دول الخليج تفتح أبوابها للاستثمار في الطاقة المتجددة

التحول في وسائل انتاج الطاقة من الأولويات مع النمو السكاني وعدم كفاية الوقود

Shutterstock
Shutterstock
أكبر منشأة في العالم للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تبلغ 2060 ميغاواط، لشركة تيناجاز يوريا في السعودية

دول الخليج تفتح أبوابها للاستثمار في الطاقة المتجددة

لم يعد هناك متسع من الوقت لكي تتكيف الدول الخليجية المنتجة للنفط مع متغيرات اقتصاد الطاقة وتوجه الدول الصناعية المستهلكة إلى تطبيق قرارات مؤتمرات البيئة الهادفة لتصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2050. هناك بدائل مهمة، منها الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة من الرياح وتسخير السدود المائية لتوليد الطاقة الكهربائية، ناهيك عن بدائل أخرى لن يعجز العقل الإنساني عن التوصل إليها كلما كانت تكلفتها مقبولة اقتصادياً.

تزخر الأدبيات العلمية بدراسات مهمة أنجزت على مدى العقود المنصرمة في شأن تلك البدائل. ومنذ أن اتسعت الاهتمامات بالبيئة النظيفة وأصبحت هناك أحزاب سياسية، مثل أحزاب الخضر، صار موضوع البيئة في أولويات برامج هذه الأحزاب السياسية التي تطرحها على الناخبين في الدول الديمقراطية. كما أن الصين، التي لا تنعم بنظام ديمقراطي يعتمد على تداول السلطة، عززت مساهمات الطاقات المتجددة لمواجهة متطلبات الاستهلاك المحلي. يضاف إلى ما سبق ذكره، أن دولا رئيسة عدة، وكذلك دولا خليجية، رصدت أموالا كبيرة للاستثمار في مجالات الطاقة المتجددة.

خيارات الطاقات المتجددة

هناك خمسة مصادر للطاقة المتجددة تتمثل في الطاقة الشمسية، والطاقة المنبعثة من حرارة الأرض "الجيوثيرمال" (Geothermal)، والطاقة الناتجة من الرياح، والكتلة الحيوية "بيوماس" (Biomass)، وأيضا الطاقة الكهرومائية التي تعتمد على الماء وتتمثل في إقامة السدود المائية، كما هي الحال في تركيا وأثيوبيا وغيرها من الدول.

شهد عام 2023 انفاق 1,8 تريليون دولار في قطاع الطاقة المتجددة، بارتفاع 17 % عن العام السابق. وأنشأت الصين محطات توليد طاقة متجددة تعادل ما انشىء في دول العالم الأخرى

وكالة "بلومبرغ إن إي إف"

يذكر المؤرخون بأن البشر في القرون السحيقة، اعتمدوا على إنتاج الطاقة من المصادر المتجددة. لم يعتمد الإنسان على المصادر غير المتجددة إلا بعد الثورة الصناعية في إنكلترا وأوروبا، عندما استخدم الفحم الحجري ثم المصادر الأحفورية الأخرى، مثل النفط والغاز، بعد اكتشاف النفط في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر. ظل العالم منذ ذلك الحين يعتمد على مصادر الطاقة غير المتجددة.

Shutterstock
ألواح شمسية في أحد مشاريع دبي

وتذكر هيئة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة (EIA)، أنه في عام 2022، توزعت مصادر الطاقة في الولايات المتحدة بين عدد من المصادر، حيث مثل النفط 35,7 في المئة، والغاز الطبيعي 33,3 في المئة، والفحم 9,8 في المئة، والطاقة النووية 8 في المئة. في حين لم تمثل مصادر الطاقة المتجددة إلا نسبا محدودة، حيث كان نصيب الكتلة الحيوية "بيوماس" 4,9 في المئة، والكهرومائية 2,3 في المئة، والرياح 3,8 في المئة، والطاقة الشمسية 1,9 في المئة، والـ"جيوثيرمال"  0,2 في المئة. واستخدمت هذه المصادر في التدفئة وإنتاج الكهرباء بشكل أساسي وفي النقل بدرجة محدودة. 

ريادة الصين في الاستثمار والتكلفة

وإذا كانت حال الولايات المتحدة مع مصادر الطاقة المتجددة لا تزال محدودة، فكيف تكون في الدول الأخرى؟ هناك مبالغ مهمة خصصت للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. وتذكر وكالة "بلومبرغ إن إي إف" بأن عام 2023 شهد انفاق 1,8 تريليون دولار في هذا القطاع، بارتفاع نسبته 17 في المئة عن العام السابق. تعتبر الصين دولة رائدة في مجال التحول الى الطاقة المتجددة أو النظيفة منذ عام 2018، وتفيد مصادر إعلامية أن الصين أقامت منشآت توليد طاقة متجددة تعادل ما تمت إقامته في دول العالم الأخرى كافة، وذلك في عام 2022، واستمرت في الاستثمار في عام 2023، وقد تمكنت الصين من خفض تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية إلى مستويات متدنية، حيث أصبحت تكلفة إنتاج الواط، وحدة إنتاج الطاقة الشمسية، نحو 15 سنتا أميركيا، وهو يقل بنسبة 60 في المئة عن التكلفة في الولايات المتحدة التي تدور حول 40 سنتا للواط.

السعودية توجهت نحو إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، ورصدت 266 مليار دولار في العام المنصرم للاستثمار في إنتاج الطاقة الشمسية وإنشاء مزارع الرياح وتطوير مشاريع الهيدروجين

كيف يمكن لدول الخليج أن تستفيد من تطورات الطاقة المتجددة؟ كما هو معلوم، يواجه إنتاج الطاقة الكهربائية إشكالات حيث يرتفع الاستهلاك نظراً الى النمو السكاني المضطرد. وهناك مشكلات الوقود المستخدم في إنتاج الكهرباء مثل المازوت (Diesel)، المولد للانبعاثات الكربونية، في حين أن الغاز لا يتوافر بشكل كاف في عدد من هذه الدول، لذلك فإن اللجوء الى الطاقة الشمسية قد يكون خياراً واقعياً.

ترحيب خليجي بضرورة التحول

تشير تقارير موثوق بها الى أن الطاقة المتجددة ساهمت في إنتاج الكهرباء في دول الخليج بشكل محدود حيث كانت تساهم في إنتاج 176 ميغاواطا في عام 2013، وارتفعت إلى أكثر من 5,6 غيغاواط في عام  2022. تعتبر الإمارات العربية المتحدة الأكثر تطوراً في استخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء، حيث تساهم في إنتاج 3,6 غيغاواط، في حين تصل مساهمتها إلى 0,824 غيغاواط في قطر و0,705 غيغاواط في سلطنة عمان و0,443 غيغاواط في السعودية و0,097 غيغاواط في الكويت و0,012 غيغاواط في البحرين.

ويتبين الفارق بين ما يتوفر في الإمارات وبقية دول الخليج. لكن هناك إمكانات لتحسين الاستفادة من الطاقات المتجددة، وخصوصاً الطاقة الشمسية في بقية دول الخليج.

يتعين أن نتفهم أن الطاقات المتجددة تمثل تطوراً إيجابياً يمكن لدول الخليج المنتجة للنفط أن تستفيد من نتائجه.

ويرى الباحث في معهد الكويت للأبحاث العلمية، سعد سالم الجندل، إن الكويت يمكن أن توفر 15 في المئة من الوقود المستخدم في توليد الكهرباء (نفط وغاز) بحلول 2030 إذا ما تمكنت من توليد مشاريع الطاقة المتجددة. يذكر أن الكويت تستهلك وقودا لإنتاج الكهرباء يعادل 350  ألف برميل من النفط يومياً، ما قيمته 7,5 مليارات دولار سنوياً.

تستخدم السعودية الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة الكهربائية وبكميات تزيد على مليوني برميل يومياً. لكن السعودية قررت التوجه بشكل حثيث الى إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، ورصدت 266 مليار دولار في العام المنصرم للاستثمار في إنتاج الطاقة الشمسية وإنشاء مزارع الرياح والعمل على تطوير مشاريع الهيدروجين والأمونيا الزرقاء والخضراء. هناك أيضا مشروع سعودي لإنتاج الطاقة النووية. هذه المشاريع في السعودية ودول الخليج الأخرى ستساهم في تحسين أوضاع البيئة وتعزز القدرات على توليد الطاقة الكهربائية، وقد تمكن من تصدير كميات أكبر من النفط والغاز الطبيعي.

font change

مقالات ذات صلة