ما أن يبدأ القارئ بتصفّح ما تكتبه الشاعرة اللبنانية سوزان عليوان حتى يشعر فورا أن عليه أن يستعد للإقامة في حيّز صغير وخاص. فكرة الحيّز الصغير والخاص تسري على المعجم القليل والشخصي تقريبا الذي تجري به كتابة القصائد، وكذلك على المناخات الحميمة التي تدور بين سطورها. مناخاتٌ فيها أيضا شيء من القلّة التي – بدورها – تسري وتتسرّب إلى كل شيء تقريبا في هذه الكتابة التي تكاد تكتفي بما هو حميم وقريب وشخصي. كتابة هامسة وزاهدة ومنجزة باستعارات شعرية خافتة وكلمات تبقى في محيط الذات.كتابة تصدر أيضا في "طبعات محدودة وخاصة" وتوزّع باليد، أو تتاح للقراءة في الموقع الإلكتروني الخاص بالشاعرة.
ملاحظاتٌ وتوصيفاتُ كهذه، سبق لها أن رافقت عددا من مجموعات عليوان الشعرية السابقة، وها هي تحضر أيضا في إصدارها تسع مجموعات دفعة واحدة، بعدما كانت توقفت مدة عشر سنوات عن النشر.
مساحات صغيرة
نقرأ وتستمر في داخلنا فكرة أن هذا شعر مكتوب داخل مساحات شخصية صغيرة. شعرٌ يبقى داخل نفسه، ويكتفي بأن يُدوَّن في مقاطع وصور واستعارات مُنجزة بعدد قليل من الكلمات التي لا تذهب بعيدا في الانشاء والبلاغة، ولا تذهب بعيدا عن محيط الشاعرة نفسه. "وكأن العالم يكتمل بمفردات أقل"،كما تقول هي في واحدة من قصائدها الجديدة. كأن صاحبة ديوان "لا أشبه أحدا" لا تريد أن تشبه إلا نفسها. إنها مشغولة بمجاراة ذاتها ومجاراة فكرتها عن الشعر، ولا يعنيها أن تنافس أحدا ولا تريد أن تبذل جهدا أكثر من الجهد الذاتي الذي غالبا ما يكون على مقاس المزاج. الزهد في المنافسة يُعفي هذا الشعر من "رسميّة" المشهد الشعري العام وضجيجه ويمنحه عزلة اختيارية لطيفة وثمينة، ويفسح له مساحة جانبية خارجة عن السياق من دون ان يعني ذلك تفوقا او ميزة بديهية بل هو مجرد مزاج شعري خاص. إنه شعر مكتفٍ بنفسه تقريبا. مُنضوٍ تحت رايته الخفيضة.