تركيا وإيران بعد رئيسي: استمرار التعاون رغم الخلافاتhttps://www.majalla.com/node/317791/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%B1%D8%BA%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA
حظيت مساهمة تركيا في البحث عن المروحية الإيرانية، التي سقطت وعلى متنها الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، وآخرون، بتغطية في وسائل الإعلام التركية بقدر ما حظي به الحادث نفسه وتداعياته.
وبحسب تقارير صحافية تركية، فإن الطائرة المسيرة التركية "أكنجي-أ-5"، التي أُرسلت للبحث عن موقع التحطم بطلب إيران، حددت موقع المروحية التي سقطت واستغرقت العملية برمتها أقل من 8 ساعات.
وحلقت هذه المسيرة التركية على ارتفاع منخفض جدا يبلغ 9000 قدم حتى تتمكن من التقاط الصور في الظروف الجوية السيئة، وباكتشافها مصدر الحرارة الأول تمكنت فرق البحث والإنقاذ الإيرانية من الوصول إلى حطام المروحية، اعتمادا على تلك المعلومات.
لكن الإيرانيين توصلوا يوم الأربعاء إلى نسخة مختلفة من الحكاية. فقد ذكرت القوات المسلحة الإيرانية أنه على الرغم من أن تركيا أرسلت طائرة دون طيار مزودة برؤية ليلية وكاميرات حرارية إلى المنطقة، فإنها لم تتمكن من تحديد موقع تحطم المروحية بدقة لعدم توفر معدات "الكشف والسيطرة على النقاط تحت الغيم" فيها وعادت إلى تركيا، وأن الطائرات المسيرة الإيرانية عثرت على الحطام صباح الاثنين.
لا ينبغي لنا أن نتوقع أي تغير في السياسة المحلية والدولية بعد موت الرئيس الإيراني
تركيا وإيران، بلدان جاران وقوتان إقليميتان من الوزن الثقيل، تتسم علاقاتهما بحساسيات مختلفة، ويواجه كل منهما الآخر كمنافس استراتيجي في عدد من الأماكن بما فيها سوريا وأذربيجان. بينما في حالات أخرى، لهما مواقف متماثلة كموقفهما من الهجوم الإسرائيلي على غزة. فهما الدولتان الأعلى صوتا في إدانة إسرائيل وفي الدعوة إلى التحرك لوقف العمليات الإسرائيلية.
قام الرئيس الإيراني رئيسي بزيارة رسمية إلى أنقرة يوم 24 يناير/كانون الثاني، عُقد خلالها الاجتماع الثامن للمجلس الأعلى للتعاون التركي الإيراني، ووقع الزعيمان 10 اتفاقات جديدة في مختلف المجالات. كما اجتمع مجلس الأعمال التركي الإيراني.
بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران حوالي 6 مليارات دولار عام 2023. وأعلن رئيسا البلدين أنهما يهدفان إلى زيادته إلى 30 مليار دولار. وجدير بالذكر أن تركيا لم تشارك في العقوبات المفروضة على إيران، ولم تلق سياستها هذه استحسان حلفائها في الغرب.
علاقة استراتيجية
تعد تركيا متنفسا لإيران من نواحٍ عديدة. ففي عام 2023 زار تركيا 2.5 مليون سائح إيراني ووجدوا فيها راحتهم.
ملف الطاقة مهم جدا في العلاقات بين البلدين.
وتعد إيران- وهي إحدى دول ثلاث في العالم تمتلك أكبر احتياطيات من النفط والغاز الطبيعي- ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي لتركيا، التي تستورد حوالي 16 في المئة من غازها الطبيعي من جارتها، بما يعادل 3.3 مليار دولار تقريبا.
اتفاق الغاز الطبيعي بين البلدين، الذي يلزم إيران بإرسال 30 مليون متر مكعب من الغاز يوميا إلى تركيا، ولمدة 30 عاما، سينتهي أجله عام 2023.
وفي أبريل/ نيسان، زار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي طهران واجتمع مع نظيره الإيراني. وتجري الآن محادثات لعقد صفقة جديدة بين شركة الغاز الوطنية الإيرانية وشركة "بوتاش" التركية.
وخلال زيارة رئيسي إلى تركيا، جرى التوقيع على اتفاق حول "التعاون في إدارة شبكة توزيع الكهرباء".
والحرب على الإرهاب قضية أخرى مهمة على جدول أعمال البلدين، فكلاهما يواجه تمردا من "حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب" في تركيا، و"حزب الحياة الحرة الكردستاني" في إيران.
ومع ذلك، وعلى عكس ما هو متوقع، ومع أن المنظمتين نشأتا من الخلفية نفسها ولهما ادعاءات متماثلة، لم تتمكن تركيا وإيران من تطوير تعاون ملموس يركز على تحقيق الأهداف.
الحرب على الإرهاب قضية أخرى مهمة على جدول أعمال البلدين، فكلاهما يواجه تمردا من "حزب العمال الكردستاني"
خصص الرئيس أردوغان جزءا كبيرا من بيانه حول تحطم المروحية، وذلك في اجتماعه الأسبوعي مع الصحافة بعد اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين، وعلق على العلاقات التركية الإيرانية وأشاد بصناعة الدفاع التركية. وقال إن تحطم المروحية كشف مرة أخرى عن أهمية الطائرات المسيرة، وشدد على دور "بيرقدار أكينجي" في عمليات البحث والإنقاذ.
وأشار إلى أن تركيا كانت تعتمد بنسبة 80 في المئة على المصادر الأجنبية عام 2002، بينما تلبي في الوقت الحاضر جميع احتياجاتها الدفاعية تقريبا بالوسائل المحلية والوطنية. ويتوفر لدى تركيا أكثر من 3500 شركة في مجال الصناعات الدفاعية، يعمل فيها أكثر من 80 ألف فرد، وتبلغ صادراتها الدفاعية 1.2 مليار دولار، تصدرها إلى 185 دولة تقريبا.
تؤدي الطائرات المسيرة التركية دورا حاسما ليس في المجال العسكري فقظ، بل في الكوارث الطبيعية وأنشطة البحث والإنقاذ أيضا.
وصف أردوغان إيران بالدولة الجارة ووصف الشعب الإيراني بـ"الإخوة"، مشددا على الطبيعة المتعددة الأبعاد لتعاونهما الثنائي. كما قال إنه يثمن دعم إيران القوي للقضية الفلسطينية ويثمن حوارهما الوثيق في إطار عملية آستانه. وأشار أيضا إلى أن تركيا- تعبيرا منها على احترام حق الجار- لم تشارك في العقوبات الأحادية الجانب التي فرضت على إيران.
واتصل أردوغان بالرئيس بالإنابة محمد مخبر، وأبلغه تضامن تركيا في هذه الأوقات الصعبة. وفي لفتة من تركيا، أعلنت الحداد الوطني يوما واحدا على ضحايا الحادث. كما حضر جنازتهم في طهران، مع شخصيات أجنبية، نائب الرئيس التركي جودت يلماز ووزير الخارجية هاكان فيدان.
يثير الحادث أسئلة كثيرة، بدءا من السبب الذي أجبر الضحايا الإيرانيين على المضي قدما بتحليقهم وسط ضباب كثيف، وعلى متن مروحيات قديمة تفتقر إلى المعدات التقنية الحديثة. ولكن سواء كان ذلك حادثا أم شيئا آخر يدور في أذهان الجميع، فمن غير المرجح أن يحصل الجمهور على إجابة رسمية عما حدث أبدا.
أما على صعيد التداعيات الداخلية، فقد أثارت وفاة رئيسي صدمة في البلاد، لكن النظام الإيراني طمأن الشعب أن استمرار عمل الدولة لن يتأثر بذلك. وعلى الفور عين نائب الرئيس بدلا من المتوفى على نحو مؤقت...
وفي أحوال كهذه سوف يشكل الصراع على السلطة داخل النظام جزءا مما سيأتي، ولكن لا ينبغي لنا أن نتوقع أي تغير في السياسة المحلية والدولية.
ولا تزال حية في الذاكرة كل تلك الخسائر في الأرواح وكل تلك الآلام، التي تسببت بها الحكومة عندما استخدمت الأساليب العنيفة ضد المتظاهرين الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشوارع بعد مقتل مهسا أميني عام 2022. ويرى كثير من الإيرانيين أن القيادة الإيرانية الحالية، والفقيد رئيسي منهم، هم الجناة. لذا فهم يرون في وفاة رئيسي تجليا للعدالة الإلهية وليس مأساة فظيعة.
كما أن دور إيران في المنطقة مثير للجدل في جميع الأوقات. فعلى سبيل المثال، يرى كثيرون أن دعم إيران للأسد ونظامه في سوريا ليس سوى واجهة الأحداث، أما النية الحقيقية فهي تشييع سوريا وجعلها جزءا لا يتجزأ من مجال النفوذ الإيراني. ويمكن النظر إلى سياسات إيران ودورها في اليمن ولبنان والعراق بالمنظار نفسه.
أيا كان التعامل مع الجارة إيران صعبا، ترى تركيا أن من المهم الحفاظ على علاقات طبيعية معها قدر الإمكان، ومواصلة التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات، وعلى رأسها التجارة والاقتصاد، والسعي إلى التغلب على الصعوبات بالطرق الدبلوماسية. فاستقرار إيران أمر مهم لتركيا، لأن أي اضطرابات خطيرة وأي عدم استقرار فيها، يمكن أن تكون لها ردة فعل عكسية خطيرة من نواح عديدة، بما في ذلك انقطاع إمدادات الطاقة وتدفق موجات كبيرة من اللاجئين.