هل تؤدي روبوتات المحادثة إلى تآكل صناعة تكنولوجيا المعلومات في الهند؟

لخدمات الأعمال أهمية كبرى في الاقتصاد الهندي ويساهم في 7 % من الناتج المحلي الإجمالي

Shutterstock
Shutterstock
روبوت يجيب تلقائيا على أسئلة العملاء

هل تؤدي روبوتات المحادثة إلى تآكل صناعة تكنولوجيا المعلومات في الهند؟

ما الوظيفة المثالية للاستعانة بالذكاء الاصطناعي؟ تعاني أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم، لا سيما النوع التوليدي الشبيه بـ"تشات جي. بي. تي."، من ذاكرة ضعيفة، ولا يمكنها التعامل مع الأشياء المادية، وهي أسوأ من البشر في التفاعل مع البشر. لكن مجال تميّزها هو معالجة الأرقام والرموز، خصوصا في مهمات محددة جيدا مثل كتابة أجزاء من التعليمات البرمجية للحاسوب. ويصدف أن ذلك هو موطن قوة الشركات العملاقة القائمة للاستعانة بمصادر خارجية – أي شركات تكنولوجيا المعلومات في الهند. فقد عمدت سبع من هذه الشركات، بما في ذلك أكبر شركتين، وهما "تي. سي. إس." و"إنفوسيس"، إلى التسريح الجماعي لـ 75,000 موظف في السنة الماضية. وتقول الشركات أن لا علاقة لهذا الخفض، الذي يعادل نحو 4 في المئة من مجموع قوتها العاملة، بالذكاء الاصطناعي، وإنما يعكس التباطؤ الواسع في قطاع التكنولوجيا. بل إنها تقول في الواقع إن الذكاء الاصطناعي يشكل فرصة وليس تهديدا.

الوظائف الأبسط هي الأكثر عرضة للتأثر

لخدمات الأعمال أهمية بالغة في الاقتصاد الهندي. فالقطاع يوظف 5 ملايين شخص، أو أقل من 1 في المئة من العمال الهنود، لكنه يساهم في 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ونحو ربع الصادرات الإجمالية. وتستأثر الخدمات البسيطة مثل مراكز الاتصال بخمس تلك الإيرادات الخارجية. ويأتي ثلاثة أخماسها من خدمات تكنولوجيا المعلومات، مثل نقل البيانات إلى الحوسبة السحابية.

انخفضت أجور وظائف مثل تصميم الرسوم بما بين 7 و14%، وتستخدم بعض الشركات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع طلبات خدمة العملاء البسيطة والمتكررة

أما الباقي فيأتي من عمليات معقدة مصممة خصيصا لعملاء أفراد. وتحسب شركة الأبحاث "كابيتال إيكونومكس" أن ثمة حالة متطرفة يمكن فيها أن يقضي الذكاء الاصطناعي على الصناعة بأكملها من دون إعادة تخصيص الموارد، وذلك من شأنه أن يقتطع ما يقرب من نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي على مدى العقد المقبل في الهند. وفي سيناريو "الموت البطيء" الأكثر احتمالا، تنمو البلاد بسرعة أقل بنسبة 0.3-0.4 نقطة مئوية.

إقرأ أيضا: كيف تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي عمليا؟

الوظائف الأبسط هي الأكثر عرضة للتأثر. وتظهر بيانات من منصة "أبوورك" (Upwork) للعمل الحر، أن أجور الكتابة غير المعقدة مثل تحرير النصوص انخفضت بنسبة 5 في المئة بين لحظة إطلاق "تشات جي. بي. تي." في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وأبريل/نيسان 2023، مقارنة بالوظائف الأقل تأثرا بـالذكاء الاصطناعي.

Shutterstock
روبوت دردشة الذكاء الاصطناعي يتواصل ويقدم حلولا ذكية

وفي السنة التي تلت إطلاق نموذج "دال إي 2" (Dall-e 2) لإنشاء الصور في أبريل/نيسان 2022، انخفضت أجور وظائف مثل تصميم الرسوم بما بين 7 و14 في المئة. وتستخدم بعض الشركات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع طلبات خدمة العملاء البسيطة ومهمات معالجة البيانات المتكررة. في أبريل/نيسان، توقع ك. كريثيفاسان، الرئيس التنفيذي لشركة "تي. سي. إس."، أن تتمكن روبوتات المحادثة، "ربما في غضون عام أو نحو ذلك"، من القيام بقسم كبير من عمل موظف مركز الاتصال. وقال إن الذكاء الاصطناعي سيتمكّن في النهاية من التنبؤ بالشكاوى وتخفيف حدتها قبل أن يرفع العميل الهاتف.

مساعدو المبيعات

ولكن السيد كريثيفاسان وزملاءه من رؤساء شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية يعتقدون أن حاجة العالم في عصر الذكاء الاصطناعي إلى العاملين في مجال التكنولوجيا ستزداد ولن تقل - وسيأتي كثير منهم من الهند. وهم يفكرون في كيفية تحويل ثورة الذكاء الاصطناعي لصالح شركاتهم.

استخدام الذكاء الاصطناعي من موظفي "إنفوسيس" أدى إلى انخفاض يتراوح بين 10 و30% في الوقت اللازم لإنشاء بعض التطبيقات الجديدة

ومن طرق ذلك، استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز إنتاجية الشركات. فقد أتاحت شركة "إنفوسيس" مساعدين في الذكاء الاصطناعي لجميع موظفيها البالغ عددهم 330,000 موظف. وتقول إن ذلك أدى بالفعل إلى انخفاض يتراوح بين 10 و30 في المئة في الوقت اللازم لإنشاء بعض التطبيقات الجديدة. ويستطيع مساعدو المبيعات الإجابة عن أسئلة العملاء في 30 دقيقة بعدما كانوا ينتظرون في السابق ساعات أو أياما للحصول على مدخلات من الزملاء من أجل الإجابة.

روبوت بدل موظف خدمة العملاء

يؤمل أن تُحدث الكفاءة الإضافية زيادة كبيرة في الطلب على هذه الخدمات. وهناك مصدر آخر للطلب، يشكل فرصة كبيرة ثانية لشركات تكنولوجيا المعلومات، ويتمثل في مهمات الشركات الجديدة تماما المرتبطة باستخدام العملاء للذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم. وكانت شركات تكنولوجيا المعلومات تتهيأ لذلك. فقد حددت ورقة بحثية أعدها ألكسندر كوبستاك من صندوق النقد الدولي وزملاؤه في السنة الماضية حدوث "نمو شبه حاد" في الطلب على المهارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات في الهند منذ سنة 2016. وكانت اثنتان من كل خمس وظائف أعلن عنها في مجال الذكاء الاصطناعي في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين موجودة في بنغالور، وهي موطن شركة "إنفوسيس" ويوجد فيها مقر كبير لشركة "تي. سي. إس.."

كان هؤلاء الموظفون منهمكين في العمل. فقد بنت شركة "إنفوسيس" بالفعل أدوات ذكاء اصطناعي، مثل روبوتات المحادثة التي تجيب عن الاستفسارات بناءً على بيانات الشركات الداخلية لـ 50 عميلا. ويقول مسؤول تنفيذي في شركة "تي سي إس" إن فرقه كانت تسعى لتطوير مساعدين صوتيين للعملاء قبل أن يسمع أحد عن "تشات جي. بي. تي.".

الاستفادة من "سرعة الخبرة"

ويشبّه بعض الأشخاص اللحظة السانحة للذكاء الاصطناعي القائمة حاليا بالوقت الذي سبق سنة 2000، عندما تسابقت الشركات الغربية لمنع أنظمتها الحاسوبية من التعطل بسبب الأصفار التي تشير إلى الألفية الجديدة. وقد عاد الخوف من "خلل الألفية" بثروة على الشركات الهندية. وربما تكون سلسلة من "أخطاء الألفية المصغرة"، عند اندفاع العملاء للبقاء في طليعة التكنولوجيا السريعة التغير، مصدرا لثروة أخرى.

تأمل الشركات العملاقة أن يساعدها الذكاء الاصطناعي في استعادة بعض الأعمال التي فقدتها لصالح عمليات عملائها المتعددي الجنسيات في الهند

تأمل الشركات العملاقة للاستعانة بالمصادر الخارجية أن يساعدها الذكاء الاصطناعي أيضا في استعادة بعض الأعمال التي فقدتها لصالح عمليات عملائها المتعددي الجنسيات في الهند. فقد ازدهرت "مراكز القدرات العالمية" الداخلية في الهند في السنوات الأخيرة. وذلك يسهل على الشركات حماية البيانات الحساسة والملكية الفكرية.

Shutterstock
فريق من المهندسين الهنود الشباب الموهوبين، يعملون في وكالة لإبحاث وتطوير التكنولوجيا

ولكن إذا أصبحت أدوات الذكاء الاصطناعي سلعة جاهزة مثل التخزين السحابي، فإن وفورات الحجم يمكن أن تمنح ميزة للشركات المتخصصة في خدمات الذكاء الاصطناعي. ففي يونيو/حزيران الماضي استحوذت شركة "إنفوسيس" على مركز تكنولوجيا المعلومات في الهند التابع لمصرف الإقراض الدانماركي "بنك دانسك".

إقرا أيضا: سيعاينك طبيب الذكاء الاصطناعي... في نهاية المطاف

يرى ناندان نايلكاني، رئيس مجلس الإدارة والمؤسس المشارك لشركة "إنفوسيس"، أن شركته ومنافساتها الهندية في مجال تكنولوجيا المعلومات ستستفيد مما يسميه "سرعة الخبرة". ويلاحظ بالفعل أن أحد العملاء يريد "مساعدا" لكتابة البرامج، وأن آخر يريد دعما أفضل للعملاء، وثالثا يريد التنبؤ بكيفية تأثير الحرائق الجامحة على مرفق للطاقة. ويوضح أن حل هذه المشكلات المتنوعة يجعل شركات مثل "إنفوسيس" ملائمة تماما للتعامل مع السيناريوهات الجديدة. وربما يساعدها ذلك في النهاية في اجتناب حافة الهاوية.

font change

مقالات ذات صلة