على مدى الأسابيع الماضية، تفاقم حصار وهجمات "قوات الدعم السريع" على مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، وهي الولاية الأخيرة المتبقية في إقليم دارفور والتي لم تقع تحت سيطرة الميليشيا حتى الآن.
تزامن تزايد الحصار والهجمات مع تقهقر سيطرة الميليشيا على العاصمة الخرطوم، بعد أن نجحت قوات الجيش السوداني في تحرير مدينة أم درمان التي تقع في الجزء الغربي من العاصمة. وفي الوقت ذاته، تناقص حضور "الدعم السريع" في بقية أجزاء العاصمة، بينما انهمكت جموعها في مسح قرى ومدن ولاية الجزيرة ونهب ممتلكات وبيوت المواطنين وإفساد الأراضي والبنية التحتية بمنهجية الأرض المحروقة، فيما يبدو أنه تمهيد لسحب قوات الميليشيا لتكثيف الهجوم وإحكام السيطرة على إقليمي دارفور وكردفان غربي السودان.
وقد سعت "قوات الدعم السريع" وحلفاؤها السياسيون بشكل حثيث منذ اندلاع الحرب إلى ترسيخ ادعائها بتمثيل حواضن اجتماعية غربي السودان. وفي يوليو/تموز 2023، بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب، وبعد خروج القيادات السياسية لتحالف "قوى الحرية والتغيير" من البلاد وجولتها في المنطقة، نظمت "قوات الدعم السريع" مؤتمرا تشاوريا لقيادات دارفور في دولة توغو بهدف حشد الدعم السياسي لحربها المستعرة في السودان. وقد شارك في مؤتمر توغو عضوا قيادة تحالف "تقدم" الذي يرأسه حاليا رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وهما نصر الدين عبد الباري، ومحمد حسن التعايشي، بأوراق حول نظم الحكم والإدارة والاختلالات التاريخية في دولة 1956 في سياق تبرير الحرب، بالإضافة إلى آخرين شاركوا لاحقا في تكوين "هيئة الإسناد المدني لقوات الدعم السريع". بعد ذلك، التقى عبدالرحيم حمدان دقلو، نائب قائد "قوات الدعم السريع" وشقيق زعيمها "حميدتي"، في اجتماعات منفصلة بقادة الفصائل الدارفورية الموقعة على اتفاق سلام جوبا، في العاصمة التشادية إنجمينا، وذلك بترتيب ورعاية وضغط من الرئيس التشادي محمد ديبي.
وأدت تلك الاجتماعات إلى تقارب بعض الحركات مع مواقف "الدعم السريع"، وإلى انقسام "حركة العدل والمساواة"، وانضمام الفصيل المنقسم بقيادة سليمان صندل وأحمد تقد إلى تحالف "تقدم" المتماهي مع "الدعم السريع" وتبنيه لخطاب تبرير الحرب. مضى الأمر ليصبح أوضح بعد تصريحات عضو قيادة "تقدم" طه عثمان إسحق عن عدم إمكانية إبعاد الميليشيا من المشاركة السياسية ثم جاءت تصريحات خالد عمر يوسف نائب رئيس حزب "المؤتمر" السوداني وتصريحات رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك التي تحاول صياغة تحليل جديد للحرب على السلطة التي تدور في السودان بربطها بصراع الهامش والمركز التاريخي في السودان.