قراءة في التطورات الثلاثية على المستوى الدولي بشأن فلسطينhttps://www.majalla.com/node/317721/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86
الغرض من هذا المقال هو فحص التطورات على المستوى الدولي المتعلقة بالمسألة الفلسطينية. وأهمية هذه التطورات وتأثيراتها، وإلى أين يمكن أن تذهب؟
ويمكن تقسيم هذه التطورات إلى ثلاثة محاور وهي: عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، والبدائل عن ذلك. ثم المؤسسات القضائية الدولية، وهي تحديدا محكمة العدل الدولية التي هي إحدى هيئات الأمم المتحدة وتختص بالفصل في النزاعات بين الدول وإصدار فتاوى حول أمر قانوني محدد بناء على طلب هيئة أخرى في الأمم المتحدة، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية وهي منفصلة عن الأمم المتحدة وتختص بالنظر في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة عندما لا تكون المحاكم المحلية راغبة أو قادرة على النظر في هذه الجرائم التي ينظر إليها كجرائم عابرة للحدود عموما.
وأخيرا، هناك محور الاعترافات الأحادية من قبل بعض الدول بدولة فلسطين وهي تنضم بذلك إلى عدد كبير من الدول التي تعترف بدولة فلسطين.
لعل البداية الجدية للتوجه نحو الأمم المتحدة كانت تقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين إلى مجلس الأمن عام 2011
بداية، لا بد أيضا من فحص العمل الفلسطيني الرسمي ومدى نجاحه أو فشله في التأثير على هذه التطورات وتوجيهها. كاتب هذه السطور ومن واقع تجربة شخصية مباشرة موقن بأن صاحب القرار الوحيد في السلطة الفلسطينية لا يرى فائدة حقيقية في العمل الدولي، وقد ركز مؤخرا على الأمم المتحدة لأنها الورقة المتاحة التي يأمل من خلال استخدامها في إظهار بعض الانتصارات السياسية. هذا يعني أنه لم تكن هناك خطة استراتيجية واضحة وثابتة للعمل الدولي وأنه كان هناك استخدام غير مستدام لهذا العمل ولم يكن حتى منطقيا في بعض الأحيان.
عضوية الامم المتحدة
لعل البداية الجدية للتوجه نحو الأمم المتحدة كانت تقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين إلى مجلس الأمن عام 2011 من دون نية حقيقية على ما أعتقد في الدفع بالتصويت، وأدى ذلك إلى فقدان فرصة الذهاب للجمعية العامة بوجود زخم سياسي كبير حينها، وفي الوقت نفسه أدى إلى عدم اتخاذ أي إجراء من مجلس الأمن بحجة عدم توفر الأصوات التسعة اللازمة.
في العام التالي، تم اللجوء إلى الجمعية العامة وتم اعتماد قرار يسميه الجانب الفلسطيني الرسمي "قرار الدولة غير العضو" رغم أن القرار يستخدم تعبيرا غريبا وهو "دولة غير عضو مراقب" أي يستحدث فئة قانونية جديدة. ورغم ذلك قاد القرار إلى فتح الباب أمام فلسطين للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ولاحقا إلى رفع علم فلسطين في ساحة الأمم المتحدة بعد أعلام الدول الأعضاء.
ما كان أسوأ من هذا المسلسل، هو ما يسمى الانضمام للمعاهدات والمنظمات الدولية. الغرض هنا هو إثبات وجود دولة فلسطين لكن المشكلة الأساسية كانت عدم التمييز بين المعاهدات من جهة والمنظمات الدولية من جهة ثانية، وتحتاج الأخيرة لتصويت من الدول الأعضاء في هذه المنظمات، وأيضا فيما يبدو تفاهما ضمنيا مع الولايات المتحدة بعدم محاولة الانضمام لمجموعة من المنظمات التي ترى واشنطن أنها مهمة لها مثل منظمة الملكية الفكرية.
بدأت دول كثيرة بما في ذلك دول صديقة لإسرائيل في النأي بنفسها عن إسرائيل وإدانة السياسة الإسرائيلية
الانضمام للمعاهدات والاتفاقات جرى بشكل اعتباطي، دون دراسة أو حتى قراءة لهذه المعاهدات ودون اعتمادها من أي جهة تشريعية ودون التوفيق بين نصوصها ونصوص القوانين المحلية. بطبيعة الحال خلق هذا إشكاليات قانونية بدلا من دعم مسألة الدولة، وستبقى هذه المشاكل قائمة إلى أن يجد الجانب الفلسطيني حلا لها.
بشكل عام، ورغم الادعاءات التي يطلقها بعض المسؤولين، تدهورت الأمور بالنسبة لفلسطين في الأمم المتحدة بعد أن مرت بمرحلة ذهبية هناك. واستطاعت إسرائيل تحقيق تقدم لم يكن ممكنا تصوره في السابق بلغ حد الترشح لعضوية مجلس الأمن عبر مجموعة الدول الأوروبية وهو أمر فظيع لو تم بسبب رفض إسرائيل الانصياع وتنفيذ أي قرار للمجلس.
انتهت هذه المحاولة بالفشل فقط عندما قامت ألمانيا بترشيح نفسها لعضوية المجلس عن المجموعة نفسها وهو ما أدى إلى سقوط إسرائيل خلال الانتخابات التي أجرتها كالعادة الجمعية العامة.
حققت إسرائيل بعض التقدم أيضا من خلال تراجع التصويت على القرارات الفلسطينية، وفي الحقيقة وصل الأمر لضرب نموذج التصويت المعتاد على القرارات الفلسطينية في الجمعية العامة حيث ظهر تصويت سلبي لبعض الدول الأوروبية لأول مرة منذ 1982 وظهرت امتناعات عن التصويت لبعض الدول الصديقة تقليديا مثل الهند، وظهر حتى تغير في موقف بعض الدول الإسلامية. الأمر الوحيد في "الجمعية" الذي منع انهيار التصويت هو بقاء التصويت الإيجابي الموحد للدول العربية في الجمعية العامة. كل ذلك تغير مؤخرا مرة أخرى وخسرت إسرائيل المكتسبات التي حققتها وعادت الأمور تقريبا إلى وضع الفترة الذهبية.
جنون إسرائيلي
كيف حدث هذا؟ بداية، لا فضل هنا للمجموعة الحاكمة في رام الله إذ تدهورت أمورها بشكل ربما حتى أضر بالتطورات على المستوى الدولي، حيث استمر غياب الاستراتيجية والرؤية حتى يومنا هذا، ولكن ما حدث أساسا هو حدوث حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وما يبدو أنه جنون رئيس الوزراء وحكومته البغيضة. بدأت دول كثيرة بما في ذلك دول صديقة لإسرائيل بالتساؤل عن حكمة السياسات والجرائم الإسرائيلية ولاحقا بدأت في النأي بنفسها عن إسرائيل ولومها على ما تقوم به وقام بعض هذه الدول بإدانة السياسة الإسرائيلية.
إذن التغير الذي حدث كان نتيجة انتصار العالم- الشارع وجزئيا الحكومات- للدماء والتضحيات الفلسطينية وجرت التطورات على المستوى الدولي بشكل متسارع بدا أحيانا أنه مترابط رغم بقاء السياسات نفسها على المستوى الفلسطيني الرسمي والذي فاقمه ذلك الطلاق بين ما تقوم به السلطة الرسمية من جهة وما تقوم به الجهات القائمة على المواجهة العسكرية مع إسرائيل من جهة أخرى.
يمكن العمل على طرد إسرائيل من الأمم المتحدة أو على الأقل طردها من الجمعية العامة
بدأ العمل الرسمي الفلسطيني فيما يتعلق بهذه التطورات عندما تم طلب العودة لطلب العضوية الذي تقدمت به فلسطين لمجلس الأمن والتصويت عليه. هذه المرة حصل الطلب على أكثر من الأصوات التسعة اللازمة ولكن لم يتم اعتماد القرار بسبب الفيتو الأميركي.
هذا يخلق تساؤلا هاما حول ما إذا كان هناك غياب للمعرفة الضرورية حول النتيجة المحتملة. الموقف الأميركي لن يتغير، ليس فقط نتيجة انحياز الإدارة لإسرائيل وما تريده، ولكن أيضا نظرا لوجود قانون يمنع الولايات المتحدة من تمويل المؤسسات الدولية التي تمنح فلسطين العضوية الكاملة، وفي هذه الحالة يتعلق الأمر بحوالي ثلث ميزانية الأمم المتحدة، بمعنى بقاء أو اختفاء الأمم المتحدة. في كل الأحوال، يجب أن يكون واضحا هنا أن الأمم المتحدة لا تعترف بالدول، وأن العضوية الكاملة لفلسطين على أهميتها لا تماثل اعتراف الدول بها.
بعد ذلك قامت بعثة فلسطين للأمم المتحدة بالذهاب للجمعية العامة وفي البداية كان مشروع القرار الذي تقدمت به البعثة يحتوي على فقرة مهمة تعطي فلسطين حقوق الدول الأعضاء في الجمعية العامة، أي عكس مع جرى مع جنوب أفريقيا أثناء نظام الأبارتهيد. للأسف تم لاحقا التراجع عن هذا النص وتم استبداله بملحق يحدد حقوقا إضافية لفلسطين وهو بالضبط الشكل نفسه الذي حدث عام 1997.
إذن، تغير القرار من قرار متعلق بالعضوية إلى قرار يرفع مستوى التمثيل على أهمية ما جاء فيه. يبدو الآن أنه لا خطط لتحركات إضافية لفلسطين في الأمم المتحدة. كاتب هذه السطور يعتقد أن كل ذلك مقاربة خاطئة وأن المطلوب هو استجماع الشجاعة اللازمة واتخاذ إجراءات ضد إسرائيل بداية بممثلها الصفيق بسبب وقاحته وتجاوزه كل الحدود. ويمكن أيضا- واستنادا لما تقوم به إسرائيل من تدمير لـ"الأونروا" وهي من أجهزة الأمم المتحدة- العمل على طرد إسرائيل من الأمم المتحدة أو على الأقل طردها من الجمعية العامة.
المؤسسات القانونية
المحور الثاني هو المؤسسات القانونية الدولية. والتطور الأبرز هنا هو شكوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل وفقا لمعاهدة منع جريمة الإبادة، والعقاب عليها، واتهامها للثانية بارتكاب هذه الجريمة، وعودة جنوب أفريقيا للمحكمة عدة مرات لطلب إجراءات مؤقتة إضافية.
للأسف لم تكن الجهات الفلسطينية حاضرة بقوة في هذا التحرك وغاب أيضا الإسهام العربي رغم التلويح به من قبل البعض. نشير إلى أن الجانب الفلسطيني كان قد لجأ للمحكمة بالفعل من خلال طلب فتوى قانونية من الجمعية العامة حول قانونية استمرار الاحتلال. بصراحة لا أفهم تماما معنى التحرك خاصة على ضوء الإهمال الكامل للجانب الفلسطيني للفتوى الممتازة التي أصدرتها المحكمة عام 2004 ضد الجدار والكثير من السياسات الإسرائيلية غير القانونية. ثم جاء ما قام به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وطلبه إصدار مذكرة اعتقال لكل من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت إلى جانب رئيس حركة "حماس" إسماعيل هنية ورئيسها في قطاع غزة يحيى السنوار وكذلك القائد العام لقواتها محمد الضيف.
الخطوة بصراحة لم تكن متوقعة ولكن المدعي العام قام بالكثير من الخطوات الذكية بما في ذلك تشكيل لجنة قانونية في شهر يناير/كانون الثاني لبحث الأمر. وتوصل أعضاء اللجنة الستة إلى الموافقة الإجماعية على ولاية المحكمة والموافقة الاجماعية أيضا على وجود دلائل معقولة لتوجيه الاتهام لهؤلاء الأشخاص بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وبغض النظر عن الجانب المتعلق بالأشخاص الفلسطينيين فإن هذا التطور تسبب في زلزال قانوني في إسرائيل. النقطة الأساسية هي قناعة النظام الإسرائيلي ككل، السياسي والعسكري، بأنه فوق القانون وأن لديه حصانة تمكنه من القيام بما يريد وفجأة اكتشف هذا النظام أنه أصبح تحت القانون وأنه من الممكن محاسبته. تقديري أن الالتفاف القائم حول نتنياهو ضد المدعي العام سوف يضعف وسوف نرى انفضاضا حقيقيا من حوله باتجاه إعادة اتهامه بالتسبب في الكثير من المصائب لإسرائيل، وشعور الكثير بأنه من الممكن إيقاع العقاب بهم.
اعترافات فردية
نأتي الآن للمحور الثالث، وهو الاعتراف الفردي من مجموعة الدول الغربية أساسا، بدولة فلسطين.
بداية، أشير إلى أنه كانت هناك عدة محاولات للتوصل إلى موقف جماعي لدول الاتحاد الأوروبي بشأن الاعتراف لكن هذا لم ينجح. أعتقد أنه بسبب معارضة ألمانيا وبعض دول أوروبا الشرقية لهذه الخطوة.
ثانيا، إن الاعتراف عادة يأخذ شكل تبادل دبلوماسي ويقود عادة لاتفاقات اقتصادية أو غيرها، وهو ليس واقع الحال هنا. الموضوع هنا هو أن الأمم المتحدة هي التي قامت بتقسيم فلسطين إلى دولتين ثم أعطت العضوية لدولة منهما ولم تعطها للأخرى.
الالتفاف القائم حول نتنياهو ضد المدعي العام سوف يضعف وسوف نرى انفضاضا حقيقيا من حوله
إذن الموضوع مرتبط بوجود الدولتين، واعتراف الدول يثبت الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 كجزء من السياسة الرسمية للدولة المعترفة. هكذا فإن قيام ثلاث دول أوروبية- سيتبعها آخرون على الأغلب- بالاعتراف بدولة فلسطين هو تطور إيجابي وجيد ولا بد من شكر هذه الدول على موقفها، لكنني لا أعتقد أن هذا الموقف سيغير أي شيء بشكل سريع. ربما يغير على المدى المتوسط من خلال وضع مزيد من الضغط باتجاه استكمال الاعتراف أو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لكن هذا سيحتاج لبعض الوقت.
بانتظار ذلك على الجهات الفلسطينية الرسمية التوقف عن الادعاء بأن ما حدث كان نتيجة جهدهم أو حتى بأنه يعني تقديرا لهم، إذ إن ما حدث لا علاقة له البتة بالوضع الداخلي الفلسطيني. وله علاقة- كل العلاقة- بالسياسات الشرق أوسطية للدول المعنية.
إذن، موضوع التطورات على المستوى الدولي، معقد، وهذه المقالة مجرد محاولة أولية للفهم والتوضيح.