مصر تطمح للتفوق الإقليمي في صناعة الرقائق الذكية

13 مليار دولار الصادرات التكنولوجية والبرمجيات المدمجة المستهدفة في 2030

Shutterstock
Shutterstock
الرقاقة الألكترونية التي تشغل الكوكب

مصر تطمح للتفوق الإقليمي في صناعة الرقائق الذكية

تتطلع مصر إلى دخول متوازن ومتدرج في مجال توطين صناعة أشباه الموصلات، بهدف الحصول على حصة من سوق الرقائق الإلكترونية العالمية وتأمين موقع لها في هذا القطاع الاستراتيجي. هذه المحاولة محفوفة بالأخطار نظراً إلى السباق المحتدم في التعمق والابتكار التكنولوجي لتطوير أحدث تكنولوجيات أشباه الموصلات، التي أصبحت أداة حربية مؤثرة، كما حدث في حالة روسيا حيث فُرِضت عليها عقوبات غربية بهدف منع توريد الرقائق إليها.

وفي ضوء أهمية الرقائق الإلكترونية، التي تُعتبر تجارتها حاليا الأكثر ربحية في العالم، مما يدفع القوى العظمى للتنافس عليها بشدة. ويشتد الصراع حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية، ذات أكبر اقتصاد عالمي، والصين، التي تحل ثانية، للاستحواذ والهيمنة على صناعة أشباه الموصلات، التي أصبحت محوراً أساسياً في المنافسة العالمية.

مصر مركزا إقليميا للرقائق

من جانبها، تسعى مصر لأن تصبح مركزاً إقليمياً في صناعة أشباه الموصلات نظراً إلى ثرواتها الطبيعية الهائلة، وتحركت بالفعل لتوطين هذه الصناعة من خلال استغلال معادنها النادرة. بدأت مصر خطتها في هذا التوجه، معتبرة أنها تحتل مكانة مهمة في صناعة تلك المكونات الأساسية للأجهزة الإلكترونية كلها المستخدمة في مجموعة واسعة من الصناعات، مثل الحوسبة، وصناعة السيارات، والاتصالات، والطاقة الشمسية، والرعاية الصحية.

تتمتع مصر بتوافر أنقى رمال بيضاء في العالم لديها، إذ تصل درجة نقاوتها إلى 98%، وهي المادة الأولية لصنع السيليكون الذي يشكل قاعدة أي رقاقة

وفي ظل الطلب العالمي المتزايد على الرقائق الإلكترونية، تبقى المخاوف قائمة بسبب التوترات الجيوسياسية، ولا سيما في حال نشوب صراع عبر مضيق تايوان، مع تهديدات من الولايات المتحدة بالدفاع عنها في حال تعرضها إلى هجوم من الصين. وثمة محاولة من الولايات المتحدة لإحياء صناعة إنتاج الرقائق لديها كجزء من استراتيجيتها الأوسع لتقليل تعرض الصناعة إلى الأخطار المرتبطة بالصين، في وقت تشير التوقعات إلى وصول حجم هذه الصناعة إلى ما يزيد على تريليون دولار خلال السنوات الست المقبلة.

إقرأ أيضا: احتدام الحرب العالمية لصناعة الرقائق الإلكترونية

وتتزايد التحديات الاقتصادية والسياسية المحتملة، مثل تقويض هيمنة الصين على تايوان، التي تسيطر على نسبة تصل إلى 30 في المئة من إنتاج أشباه الموصلات في العالم. وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة، تسير مصر بخطوات ثابتة، إذ أعلنت أخيراً تشكيل مجلس وطني لتوطين تكنولوجيا تصنيع الرقائق الإلكترونية لدعم الصناعات الحيوية.

Shutterstock
شريحة كومبيوتر إلكترونية.

تمتلك مصر ميزة نسبية قوية وفريدة تجعلها في وضع أفضل من الدول الناشئة الأخرى لتطوير صناعة الرقائق الإلكترونية المحلية، إذ تتوفر لديها الخامات المعدنية التي تدخل في صناعة هذه الرقائق، بالإضافة إلى وجود أنقى رمال بيضاء في العالم لديها، إذ تصل درجة نقاوتها إلى 98 في المئة. فالرمال هي المادة الأولية لصنع السيليكون الذي يشكل قاعدة أي رقاقة.

مع ذلك، يتطلب هذا الطموح شراكات استراتيجية مع الدول المصنعة للرقائق الإلكترونية. وتعتزم الحكومة وضع برنامج عمل لجعل صناعة الإلكترونيات متاحة للتجمعات الصناعية بحلول عام 2025، من خلال برنامج طموح يعزز البنية التحتية التكنولوجية ويشجع الابتكار ويشمل فترات من البحث والتطوير والتصميم والعمليات والتجميع والاختبار.

مع تحول مصر إلى مركز إقليمي لانتاج الإلكترونيات، ستتمكن الشركات العالمية من إنشاء مصانع جديدة وفتح مقار في القرية الذكية في ضاحية السادس من أكتوبر

هذا ما اهتمت به مصر في الآونة الأخيرة، إذ وضعت خطة استراتيجية وطنية تحت شعار "مصر تصنع الإلكترونيات". وتتبنى الدولة استراتيجيا تشجيع الشراكات بين القطاع العام والخاص لتطوير الصناعة، وتوجيه الاستثمارات نحو تطوير البنية التحتية التكنولوجية، مع الاستمرار في دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وتعزيز الشركات الناشئة والابتكارية في هذا المجال.

إقرا أيضا: فورة كبرى لمصانع الرقائق الإلكترونية في أميركا وخارجها

العام المنصرم، أبرمت الحكومة المصرية مذكرة تفاهم بين "هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات" (إيتيدا) وشركة "سينوبسيس" الأميركية، وشركة "أس. آي. فيجن" المصرية، للتوسع في أنشطة تصدير خدمات تصميم الإلكترونيات وأشباه الموصلات والأنظمة المدمجة من مصر.

وقد اتخذت شركات عالمية عدة خطوات جادة وسريعة لتوطين هذه الصناعة في مصر، إذ بدأت توسيع استثماراتها في صناعة الإلكترونيات وجعلها من أهم الدعائم الأساسية لنمو اقتصاد البلاد. ومع تحول مصر إلى مركز إقليمي لتصنيع الإلكترونيات وتصدير الخدمات، ستتمكن الشركات العالمية من إنشاء مصانع جديدة وفتح مقار لشركات التعهيد الدولية في القرية الذكية في ضاحية السادس من أكتوبر. 

تشير هذه الخطوات إلى جدية مصر في تطوير هذا القطاع الحيوي، بناءً على الجهوزية في البنية التحتية المتطورة والملائمة التي تمتلكها مصر، بما في ذلك المركز الكبير لصناعة الإلكترونيات في مدينة المعرفة في العاصمة الإدارية الجديدة، والذي يضم 24 شركة متخصصة في تصميم الإلكترونيات. وتهدف مصر إلى تعزيز تنافسيتها في صناعة الإلكترونيات من خلال توفير بيئة جاذبة للاستثمار وتوفير التكلفة المناسبة.

تعمل في مصر أكثر من 66 شركة عالمية ومحلية متخصصة في تصميم الإلكترونيات والأنظمة المدمجة وتطوير الدوائر المتكاملة وأشباه الموصلات واختبار برمجيات الرقائق

هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا)

ووفق بيانات "إيتيدا"، تعمل في مصر أكثر من 66 شركة عالمية ومحلية متخصصة في تصميم الإلكترونيات والأنظمة المدمجة وتطوير الدوائر المتكاملة وأشباه الموصلات واختبار برمجيات الرقائق الإلكترونية، وتصدّر هذه الشركات خدماتها إلى الخارج.

13 مليار دولار صادرات رقمية في 2030

تسعى الحكومة المصرية، من خلال وزارة الاتصالات و"إيتيدا"، إلى تعزيز صادرات القطاع الرقمي وصناعة التعهيد بهدف تحقيق أهداف استراتيجية طموحة. تهدف هذه الخطوة إلى مضاعفة قيمة الصادرات الرقمية للمنتجات والخدمات التكنولوجية وتصميم الإلكترونيات والبرمجيات المدمجة لتصل إلى 9 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2026. وعلى المدى الأطول، تخطط الحكومة لتحقيق صادرات بقيمة 13 مليار دولار من صناعة التعهيد بحلول عام 2030.

غيتي
وحدة معالجة للحوسبة الكمومية.

تستند هذه الخطة إلى رؤية تعزيز مكانة مصر كمركز رائد للخدمات ذات القيمة المضافة في قطاع التكنولوجيا وصناعة المعرفة. ومن خلال جذب مزيد من الاستثمارات ودعم المستثمرين الحاليين، تهدف الحكومة إلى تعزيز البنية التحتية التكنولوجية وتحفيز نمو القطاع بما يتيح فرص عمل كثيرة ونوعية للشباب المصري.

وتراهن الحكومة أيضاً على تحويل مصر إلى مركز عالمي لخدمات البحث والتطوير الهندسي، بما في ذلك خدمات الأنظمة المدمجة وتصميم الإلكترونيات، وصولاً إلى تصدير هذه الخدمات إلى أسواق العالم. ويعكس هذا التركيز على التكنولوجيا والابتكار رؤية الحكومة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وتعزيز مكانة مصر على الساحة العالمية كمركز للابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.

يتطلب تحقيق أهداف مصر جهوداً كبيرة وتمويل ضخم، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية، ومنحها حوافز وإعفاءات ضريبية وجمركية

ويعكس التوجه نحو تعزيز التعاون مع "إيتيدا" والاستثمار في مصر كمركز رئيس لصناعة التكنولوجيا والإلكترونيات، اعتراف الشركات العالمية بالفرص الكبيرة التي تقدمها السوق المصرية، إذ تُعتبَر مصر بوابة للوصول إلى الأسواق الأفريقية وتتمتع ببنية تحتية ناشئة، مما يجعل الاستثمار فيها جاذباً للشركات الراغبة في التوسع والنمو.

تحديات تواجه توطين الرقائق

وعلى الرغم من تعقيدها والاستثمارات الضخمة المطلوبة لها، يُعتبَر تطوير صناعة أشباه الموصلات في مصر تحدياً وفرصة مثيرة في الوقت نفسه. وبالتعاون مع الشركات العالمية والجامعات المتخصصة، يمكن أن تشهد مصر نقلة نوعية في مجال أشباه الموصلات وتصميم الدوائر الإلكترونية.

أشارت مجموعة من خبراء التكنولوجيا والتشريعات والتحول الرقمي والابتكار، استطلعت رأيهم "المجلة"، إلى أن الدول النامية ذات الدخل المحدود، مثل مصر، تواجه تحديات كبيرة في بدء توطين صناعة أشباه الموصلات نظراً إلى نقص البنية التحتية والتكنولوجية اللازمة. إلا أن مصر تتمتع بميزة نسبية قوية تجعلها في وضع أفضل من الدول الناشئة الأخرى.

وقالوا إن مصر تمتلك الخامات المعدنية المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية، مما يعزز فرص تطوير هذه الصناعة. مع ذلك، يتطلب تحقيق هذه الأهداف الصعبة جهوداً كبيرة وتدفقات تمويلية ضخمة. ويمكن تحقيق تقدم في هذا المجال من خلال تعزيز التعاون الدولي والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية الرائدة في صناعة أشباه الموصلات، بمنحها حوافز مثل إعفاءات ضريبية وجمركية، ودعم التصدير، ورد جزء من ثمن الأراضي، وذلك في إطار استراتيجيا حكومية مدروسة.

التسهيلات التشريعية والحوافز الضريبية مطلوبة

ويلفت الخبراء إلى أن مصر يمكن أن تستفيد أيضاً من وجود الشركات الناشئة المتخصصة في صناعات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، واستغلال توافر عناصر النيوبيوم والتانتالوم والفولفراميت (أوكسيد التنغستن)، التي تعد نقاط قوة في صناعة الإلكترونيات.

نسبة الشركات الناشئة المتخصصة في صناعات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء داخل مصر بلغت نحو 5,3 % من الشركات الاجمالية

ويشدد بعض الخبراء على أن الاختبار الحقيقي، وفق تعبيرهم، سيكون من خلال القوانين والتشريعات التي توفر التسهيلات والحوافز المالية والضريبية للشركات المهتمة بالاستثمار في مصر، ولا سيما الشركات الناشئة المصرية. إذ يجب تبسيط الإجراءات الإدارية وتقليل التكاليف والعقبات التشريعية والتنظيمية، بما في ذلك تسهيل إجراءات التراخيص والموافقات. ومن اللافت أن نسبة الشركات الناشئة المتخصصة في صناعات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء داخل مصر بلغت نحو 5,3 في المئة من الشركات الاجمالية. 

علاوة على ذلك، ينبغي تطوير قاعدة من الكفاءات والمهارات المطلوبة في صناعة أشباه الموصلات، مثل مسابك الرقائق، ومصنعي الأجهزة المدمجة، وشركات تصنيع الرقائق، ومعدات تصنيع الرقائق، والمواد المتخصصة، وأدوات التشغيل الآلي للتصميم الإلكتروني. ويُعتبَر تصميم الرقائق المعقدة مجالاً يتطلب عدداً كبيراً من المهندسين المتخصصين، الذين قد يحتاجون إلى سنوات لتطوير تصاميم مثل المعالجات الدقيقة المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية كالهواتف والكومبيوترات والخوادم.

تولي وزارة الاتصالات و"إيتيدا" اهتماماً ملحوظاً بتعظيم الاستفادة من الكوادر المصرية المتخصصة في المجالات ذات القيمة المضافة والعائد الاقتصادي المرتفع. وتركز هذه الجهود على خدمات تصميم الدوائر الإلكترونية والبرمجيات المدمجة وتكنولوجيا النقل، التي تُعَد من أهم خدمات التعهيد ذات العوائد الدولارية الكبيرة. وتشمل الجهود التدريب والتأهيل الشامل للكوادر البشرية في مجالات تصميم الإلكترونيات وأشباه الموصلات والأنظمة المدمجة وتكنولوجيا السيارات، بهدف تحسين مستوى المهارات وزيادة قدرات العملاء المصريين في هذه المجالات المحورية.

إقرأ أيضا: الاتحاد الأوروبي يتصدر العالم في قوانين الذكاء الاصطناعي

وكانت مصر استضافت في الفترة السابقة القمة الأولى للتحالف العالمي لأشباه الموصلات (جي. إس. إيه.)، الذي يضم أعضاءً من كبريات الشركات في مختلف جوانب صناعة أشباه الموصلات والبرمجيات والأنظمة المدمجة. وشاركت وحدة الأعمال الإقليمية "جي. إس. إيه. مصر" في تنظيم هذه القمة، والوحدة المؤسسة حديثاً ومقرها مصر تضم الآن أكثر من 30 شركة، وتُعتبَر بوابة لمختلف الأسواق في قارة أفريقيا.

ويمكن لمصر، من خلال التوسع في هذه الصناعة، استغلال الفرص المتاحة في تطوير المنتجات المستخدمة في الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات وأفران الميكروويف، بحسب الخبراء. وهذا يتطلب استثمارات محدودة واستفادة من الكوادر البشرية المصرية المتخصصة.

font change

مقالات ذات صلة