القمة العربية في المنامة... والتلهف لإسكات المدافعhttps://www.majalla.com/node/317481/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%84%D9%87%D9%81-%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%81%D8%B9
لم تحمل قمة المنامة التي جمعت الزعماء العرب مؤخرا في العاصمة البحرينية مفاجآت بخصوص القضية الأهم التي تناولتها: الحرب في غزة وكيفية إنهائها والمستقبل السياسي الفلسطيني على أساس سيناريوهات "اليوم التالي" المختلفة.
قالت هذه القمة الثالثة والثلاثون للجامعة العربية الأشياء المألوفة والمتوقعة بخصوص فلسطين، وأحداث غزة تحديدا، من إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، والمطالبة بوقف إطلاق نار فوري وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية والتأكيد على ضرورة تنفيذ حل الدولتين.
لا يملك العالم العربي أدوات ضغط حقيقية على إسرائيل، وهي نقطة ضعفه الكبرى في هذا النزاع كما في معظم النزاعات السابقة مع الدولة العبرية، ولذلك هو يعتمد على تسليط الضغط على الغرب خصوصا الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، ليقوم الاثنان بدورهما بالضغط على إسرائيل.
في هذا الإطار، يحمل حضور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دلالة خاصة في ظل رأيه المعبر عن إجماع دولي وغربي يتسق مع الفهم العربي بضرورة إيجاد حل سياسي أوسع ودائم للقضية الفلسطينية وليس الاكتفاء بحل مشكلة غزة الحالية بوصفها تحديا أمنيا وإنسانيا، كما تصر الحكومة الإسرائيلية على كامل المشهد المعقد الحالي، إذ قال المسؤول الأممي في خطابه بالمنامة: "ما من وسيلة دائمة لإنهاء مسلسل العنف والاضطرابات سوى الحل القائم على وجود دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، مع القدس عاصمة لكلتا الدولتين".
الدعوة إلى نشر قوات دولية في قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية جزء من السعي العربي لتدويل القضية الفلسطينية وجعل إسرائيل في مواجهة المجتمع الدولي
أتاحت القمة للدول العربية أن توحد موقفها في الاتجاه الوحيد المتيسر تقريبا لها لتمارس بعض التأثير الحقيقي على الملف الفلسطيني- الإسرائيلي وذلك من خلال اقتراح مؤتمر دولي لإنفاذ حل الدولتين، وهو المؤتمر الذي سترفضه تل أبيب على نحو شبه مؤكد، فيما تلتزم واشنطن الصمت حياله.
أما الدعوة التي برزت من القمة بنشر قوات دولية في قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية فهي جزء من السعي العربي المفهوم لتدويل القضية الفلسطينية وجعل إسرائيل في مواجهة المجتمع الدولي للحصول على أفضل النتائج الممكنة لصالح الفلسطينيين وتجنب دخول العالم العربي في مآزق الاختلاف والالتزام المتأتية من حلول ثنائية مشكوك في نجاحها، ولا يستطيع العرب إدارة تعقيداتها ولا تحمّل نتائجها التي تُصدّع وحدتهم النادرة التي يوفرها العناء الفلسطيني إزاء الآلة العسكرية الإسرائيلية.
من بين هذه الحلول التي أثارتها إسرائيل من وراء الكواليس، وحظيت بدعم وترويج أميركيين: إرسال قوات عربية إلى قطاع غزة بعد انتهاء العمليات الحربية لحفظ الأمن في إطار مرحلة انتقالية غير محددة لحين التوصل إلى حل دائم لـ"مشكلة" القطاع. رفضت الدول العربية المعنية هذا الحل لأنه يورطها في مشاكل إدارة القطاع ويضعها في مواجهة "حماس" التي لم تفلح إسرائيل في تفكيك بنيتها الأمنية في القطاع، فضلا عن سيطرة "حماس" الإدارية على القطاع عبر جناحها السياسي.
ترفض حكومة اليمين الإسرائيلي ورئيسها بنيامين نتنياهو بشدة الحل العربي المفضل، الذي حظي ببعض التعاطف الأميركي، القائم على نشر قوات الأمن التابعة للسلطة الرسمية الفلسطينية في الضفة الغربية في القطاع الذي فقدت السيطرة عليه عام 2007، بعد قيام "حماس" بطردها من غزة في سياق الصراع الذي لم يُحل بين الأخيرة و"فتح". ويبدو واضحا أن حرب غزة الحالية، بالعناء الشديد الذي سببته للمدنيين الفلسطينيين فيها، لم تُقرب بين الطرفين، إذ لم يتردد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في خطابه أمام قمة المنامة عن لوم غريمته "حماس" على شنها عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لأنها- بحسب عباس- "وفرت لإسرائيل المزيد من الذرائع والمبررات كي تهاجم قطاع غزة".
مع ذلك، وبحسب مصادر مختلفة، أميركية وأوروبية، يُثار في التداول الغربي احتمال استخدام بعض قوات الأمن الوقائي الفلسطيني التي دربتها الولايات المتحدة الأميركية في عقد التسعينات. لا يبدو هذا الاحتمال واقعيا فبين هذا التدريب والوقت الحاضر أكثر من ربع قرن تراجعت فيه المهارات وهَرِم فيه رجال الأمن وغادر بعضهم الخدمة. ثم هناك التحفظ الأكبر المتمثل في الرفض الإسرائيلي لهذا الحل، حيث ترى أن هذه القوات لم تكن فاعلة في الأصل في منع عمليات "حماس" الانتحارية ضدها.
الوصول للحظة الحل وتفاصيلها المعقدة الكثيرة تعترضه عقبة أكبر يدور حولها الكثير من التلهف والترقب العربي والعالمي: إسكات المدافع
يمنح مقترح القوة الدولية للدول العربية المرونة اللازمة التي تحتاجها هذه الدول في هذه اللحظة الشائكة والصعبة، إذ يجنبها هذا المقترح، الذي تبدو حظوظ تحققه أكبر الآن، مخاطر التورط في "مستنقع" فلسطيني مقبل في غزة يجعلها مصدا بين"حماس" وإسرائيل يعفي الأخيرة من تحمل عواقب سياساتها التي ساهمت في صناعة الأزمة الحالية وإدامتها. ومع ذلك، تحتاج الدول العربية أن تكون موجودة بشكل من الأشكال في غزة "اليوم التالي"، على الأغلب كجزء من القوة الدولية المقترحة، في إطار التزامها بالمشاركة في الحل وليس مجرد الحديث عنه من دون أن تكون موجودة فيه، خصوصا في ظل الالتزام الأوروبي، الذي يتم تداوله وراء الكواليس، بتمويل معظم أو كل عملية إعادة إعمار في غزة.
لكن للوصول للحظة الحل هذه وتفاصيلها المعقدة الكثيرة، لا تزال العقبة الأكبر قائمةً ومؤلمةً ويدور حولها الكثير من التلهف والترقب العربي والعالمي: إسكات المدافع في غزة والبدء بتعبيد الطرق المفضية لسلام دائم وعادل وحقيقي. ويقع تذليل هذه العقبة خارج قدرة قمة المنامة واللاعبين العرب..