تحل الذكرى 24 لـ"تحرير" الجنوب اللبناني، على وقع حرب الإسناد التي يخوضها "حزب الله" منذ 8 أشهر، استجابة لعملية "طوفان الأقصى" في غزة، مستعيدة وقائع أمنية وديموغرافية ومخاطر وتحديات اجتماعية واقتصادية، كان الجنوبيون قد تجاوزوها وأقفلوا عليها صندوق ذاكرتهم الجمعية، على أمل أن لا تعود، وانصرفوا نحو إعادة بناء استقرارهم ومعاشهم.
ففي 25 مايو/أيار 2000 انسحب الجيش الإسرائيلي من كل المناطق اللبنانية، التي كان قد احتلها على مرحلتين بين عامي 1978 و1982، وخضع الجنوب بعد هذا التاريخ، لمعادلات "ردع" وتفاهمات وقرارات، التزم بها الطرفان إسرائيل و"حزب الله".
الاستقرار الذي دام 24 سنة، مع وقفة لمدة 33 يوما، خلال عدوان يوليو/تموز عام 2006، الذي انتهى بصدور القرار الأممي 1701، شجع أهالي الجنوب، خصوصا سكان العمق، على العودة وإعادة الإعمار وإنشاء المشاريع السياحية والخدماتية.
أتت عملية "طوفان الأقصى" لتنسف هذه المعادلة، ويدخل معها الجنوب في مرحلة جديدة من التاريخ، هي مرحلة حرب "المشاغلة" أو "الإسناد"، فأعادت عقارب ساعة 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتوقيت "حزب الله"، الزمن في الجنوب إلى ما قبل 25 مايو 2000، وأدخلت القرى والمدن في المناطق، التي تُعرف باسم الشريط الحدودي (جنوب نهر الليطاني) مجددا، إلى دائرة الاستهداف الإسرائيلي والانسلاخ عن السياق الوطني، وفرضت على معظم سكانها تكرار تجربة النزوح والخسارات، فيما أخضعت المناطق المحاذية لها، لاستراتيجية "نصف حرب ونصف هدنة"، كما في السابق.
قد تكون مقولة "التاريخ يعيد نفسه" غير دقيقة، لكنها "تنطبق على ما يجري في الجنوب اللبناني اليوم"، هكذا يقول جنوبي نازح (تمنّى عدم ذكر اسمه)، ويضيف: "ليس عدلا أن تقرر قلة قليلة، إرجاعنا إلى مآسي 22 سنة، هي عمر الاحتلال، دون استشارتنا ولا حتى إنذارنا، نحن أهالي الشريط لم نشفَ بعد، من جرح الاحتلال".
على مدى 22 عاما، تمكّن الاحتلال الإسرائيلي من تفريغ ما يقارب 160 قرية ومدينة تابعة إداريا لسبعة أقضية في الجنوب اللبناني والبقاع الغربي، من معظم سكانها، وتحويلها إلى مستعمرات تعتمد اقتصاديا وخدماتيا على تقديماته. ومن بقي فيها، خصوصا من الشباب، وقع بين خيارين: السجن في حال رفض التعامل مع جيش الاحتلال، أو التجنيد الإجباري في "جيش لبنان الجنوبي" في حال الموافقة.