حيفا- شهر مايو/أيار هو شهر ذكرى النكبة الفلسطينية التي لا زالت مفتوحة على مصراعيها وتتفاقم يوميا وكل ساعة، بسبب استمرار إسرائيل في اعمال ترويعها للفلسطينيين وملاحقتها لهم وتقتيلهم وتجويعهم ومصادرة أملاكهم وصولا إلى الحرب المفتوحة عليهم في كل أماكن وجودهم، وخصوصا في غزة.
في الباب الإسرائيلي للنكبة وآثارها كتب الكثير، ولا زالت تتوالى الدراسات والكتب والمقالات والتعليقات وهي كلها بالتأكيد مفيدة في التنبيه إلى إسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين وهي كذلك مهمة كجزء من جهد ثقافي يحفظ للأجيال القادمة تفاصيل مهمة عما حصل في سياق جهد استعماري- كولونيالي للسيطرة على فلسطين كجزء من محاولات السيطرة والتحكم في العالم العربي في موقع جغرافي هو الأكثر أهمية للتواصل العربي-العربي. وكل ذلك يتلاقى مع جهود سياسية لإعادة الحق أو على الأقل جزء منه، لأهله الفلسطينيين الذين شردوا وقتلوا وجرحوا وتفرقوا وعانوا ولا زالوا، من آثار النكبة الأولى وما لحقها من مآس وملاحقات.
في خضم الجهود العلمية والإعلامية والرسمية والشعبية لتدوين ما حصل وحفظه مستقبلا، كانت هنالك محاولات جريئة وشجاعة لتدوين ورصد مساهمة أنظمة عربية وقيادات فلسطينية في نكبة فلسطين، وما تبعها من معاناة وتقليص فرصة إعادة الاعتبار للفلسطينيين وحقوقهم. فقد انبرى مؤرخون فلسطينيون، ليس للإشارة إلى جرائم إسرائيل وجيشها بحق الفلسطينيين فقط، بل كذلك إلى شرح وبيان إخفاقات القيادات الفلسطينية في تحضير الشعب الفلسطيني لمواجهة ما خطط له، كما في عدم الكفاءة في إدارة أموره بعد ذلك وصولا إلى نكبة 2023-2024 في غزة، وعموم فلسطين. هذه الجهود مهمة لأجل الحقيقة التاريخية التي لا تبعد عن الشعب الفلسطيني، وقياداته تحديدا، مسؤولية جزء مما حصل للفلسطينيين، إلا أنها أهم في السياق السياسي، أي في جهود تحقيق العدالة والوصول إلى تسوية منطقية تناسب حقوق الفلسطينيين في وطنهم وتعوضهم نسبيا عما عانوه خلال عقود.
تأتي الذكرى السادسة والسبعون للنكبة، في ظل مأساة غزة وتداعياتها المستمرة منذ سبعة أشهر، لتشكل في رأيي محطة تاريخية مهمة في مسيرة الشعب الفلسطيني، قد تعادل في أهميتها التاريخية والعلمية النكبة الأولى عام 1948 والنكسة عام 1967 وقد تتفوق عليهما في تداعياتها. وأعني تداعياتها كمحطة سياسية وثقافية واجتماعية وإنسانية عامة سوف تترك أثرا هائلا على الفلسطينيين، وعلى المنطقة عموما وربما على العالم.
مما لا شك فيه أن ما سيكتب من تحليلات ودراسات وتقارير حول حرب غزة 2023-2024 سوف يفوق ما كتب عن النكبة الأولى واحتلال الضفة الغربية وغزة في 1967، وهي مهمة بدأت في الحضور تدريجيا وسوف تزداد تباعا في السنوات القريبة. ومن المؤكد أن هذه الجهود ستحاول فهم وتفسير ما حصل فلسطينيا وعربيا وإسرائيليا وإسلاميا وعالميا من تداعيات للحرب الدائرة الآن في غزة، وسوف تنشر في ذلك الكتب، وتكتب رسائل الدكتوراه والمقالات العلمية وستقام المؤتمرات والندوات، في السبعين سنة القادمة أو اكثر.