رئيس معهد العالم العربي جاك لانغ لـ "المجلة": السعودية من أكثر البلدان سحرا وإدهاشا

العربية تُدرّس في فرنسا منذ قرون

AFP
AFP
رئيس معهد العالم العربي جاك لانغ يحضر تظاهرة لجمعية نسائية تدعو الى السلام والعدالة على خلفية حرب غزة، في باحة معهد العالم العربي في باريس، في 27 يناير 2024.

رئيس معهد العالم العربي جاك لانغ لـ "المجلة": السعودية من أكثر البلدان سحرا وإدهاشا

باريس: يرتبط اسم جاك لانغ في فرنسا بمشاريع ثقافية كبيرة أنشئت أثناء توليه منصب وزير الثقافة في عهد الرئيس فرنسوا ميتران. وعلى الصعيد الشعبي يُذكر اسمه مع كلّ عيد للموسيقى الذي أسسه عام 1982، وبتلك الأيّام المفتوحة المخصصة كلّ سنة لزيارة المتاحف والأماكن الأثرية مجانا، كما يرتبط اسمه بالهرم الزجاجي الصغير الذي بُني في ساحة متحف اللوفر الشهير. أمّا علاقته بالعالم العربي فلها قصّة لا تنتهي.

في هذا المقابلة التي استقبلنا خلالها في مكتبه، في حضور الديبلوماسي اليمني مصطفى ناجي الجبزي والمسؤول الإعلامي لمعهد العالم العربي شارل سابا، تحدّث جاك لانغ (84 عاما)، الذي عيّن رئيسا لمعهد العالم العربي في باريس لفترة رابعة، عن بدء تعلّقه بالعالم العربي وعما آلت إليه بعض العواصم العربية. كما تحدّث عن إعجابه بالتحولات التي حدثت في السعودية، وعن "الإسلاموفوبيا" وواقع اللغة العربية في فرنسا. هنا نص الحوار.

  • لكم علاقة بالعالم العربي توصف بالحميمية، هل يمكن أن نعرف متى سمعت كلمة "عرب" للمرّة الأولى؟

لا أذكر متى تماما، ولكن بالتأكيد كان ذلك حين كنتُ صغيرا، في الثانوية، ما بين 14 سنة و15 سنة، وكانت لمناسبة الحرب في الجزائر، إذ كنتُ من مناصري الجزائريين ضد المستعمرين.

القيادة السعودية لديها رؤية استراتيجية تنموية ذكية تبنت دعم الثقافة والتعليم والشباب

  • منذ عقود، زرتم العديد من العواصم والمدن العربية مثل بيروت ودمشق وصنعاء. كيف تنظرون إلى ما آلت إليه المدن العربية؟

أوّل زيارة لي إلى بلد عربي كانت إلى مصر، حينها كان عمري سبعة عشر عاما، حيث زرتُ القاهرة والإسكندرية، وفي العام نفسه زرت بيروت وبعلبك وزحلة في لبنان. واندهشت لجمال هذه المدن وعظمتها. وفي سن العشرين كوّنتُ فرقة مسرحية في مدينة نانسي وعرضنا مسرحية إسخيلوس "سبعة ضد طيبة" في قرية راشيا في لبنان، وهناك قابلت فيروز والأخوين رحباني للمرّة الأولى.

وفي عمر الخامسة والعشرين، عرفت الجزائر والمغرب وتونس. وفي وقت متأخر عرفتُ دول الخليج العربي بعدما صرت رئيسا لمعهد العالم العربي.

تونس والسودان والسعودية

  • كان سؤالي حول رؤيتكم لبعض العواصم العربية وما آلت إليه من حروب وخراب، وأنتم تعرفونها منذ عقود طويلة؟

يمكن الحديث بشكل عام، مع أن لكلّ بلد ملامحه الخاصة، فلنتحدث على سبيل المثل عن بلدان المغرب العربي، فالمملكة المغربية مزدهرة حاليا ثقافيا واقتصاديا، والجزائر التي أعرفها بلد كبير وجميل وفيه شباب مدهش، وتونس تعيش حاليا أزمة، تضامنت مع الشباب ضد بن علي وسعدت كثيرا بفوزهم، لكن الوضع الحالي لا يسر. لبنان أيضا بلد أخّاذ وفيه طاقات مذهلة لكنّه فريسة صعوبات كثيرة، مع هذا ينبغي الثقة بالشباب الذين لديهم طاقة أقوى من التمزقات السياسية. السودان أيضا صار فريسة حرب أهلية، والأمل أن تعمل البلدان العربية على دعم هذا البلد ليجد طريقه إلى السلام.

في المقابل، تعطي دول الخليج العربي إحساسا بأنّها في حال جيّدة. وبالتأكيد فإن المملكة العربية السعودية من أكثر البلدان سحرا وإدهاشا، وهي بلد كبير فيها شباب متحفز، والقيادة لديها رؤية استراتيجية تنموية ذكية تبنت دعم الثقافة والتعليم والشباب. لا أستطيع الحديث عن كل دول الخليج، ولكن هناك أيضا الإمارات التي تسير فيها التغييرات المدهشة بشكل جيّد منذ سنوات.

الإسلاموفوبيا

  • نشأ معهد العالم العربي في ظروف لم تكن فيها ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو الخوف من الإسلام قد برزت على هذا النحو الذي هي عليه الآن. ما الأسباب، في رأيك، التي أدّت إلى تنامي هذه الظاهرة في العقود الأخيرة؟

لا أريد الوقوع في التعميم، فبالطبع يمكن تلمس "الإسلاموفوبيا" في أكثر من مكان، لكن في المقابل هناك اعجاب حقيقي بالبلدان الإسلامية. نحن هنا في المعهد لا نألو جهدا في إعلاء عظمة الإسلام والدول العربية، على سبيل المثل نظّمنا قبل سنوات معرضا كبيرا عن الحج في مكّة ومعرضا عن كنوز الإسلام في أفريقيا، والمعرضان لقيا نجاحا كبيرا. وتثير الأنشطة المتعلّقة بالسعودية في المعهد إعجابا كبيرا بفضل التغييرات العميقة التي تحدث في هذا البلد. فقد احتضن المعهد للمرّة الاولى في العالم معرضا عن العُلا، وضمن التعاون افتتح الثلاثاء الماضي في المتحف الوطني السعودي في الرياض معرض "عطور الشرق" الذي سيستمر لمدة أربعة أشهر. وهناك معرض حاليا في المعهد عن مستقبل العرب ويتضمن أعمالا لفنانين سعوديين مدهشين. وفي الأسبوع الماضي احتضن المعهد أيضا ليلة السينما السعودية، إلى جانب الكثير من النشاطات العربية.

تبرّعات لفناني غزّة

  • سمعنا عن جمع تبرّعات يرعاها معهد العالم العربي للفنانين التشكيليين المقيمين في عزة والذين ساهموا في معرض "ما تقدّمه فلسطين للعالم" الذي أقيم في المعهد خلال الشهور الماضية...

هو فعل تضامني مع فناني غزة، واستطعنا بفضل أصدقاء جمع ما يقارب سبعين ألف يورو لصالح أسر هؤلاء الفنانين، وقد سهّلتُ شخصيا استقدام بعض هؤلاء الفنانين الذين استطاعوا اجتياز الحدود.

  • يتردّد اسمكم مع كلّ عيد للموسيقى في فرنسا والعالم لتأسيسك هذا العيد عام 1982 حين كنت وزيرا للثقافة. كيف تنظر إلى التحولات الموسيقية والغنائية، إذ سنسمع لو عبرنا في الشوارع يوم العيد أغاني هي عبارة عن شتائم للبلد والساسة والناس؟

ليس لديّ  فكرة عن هذا.

هناك تقاليد كبيرة أسسها المستعربون والكتاب والمثقفون في فرنسا وغيرها عكست أهمية اللغة العربية في العالم

  • انتشرت هذه الأغاني مع الاتجاهات الحديثة كأغاني الراب؟

هذا العيد لا يختص بلون واحد من الموسيقى، بل إن الطابع الأصيل لهذا العيد هو احتواؤه للكثير من الألوان الموسيقية، مثل الكلاسيكية والباروك والموسيقى الشعبية وغيرها، بل إن حضور موسيقى الراب هو الأقل بين هذه الأنواع.

  • هل يمكن القول إن الحرّية صارت مطلقة لدى هؤلاء الفنانين في أداء أغانيهم؟

نعم، بالتأكيد.

العربيّة

  • ألّفتم كتابا بعنوان "اللغة العربية كنز فرنسا". ما الإشكاليات التي تواجه تدريس اللغة العربية في فرنسا؟

من المهم التذكير أولا بأن اللغة العربية تُدرّس في فرنسا منذ قرون. في عهد فرنسوا الأوّل في القرن السادس عشر، أقرّ أن تُدرّس العربية إلى جانب اللغة الفرنسية القديمة واللاتينية القديمة. هناك تقاليد كبيرة أسسها المستعربون والكتاب والمثقفون في فرنسا وغيرها عكست أهمية اللغة العربية في العالم، والآن تدرّس العربية في المدارس العامة المتوسطة والثانوية في فرنسا، لكنها ليست الزامية، كما هو حال اللغات الأخرى التي هي ليست الزامية. الأمر يختلف من إقليم إلى آخر في فرنسا. ما يبعث السرور هو أن الكثير من الأساتذة صاروا يوصون الطلاب بدراسة اللغة العربية لأهميتها سواء في الجامعات أو الكليات المتخصصة. والسؤال لا يخص فرنسا فقط وإنما كلّ مكان ويتعلّق بالتعدد اللغوي إلى جانب اللغة الوطنية التي تُدرَّس، إضافة إلى هيمنة اللغة الإنكليزية. وهناك بعض اللغات لم تعد تحظى بأهمية التدريس، حتى في فرنسا، مثل الألمانية والإيطالية.

نحن هنا في المعهد لدينا مستوى رفيع من تعليم العربية وابتكرنا شيئا غير موجود وهو إصدار شهادات على غرار "التوفل" لتحديد مستوى دارسي اللغة العربية وقد لقي هذا التوجه نجاحا كبيرا.

font change

مقالات ذات صلة