صحيح أن الحرب في غزة لا تزال مستعرة، غير أن القرار الذي اتخذه عدد من الدول الأوروبية بإعلان اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة يعطي إشارة واضحة إلى الكيفية التي يرغب بها زعماء العالم في نهاية المطاف في حل الصراع.
لقد مر أكثر من ثلاثين عاما منذ أن وضعت اتفاقيات أوسلو، التي وقعها رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض في عام 1993، مخططا لإنشاء دولة فلسطين المستقلة. وعلى الرغم من أن عملية أوسلو كانت بطيئة وبيروقراطية، وتطلبت تدابير أمنية مختلفة كخطوات لبناء الثقة، فقد كان الجانبان يدركان جيدا أن الهدف النهائي يتلخص في إقامة دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي.
وجاء اغتيال رابين على يد متطرف يهودي في عام 1995 ليكون الحلقة الأولى في سلسلة كبيرة من الاضطرابات، تلته زيارة المتشدد الإسرائيلي أرييل شارون إلى ساحة الأقصى في عام 2000، والتي كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الثانية، كما يعتقد الكثير. ومنذ ذلك الحين، أُهملت قضية الدولة الفلسطينية إلى حد كبير، وكان ذلك الإهمال جليا في الجهود الدبلوماسية التي بذلتها إدارة ترامب والتي أسفرت عن "اتفاقيات إبراهيم"، والتي استبعدت القادة الفلسطينيين إلى حد كبير.
منتقدو هذه الخطوة سيقولون إن الإعلان المشترك سابق لأوانه، نظرا للقتال الدائر في غزة وتوقف محادثات السلام
إن إعلان أيرلندا والنرويج وإسبانيا هذا الأسبوع بأنها ستعترف رسميا بالدولة الفلسطينية اعتبارا من 28 مايو/آيار قد يكون خطوة مهمة في إرساء الأساس للمفاوضات المستقبلية لحل القضية الإسرائيلية الفلسطينية التي طال أمدها. وقد نسقت النرويج – الدولة التي ساعدت في التفاوض على اتفاقيات أوسلو – مع دبلن ومدريد لدفع هذه المبادرة.
وقال رئيس الوزراء النرويجي جوناس جار ستور، عند إعلان القرار، إن هذه الخطوة جاءت "لتدعم القوى المعتدلة التي تتراجع في صراع قاس طال أمده. وهذا استثمار في الحل الوحيد الذي يمكن أن يحقق السلام الدائم في الشرق الأوسط."
وردد وزير الخارجية الأيرلندي ميشيل مارتن صدى هذه المشاعر، حيث قال إن أيرلندا أعلنت "دعمنا الواضح للحق المتساوي في الأمن والكرامة وتقرير المصير للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي." بينما قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إن الخطوة التي أعلنتها الدول الثلاث "تصب في صالح السلام والتعايش."
منتقدو هذه الخطوة سيقولون إن الإعلان المشترك سابق لأوانه، نظرا للقتال الدائر في غزة وتوقف محادثات السلام، ويضيفون إن الخطوة لن تخفف من محنة الفلسطينيين العاديين في غزة والضفة الغربية المحتلة. بيد أن كلا من "حماس" والسلطة الفلسطينية قد رحبتا، على الرغم من ذلك، بهذا الاعتراف.
سوى أن قرار هذه الدول الأوروبية الثلاث بالمضي قدماً دون موافقة إسرائيل قد يكون إشكاليا. وكان رد فعل الحكومة الإسرائيلية غاضبا، وسحبت على الفور سفراءها من العواصم الثلاث المعنية. وعلى الرغم من تزايد الدعم بين الزعماء الغربيين لمعالجة قضية الدولة الفلسطينية ودعوة بعضهم علانية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بمجرد انتهاء الصراع في غزة، فإن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا تزال تعارض بقوة الاستقلال الفلسطيني.
وبالفعل، رد نتنياهو وحلفاؤه على الإعلان المشترك من خلال وصفه بأنه "جائزة للإرهاب،" زاعمين أن فيه مكافأة لـ "حماس" في نهاية المطاف على هجومها المدمر ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقال نتنياهو: "إن مكافأة الإرهاب لن تجلب السلام، ولن يمنعنا أيضًا من الانتصار على حماس."
وفي حين أن معارضة إسرائيل للإعلان المشترك أمر متوقع، فإن قرار الدول الثلاث بالمضي قدما في الاعتراف الرسمي بها دليل كبير على تزايد الزخم الدبلوماسي داخل التحالف الغربي لتحقيق هذا الهدف. وعلى الرغم من أن الدول الغربية الأخرى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا قد نأت بنفسها عن الإعلان المشترك، إلا أن هناك دلائل تشير إلى أنها تدعم على نطاق واسع هدف إقامة الدولة الفلسطينية، على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول هذا النهج.
قرار الدول الثلاث بالمضي قدما في الاعتراف الرسمي بها دليل كبير على تزايد الزخم الدبلوماسي داخل التحالف الغربي لتحقيق هذا الهدف
على سبيل المثال، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الدولة الفلسطينية لا ينبغي أن تتحقق إلا من خلال المفاوضات بمجرد انتهاء الصراع في غزة، وليس من خلال الاعتراف الأحادي الجانب. وعقب الإعلان المشترك، صرح متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، أن "الرئيس مؤيد قوي لحل الدولتين وقد كان كذلك طوال حياته المهنية. وهو يعتقد أن الدولة الفلسطينية يجب أن تتحقق من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس من خلال الاعتراف الأحادي الجانب".
وفي لندن، نأى رئيس الوزراء ريشي سوناك بنفسه بالمثل عن هذه الخطوة، في حين ذكرت الحكومة الفرنسية، على الرغم من عدم دعمها للإعلان، أنه لا يوجد مانع في باريس بشأن دعم إقامة الدولة الفلسطينية.
ومع ذلك، لم تستبعد المملكة المتحدة تماما إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل بدء المفاوضات. ففي يناير/كانون الثاني، كشف وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن لندن تدرس القيام بجهد دبلوماسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة كجزء من خطة أوسع لإنهاء الحرب في غزة. وذكر كاميرون أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى "تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين." مضيفا: "علينا أن نبدأ في تحديد الشكل الذي ستبدو عليه الدولة الفلسطينية - ما الذي ستتألف منه، وكيف ستعمل."
نعم، ربما لا تزال العملية الفعلية لإنشاء دولة مستقلة بعيدة كل البعد عن تحقيق هدفها، ولكن حقيقة أن القادة الغربيين يعتقدون أن ذلك يجب أن يكون النتيجة النهائية للصراع في غزة تشير إلى أنها لم تعد مجرد حلم بعيد المنال بالنسبة للشعب الفلسطيني.