ماذا يعني موت رئيسي لمستقبل إيران؟

ستضع وفاته البلاد في حالة من الغموض وسط الاضطرابات الإقليمية

أ ف ب
أ ف ب
نعش الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي محمولا على أكتاف الجنود في مدينة تبريز في 21 مايو

ماذا يعني موت رئيسي لمستقبل إيران؟

توفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الأحد، في تحطم مروحية كانت تقله مع وفد من مسؤولين إيرانيين آخرين في جبال شمال إيران، مما سيدفع البلاد والمنطقة بأسرها إلى مزيد من الغموض.

وأكدت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) أن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ومسؤولين كبارا آخرين قتلوا أيضا في الحادث، بينما كانوا يحلقون فوق مقاطعة أذربيجان الشرقية بإيران. وأعاق الضباب الكثيف عمليات البحث والإنقاذ لساعات قبل العثور على موقع التحطم. وكان الضباب كثيفا جدا ما اضطر الإيرانيين إلى طلب الدعم من أقمار الاتحاد الأوروبي للمساعدة في تحديد موقع المروحية.

تضع وفاة رئيسي نهاية لحقبة قصيرة، ولكنها شهدت تحولا كبيرا في السياسة الإيرانية، حيث انزلقت البلاد في وهدة التطرف والتشدد ما وضع الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية. وخلال فترة حكمه القصيرة، نقل رئيسي السياسة الداخلية والاجتماعية في إيران في اتجاه أكثر محافظة ودفع البلاد إلى موقع أشد عداء للولايات المتحدة في المنطقة، بعد أن سعى سلفه حسن روحاني– الذي هزمه في الانتخابات الرئاسية عام 2017– إلى تحقيق انفراجة مع الغرب فيما يخص البرنامج النووي الإيراني، قبل أن يكثف وكلاء إيران هجماتهم نيابة عنها.

ورئيسي هو فقيه إسلامي معروف بعلاقته الوثيقة مع آية الله علي خامنئي وكان كثير من المسؤولين والخبراء يعتبرونه مرشحا محتملا لخلافة المرشد الأعلى المسن. وشهدت فترة ولايته تسريع إيران لتخصيب اليورانيوم وإبطاء المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، أي قبل ثلاث سنوات من توليه منصبه.

ودعمت إيران في عهد رئيسي روسيا في حربها ضد أوكرانيا من خلال تصدير كميات كبيرة من طائرات "شاهد" الانتحارية المسيرة وبطاريات المدفعية، وزادت من الهجمات التي تشنها الميليشيات الإقليمية الوكيلة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بعد هجوم "حماس" عبر الحدود في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على إسرائيل؛ وقبل شهر واحد فقط من وفاته، شنت إيران هجوما ضخما ضد إسرائيل استخدمت فيه طائرات مسيرة وصواريخ.

ويعتقد الخبراء أن خليفة رئيسي، كائنا من كان، لن يغير الاستراتيجية التي اتبعها، بعد أن ترسخت بين المستويات العليا في القيادة السياسية والدينية في إيران. وفي هذا الصدد، يقول بهنام بن طالبلو، وهو زميل أول في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD): "سواء مع رئيسي أو من دونه، فإن النظام راض تماما عن كيفية تطور الأوضاع في الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقد تمكن من مواصلة استراتيجيته في حروب الاستنزاف الصغيرة، سواء بشكل غير مباشر من خلال مهاجمة وكلائه للولايات المتحدة وإسرائيل أو بشكل مباشر كما رأينا في تبادل الهجمات خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، ولا يزال يبدو أنه قد فاز في هذه الجولة".

وبموجب الدستور الإيراني، من المرجح أن يتولى النائب الأول للرئيس، محمد مخبر، منصب الرئيس خلال الخمسين يوما القادمة حتى يتم إجراء الانتخابات. وقال محللون إن الانتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت نسبة إقبال منخفضة بشكل قياسي. وعلاوة على ذلك، بذل خامنئي وحلفاؤه جهودا كبيرة لضمان فوز رئيسي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2021، ما أدى إلى استبعاد المنافسين المحتملين.

قبل أن يتسلم رئيسي منصبة كرئيس للبلاد، عمل في لجنة الادعاء الإيرانية التي كانت مسؤولة عن إعدام ما يقدر بنحو 5000 معارض عام 1988. واتهمته الأمم المتحدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفرضت عليه وزارة الخزانة الأميركية عدة عقوبات. واستمر هذا النهج الصارم الذي أدى إلى وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية في سبتمبر/أيلول 2022 بعد توقيفها بادعاء أنها لم تضع الحجاب بشكل صحيح في الأماكن العامة، مما أثار احتجاجات على مستوى البلاد.

يستبعد الخبراء بروز شخصية ليبرالية في الانتخابات المبكرة أو الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2025

وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الانتخابات المبكرة الوشيكة والانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل، فثمة احتمال كبير لحدوث اضطرابات كبيرة على قمة الطبقة الحاكمة في إيران. ومع وجود عدد قليل من الخلفاء المحتملين لخامنئي البالغ من العمر 85 عاما، باستثناء ابنه مجتبى خامنئي، فإن وفاة رئيسي قد تؤدي إلى إغراق المستقبل السياسي للبلاد في مزيد من عدم اليقين.

وكالة انباء غرب اسيا/ رويترز
مشاركون في تشييع ضحايا الطائرة التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تبريز في 21 مايو

ويمكن لـ"الحرس الثوري" الإيراني، وهو أكبر فرع في القوات المسلحة الإيرانية الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من اقتصاد البلاد، أن يستخدم الاضطرابات لتعزيز قبضته.
وقال ديفيد دي روش، الأستاذ في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع الوطني والعقيد المتقاعد بالجيش الأميركي: "لن يكون هناك وريث واضح في حال رحيل خامنئي. ما يثير الاهتمام حقا هو معرفة ما إذا كان (الحرس الثوري) الإيراني سيكمل عمليا انقلابا بطيء الحركة".
وبينما كان عمال الإنقاذ يبحثون عن مروحية رئيسي التي سقطت، طلبت وسائل الإعلام الرسمية من الشعب الإيراني أن يصلي من أجله. ولكن بعض الإيرانيين أشعلوا الألعاب النارية ابتهاجا بوفاة الزعيم المتشدد، بدلا من الدعاء له.
وكتب أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا البحرية والخبير في الشؤون الإيرانية في منشور على موقع "إكس"، قبل مصرع الرئيس: "إن حادث اليوم والوفاة المحتملة للرئيس رئيسي ووزير خارجيته سيهزان السياسة الإيرانية. وبغض النظر عن السبب، ستنتشر بين عناصر النظام تصورات عن وجود جريمة ما هنا. وقد تضغط العناصر الطموحة التي تبحث عن تحقيق بعض المكاسب، مما يؤدي إلى ردود فعل من أجزاء أخرى في النظام. إذن فلنستعد".
وبينما يستبعد الخبراء بروز شخصية ليبرالية في الانتخابات المبكرة أو الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2025، فإن وفاة رئيسي قد تفتح مجالا صغيرا لحركات الاحتجاج المتجددة التي استمرت في الخفاء.
ووفق بن طالبلو، الخبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فإن "هذه الحركات لم تمت، ولكنها خفضت مستوى نشاطها فحسب، وباتت تعمل على الهامش– عادة من خلال الإضرابات والنقابات العمالية وما شابه ذلك. وقد تؤدي إلى شرارة على مستوى البلاد، وقد لا تؤدي إلى شيء يذكر. لكن قصة حركة الاحتجاج الإيرانية هي دائما مسألة متى (ستستأنف نشاطها) وليس هل ستفعل ذلك".

font change

مقالات ذات صلة