كل شيء هادئ على الجبهة الغربية- إريش ماريا ريمارك
تبدأ الكتابة السردية الجريئة عن الحرب مع رائعة إريش ماريا ريمارك التي كتبها عام 1929. تلك كانت المرة الأولى التي قدم فيها كاتب ما وصفا فجا وقاسيا لرجال يقتل بعضهم بعضا بكل للوسائل الممكنة. "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية"، التي كتبها باللغة الألمانية واحد من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى، وشكلت النهاية الحاسمة لتقليد الكتابة عن الحرب في روائع الأدب الفيكتوري. من خلال تعريته بقايا المفاهيم القديمة للنبل والمثالية، كشف وصف ريمارك للحياة في الخنادق الألمانية على الجبهة الغربية، عن الهمجية الكاملة لهذا الصراع، وقد تضمن وصفه تصويرا دقيقا للقتال بالأيدي، إضافة إلى آثار الحرب التي عملت على تجريد الشبان - الصادم صغرهم - من إنسانيتهم.
لم يكن قراء الرواية الأوائل مستعدين لهذا النوع من التفاصيل. فأثارت ضجة كبيرة عند نشرها، وسرعان ما بيعت مئات الآلاف من النسخ منها. ولا تزال تمتلك القدرة على التسبب بصدمة الى يومنا هذا، حتى بعد عدد لا يحصى من الاقتباسات السينمائية. "كل شيء هادئ" ليس كتابا مناهضا للحرب بشكل صريح، لكن صدقه الجارح يجعل من الصعب قراءته كأي شيء آخر.
تجدد- بات باركر
"تجدد" Regeneration هو الكتاب الأول من ثلاثية. الجزءان اللاحقان هما "العين في الباب" The Eye in the Door و"طريق الشبح" The Ghost Road. نُشرت جميعها في تسعينات القرن الماضي، ذلك العقد الذي شهد الاهتمام المتجدد بأهوال الحرب العالمية الأولى، مدفوعا بحقيقة أن آخر المحاربين الذين خاضوا ذلك الصراع سيرحلون قريبا. وقد ساهم إحياء تلك الذكرى في النجاح الاستثنائي الذي حققته رواية "أغنية الطائر" Birdsong الرائعة لسيباستيان فولكس، التي تدور أحداثها حول عمال المناجم البريطانيين الذين يعملون تحت الخطوط الألمانية في نهر السوم. ينسج فيلم "تجدد" الحقيقة مع الخيال ليحكي قصة ويليام ريفرز، الطبيب البريطاني الذي طور علاجات للمرض الذي شخصه بصدمة القذيفة. في ذلك الوقت، طرد معظم الجنود الذين خرجوا من الخنادق بعد أن ظهرت عليهم أعراض التوتر العاطفي الشديد باعتبارهم جبناء أو مجانين. كان الشاعر سيغفريد ساسون هو أشهر مرضى ريفرز. تركز هذه الرواية المؤثرة والمتعاطفة على علاقتهما بشكل مكثف.
الجسر فوق نهر كواي - بيار بول
إن رواية بيار بول، التي نُشرت للمرة الأولى باللغة الفرنسية عام 1952، ينبغي أن نقرأها كمقدمة لنسخة الفيلم الأكثر جودة منها، الذي أخرجه ديفيد لين بعد خمس سنوات. فاز الفيلم بمجموعة من جوائز الأوسكار وهو لا يزال أفضل فيلم حربي على الإطلاق. لا يسعى الكتاب ولا الفيلم إلى نقل البشاعة الحقيقية للظروف التي عاشها أسرى الحرب من قوات الحلفاء على خط السكة الحديد بين بورما وسيام خلال الحرب العالمية الثانية. قال أحد الناجين: "كما أنه لم يكن من المفترض لأحد أن يحتاج للإخبار بأن الصورة مليئة بخزعبلات مشغولة بإتقان رفيع المستوى". لم يكن موضوع بول هو وحشية الحرب، بل قواعد الشرف والواجب التي يمكن أن تؤدي إلى مثل هذه الوحشية. بالتالي، فإن قصته هي بشكل أساسي تشريح للسلوك البشري، ولا سيما الفخر - ففي الفوج، وفي حالة من الانضباط العسكري، سوف يشد الفخر عزيمة الوحدات القتالية حتى في أحلك الظروف. في صميم الرواية تدور معركة إرادات بين رجلين متساويين في الشجاعة لكنهما عنيدان، المقدم نيكولسون قائد الأسرى البريطانيين، والعقيد سايتو، القائد الياباني للمعسكر. يمتلك كلاهما إحساسا عاليا بالمسؤولية والواجب. يوضح بول كيف يمكن أن يؤدي هذا الأمر إما إلى المجد أو قد يتسبب بوقوع الكوارث.
ستالينغراد - فاسيلي غروسمان
عندما غزت ألمانيا النازية الاتحاد السوفياتي في عام 1941، تقدم فاسيلي غروسمان بطلب للكتابة في صحيفة "ريد ستار"، وهي صحيفة الجيش الأحمر. قدم تقارير ذات طابع دعائي موجه عن الجنود السوفيات في الجبهة. مع ذلك، فإن المؤلف، الذي ولد لعائلة يهودية في أوكرانيا السوفياتية، لم يكن من أتباع الستالينية، عبر في كتاباته عن إعجابه بشجاعة الشعب السوفياتي وصموده في مواجهة العدوان الفاشي. رجع غروسمان إلى الموضوع ذاته في روايتين عن معركة ستالينغراد، التي وقعت في الفترة من 1942 إلى 1943. نُشرت الأولى في خمسينات القرن العشرين، على الرغم من أنها جاءت في شكل خاضع للرقابة، تحت عنوان "من أجل قضية عادلة". وحظر النظام السوفياتي الكتاب الثاني الذي يحمل عنوان "الحياة والقدر"، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أنه قارن الستالينية بالاشتراكية القومية. وقد نجح في تهريبه إلى الغرب ونشره هناك في ثمانينات القرن الماضي. في عام 2019 نُشرت ترجمة إنكليزية جديدة للرواية الأولى. حافظت على العنوان الأصلي للمؤلف، "ستالينغراد"، واسترجعت الأجزاء غير المنشورة. وقد حظيت أخيرا بالاعتراف بأنها كلاسيكية، تمزج بقوة بين وجهات النظر المدنية والعسكرية حول "الحرب الوطنية العظمى".
المسلخ رقم خمسة - كورت فونيغت
على مدى عقود طويلة، سعى كورت فونيغت جاهدا وفشل في كتابة ما سماه "كتاب درسدن الشهير" بشكل مثير للسخرية. ألقى الألمان القبض عليه في المعركة المعروفة أيضا باسم هجوم آردين في عام 1944، وكان أسيرا في عاصمة ساكسونيا عندما تعرضت للقصف بالقنابل الحارقة في فبراير/شباط 1945. كان فونيغت يستمع من مسلخ تحت الأرض بينما كانت القنابل تنهمر. يقول متذكرا إنه بالتأكيد كان من المفروض أن يكون وصف التجربة أمرا "سهلا"، "ذلك أن كل ما ينبغي لي فعله هو كتابة تقارير عما رأيته". لكن الكلمات خانته واستعصت عليه. كيف يمكن لفونيغت أن يصف مدينة التهمها "لهب واحد كبير"؟ كان الحل الذي توصل إليه في آخر الأمر هو استبدال بنية السرد العادية بخط متعرج مربك عبر الزمان والمكان.
يكشف بطل رواية "المسلخ رقم خمسة"، بيلي بيلغريم، عن مأساة دريسدن باقتضاب، وعلى شكل لوحات متصلة. وقد تشكل سرده من خلال الاضطرابات النفسية لما أصبح يسمى اضطراب ما بعد الصدمة بعد فترة طويلة من ظهور الرواية في عام 1969. نُشرت رواية "المسلخ رقم خمسة" أثناء حرب فيتنام، وقد أسرت المزاج المعارض للحرب في ذلك الوقت، ولا يزال يباع منها أكثر من مئة ألف نسخة سنويا.
أحزان الحرب - باو نينه
هذه الرواية الساحرة كتبها أحد المحاربين القدامى وتتمحور حول الحرب الأميركية التي يقول عنها الفيتناميون بأنها قد خاضتها الأشباح أكثر مما فعل الأحياء. باو نينه هو الاسم المستعار لرجل كان واحدا من عشرة ناجين من بين 500 عضو في لواء الشباب السابع والعشرين المجيد. بطل روايته كين هو مثله واحد من الناجين من جيش فيتنام الشمالية. بدأت حربه من جديد في عام 1976، بعد سقوط الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في الجنوب، وذلك عندما أعيد إلى ساحات القتال السابقة لاسترجاع الجثث. يطارده الرفاق الذين سقطوا في "غابة النفوس الصارخة"، وهو يتنقل بين الواقع الحاضر ورعب الماضي، ولا يجد العزاء إلا في ذكرياته البعيدة التي تشبه الحلم عن شبابه وحبه قبل الحرب. وكما هو الحال مع رواية فونيغت، تتجاهل رواية "أحزان الحرب" السرد التقليدي باعتباره عديم الفائدة في مواجهة الجحيم. خالقا أنماطه المتغيرة مع الوقت، متجنبا الانفعالية والقوالب النمطية على حد سواء، يصف باو نينه تأثير القتال على الروح الإنسانية وعواقبه.
نصف شمس صفراء - شيماماندا نجوزي أديتشي
تدور أحداث الرواية الثانية للكاتبة شيماماندا نجوزي أديتشي، التي نُشرت عام 2006، خلال الحرب الأهلية في نيجيريا في أواخر الستينات. انفصلت جمهورية بيافرا المتمردة الغنية بالنفط، التي تتكون إلى حد كبير من شعب الإيغبو، عن البلاد في عام 1967، مما أدى إلى صراع نجم عنه مقتل مئات الآلاف من المدنيين. وانتهت الحرب عندما استعاد الجيش النيجيري المنطقة في عام 1970. في كتابها "نصف شمس صفراء"، تحاول الكاتبة أديتشي، المولودة عام 1977، أن تتأمل في العواقب الكارثية التي خلفتها الحرب.
وخلافا لبعض الكتب الأخرى في هذه القائمة، فإن رواية السيدة أديتشي لا تصور القتال. فهي بدلا من ذلك، يتمحور اهتمامها حول الولاءات المتنافسة - للبلد والمجموعة العرقية والمثل العليا – وكيف يمكن لها أن تفرق وتسحق العشاق والعائلات والأصدقاء. ومن خلال شخصية ريتشارد، وهو كاتب بريطاني، تبيّن السيدة أديتشي أيضا كيف تشوه وسائل الإعلام الغربية الصراعات في أفريقيا أو تتجاهلها.