كسائر أحداث المنطقة، فإن حدث سقوط طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه وأبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، حمل في طياته الكثير من الأسئلة والمفارقات والحسابات. ففي بلد مثل إيران وفي منطقة مثل الشرق الأوسط وفي ظل حرب مثل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجبهات الموازية والمساندة، فإن سقوط مروحية الرئيس الإيراني حدث سياسي إيراني وإقليمي بامتياز، على ما بين الداخلي والخارجي من ترابط محكم في بنية النظام في طهران، ونظرا أيضا إلى التأثير الإيراني المضطرد في أحداث المنطقة وأزماتها.
بناء على هذا الترابط طرح سؤال أساسي عما إذا كان دخول إيران في مرحلة انتقالية إلى حين انتخاب خلف لرئيسي خلال 50 يوما، سيجعل تركيز دوائر القرار في إيران يتحول إلى الداخل في حمأة الاستحقاق الانتخابي والصراع المحموم في أروقة السلطة. وهو في الواقع استحقاق بمستويين، مستوى رئاسة الجمهورية ومستوى خلافة "المرشد" علي خامنئي، على ما بين المستويين من تداخل قوي، ما يجعل معركة الرئاسة جزءا أو مقدمة حاسمة لمعركة خلافة "المرشد".
هذا الاضطرار الإيراني للتركيز على الداخل بما يشبه الانطواء على الذات يطرح سؤالا رئيسا عما إذا كانت إدارة طهران لملفات المنطقة وجبهاتها ستشهد ارتباكا لناحية حجم التأثير في قرارات وكلاء إيران الذين يخوضون مواجهات منضبطة مع إسرائيل ولاسيما "حزب الله" في الجنوب اللبناني.
وكانت تسريبات وأسئلة قد برزت خلال الحرب الدائرة منذ نحو 8 أشهر عن كيفية اتخاذ القرار في "جبهات الإسناد"، أي هل كانت دوائر القرار الرئيسة في إيران صاحبة القرار المطلق في أمر هذه الجبهات لناحية وتائر التصعيد ونوعية الأهداف والأسلحة المستخدمة، أم كان هناك هامش من الاستقلالية لوكلاء طهران يخولهم اتخاذ القرارات وفق تقديرهم السياسي والأمني؟ ولا ننسى أنه في مرحلة معينة من مراحل الحرب كثر الحديث من قبل هؤلاء الوكلاء عن استقلاليتهم، وقد ركّز الأمين العام لـ"حزب الله" في أكثر من خطاب على هذه النقطة. لكن ذلك لم يحسم هذه المسألة بطبيعة الحال، ليس لأنه من الصعب الإعلان عن الحقيقة أو الوصول إليها في ظل منظومة سياسية وأمنية وعسكرية معقدة كالمنظومة الإيرانية بكل فروعها وأذرعها، بل لأن كل هذا الحديث جرى في وقت كانت إيران تدير تموضعا معقدا خلال الحرب، إذ حاولت قدر الإمكان تجنب الانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي الوقت نفسه أرادت أن تؤكد دعمها لـ"جبهات الإسناد" من ضمن مصالحها الاستراتيجية وسرديتها لدعم القضية الفلسطينية. ولذلك فقد دأبت على التبرؤ من خطط وقرارات وكلائها لكنها في الوقت نفسه ظلت تؤكد دعمها لهم. وبالتوازي فقد أشارت تسريبات إلى خلاف داخل أروقة القرار في إيران، خلال الحرب، بخصوص الرد على هجمات إسرائيل ضد وكلاء طهران وضد المستشارين الإيرانيين، إذ قيل إن "الحرس الثوري" كان قد تبرم باكرا جدا من خيار "الصبر الاستراتيجي".
على هذا النحو، فإن المرحلة الانتقالية في إيران ستعيد طرح هذه الأسئلة وستشكل اختبارا حقيقيا لمدى تأثير طهران على "جبهات الإسناد"، مع أنه من الصعب جدا قياس هذا الأمر بالنظر إلى أن "عالم الوكلاء" عالم سرّي وغامض ومغلق، لكن على الرغم من ذلك يمكن التقاط إشارات عن اتجاهات للتصعيد أو العكس، ولاسيما في الجنوب اللبناني وهو المسرح الرئيس للمناورة الإيرانية في المنطقة.