط كما ذكرنا أعلاه، عقد اتحاد الغرف الصناعية السورية اجتماعا دعا فيه إلى خفض تكاليف الكهرباء، وإلا سيلحق ذلك "كارثة حقيقية" بالصناعيين، مما يؤدي إلى إغلاق العديد من المصانع. وصرح صناعي من حلب بأن أكثر من 25 مصنعا للحديد توقفت عن الإنتاج لارتفاع تكلفة الإنتاج، بما في ذلك ارتفاع أسعار الكهرباء. 

ثمة آثار عديدة على السكان. على سبيل المثل، تأثرت إمدادات المياه كثيرا نتيجة الدمار والضرر الذي لحق بالنظام الكهربائي في البلاد، مما يعرض الحصول على المياه للخطر. وتفتقر كثير من المدن والمناطق إلى إمدادات المياه بسبب انقطاع الكهرباء ساعات طويلة والتقنين، وتضررت أيضا معدات معظم الآبار التي تعتمد على الكهرباء. ولا تستطيع الغالبية العظمى من السكان التعامل مع قصور الشبكات لأن البدائل، مثل مولدات الطاقة الشمسية والمولدات التي تعمل بالوقود، تتجاوز القدرة الشرائية لمعظم السكان.

ويظل توفير المياه للمنازل للاحتياجات المنزلية (مثل الغسيل) معقدا أيضا لنقص الكهرباء ودمار البنية التحتية. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكلفة المياه على نحو متزايد، مما يشكل عبئا ماليا إضافيا على الأسر التي تعاني من انخفاض الدخل. توجد هذه العوامل في أنحاء مختلفة من البلاد، لكنها تبرز على الخصوص في أطراف المدن الرئيسة والبلدات الصغيرة والمتوسطة والمناطق الريفية.

لن تكون الطاقة الشمسية بديلا ممكنا من دون استثمارات حكومية ضخمة، أكان ذلك للسكان أم لقطاعات الاقتصاد

في الخلاصة، أدى تدمير البنى التحتية للكهرباء خلال الحرب ونقص المازوت إلى انخفاض كبير في إنتاج الكهرباء وإمداداتها للسكان. وكان لارتفاع تكلفة الكهرباء أيضا آثار سلبية خطيرة على السكان والاقتصاد.

ويتسبب الارتفاع المستمر في تكلفة الكهرباء بصعوبات كبيرة لأقسام واسعة من قطاعي الزراعة والصناعة - وخصوصا للمنشآت الصغيرة والمتوسطة – بإحداث زيادة كبيرة في فواتير الطاقة. ويقلل ذلك قدرة قطاعي الزراعة والصناعة على المنافسة، ويزيد عدم المساواة بين المنشآت الصغيرة والكبيرة داخل هذين القطاعين التي ستتمكن من تحمل هذه الأسعار المرتفعة، ومن ثم ضمان استدامة أنشطتها الاقتصادية. ستتعرض المنشآت الصغيرة والمتوسطة لخطر كبير، وربما يهدد ذلك بتوقف عملياتها في المستقبل.

إقرأ أيضا: قانون الكبتاغون... فرصة للرئيس بايدن لاتخاذ إجراءات مؤثرة

ولا تراعى تكاليف الإنتاج أو المخاوف البيئية في إجراءات الحكومة أو مقترحاتها. وفي الوقت نفسه، لن تكون الطاقة الشمسية بديلا ممكنا من دون استثمارات حكومية ضخمة، أكان ذلك للسكان أم لمختلف قطاعات الاقتصاد. كما أن صندوق دعم الطاقة المتجددة القائم حاليا الذي تروج له الحكومة أبعد ما يكون عن تحقيق هدفه المعلن.

الافتقار إلى الكهرباء وارتفاع تكلفتها، لهما دور مركزي في تفاقم الوضع الإنساني والاحتياجات في سوريا، بوصفه عارضا ومحركا للتدهور الاجتماعي والاقتصادي. كما أن الافتقار إلى الكهرباء وارتفاع تكاليفها يقوضان أي احتمال لتعافي الاقتصاد.

font change

مقالات ذات صلة