السياحة تفتح أبواب العالمية للسعودية

المملكة تتطلع الى هدف 150 مليون سائح بعد تحقيق 100 مليون أنفقوا 67 مليار دولار

Shutterstock
Shutterstock
سائح عند "حافة العالم"، معلم طبيعي ومقصد سياحي شهير بالقرب من العاصمة الرياض، 8 ديسمبر 2019.

السياحة تفتح أبواب العالمية للسعودية

اشتهرت السعودية طوال الأعوام المنصرمة بالسياحة الدينية فقط نظرا لكونها تتمتع بوجود أقدس وجهتين للمسلمين في العالم على أرضها، هما الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف، وتستقبل عشرات الملايين من الحجاج سنويا. أما باقي مدن المملكة، فلا يقصدها الكثير من السياح، ذلك لأن غالبية القادمين إلى السعودية يجهلون ما تحتويه هذه المدن من تنوع طبيعي وآلاف الآثار التاريخية وغرائب التضاريس.

إلا أن الأمر اختلف بعد إطلاق رؤية المملكة 2030 الرامية إلى استغلال كل الثروات في البلاد أفضل استغلال، وحصد أفضل نتاجها في شتى القطاعات لتنويع مصادر الدخل لديها دون الاعتماد على الصادرات النفطية فقط. ومن أهم تلك القطاعات السياحة.

نجاح غير مسبوق

عمدت الرياض إلى تطوير المدن وتحويلها إلى وجهات سياحية عصرية، والترويج لها عالميا باستضافة فعاليات عالمية، من بطولات رياضية ومؤتمرات ومعارض وغيرها. وفي فترة وجيزة أصبحت العاصمة السعودية الرياض من أبرز الوجهات الثقافية والاقتصادية والسياحية في العالم وأول المزارات في الشرق الأوسط.

نمو عدد السياح بنسبة 14 % في الربع الأول من السنة الجارية، مع زيادة في الإنفاق بلغت 17%. كما بلغت نسبة مساهمة القطاع السياحي نحو 4% من الناتج المحلي لعام 2023

وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب

استطاعت السعودية الوصول إلى مستهدفات رؤية 2030 من خلال استضافة 100 مليون سائح وفق وزير السياحة أحمد الخطيب، من بينهم 80 مليونا قصدوا إحدى الوجهتين، مكة أو المدينة، وهذا شيء معهود لكن الجديد أن عدد السائحين الذين زاروا مختلف المدن والوجهات السعودي بلغ 20 مليونا، خلال العام المنصرم. وكشف الوزير الخطيب خلال فعاليات منتدى الاقتصاد العالمي الذي انعقد أخيرا في الرياض ، نمو عدد السياح بنسبة 14 في المئة في الربع الأول من السنة الجارية، مع زيادة في الإنفاق بلغت 17 في المئة.

ووفق وزارة السياحة السعودية، بلغت نسبة مساهمة القطاع السياحي نحو 4 في المئة من الناتج المحلي لعام 2023.

لتشريح حال السياحة السعودية اليوم ومدى أهميتها بالنسبة للاقتصاد، حاورت "المجلة" الخبير السياحي ثامر الحربي، الذي أشرف على العديد من الدورات والبرامج السياحية بالتعاون مع وزارة السياحة، أبرزها "رواد السياحة"، حيث ابتعث الشباب السعودي إلى إسبانيا واليونان وفرنسا وغيرها من الدول لتدريبهم وتهيئتهم لاستقبال السياح من كل أنحاء العالم مهما كانت ثقافاتهم وخلفياتهم.

.أ.ف.ب
سفينة الرحلات البحرية "سيلفر سبيريت" خلال إبحارها قبالة الساحل الغربي للسعودية، 3 أكتوبر 2020.

أرقام واعدة

تعقيبا على الأرقام التي كشف عنها وزير السياحة السعودي، يقول الحربي إن لدى قطاع السياحة أهدافا كبرى في إطار رؤية 2030، ويضيف: "نحن نتحدث عن مساهمة بلغت 4 في المئة من الناتج المحلي، وبحسب تصريحات وزير السياحة عن استضافة السعودية لـ100 مليون زائر في عام 2023، فكان من المتوقع بلوغ هذه الأرقام في عام 2030".

تعتبر السعودية اليوم أكبر دولة في العالم تستثمر في قطاع السياحة، وذلك باستثمارات تتجاوز 80 مليار دولار على مدى السنوات المقبلة وصولا إلى 2030

ثامر الحربي، خبير سياحي

ويشير الى أن هذه الأرقام التاريخية توجت بإنفاق السياح في الداخل والخارج نحو 250 مليار ريال (نحو 67 مليار دولار)، بالإضافة إلى تحقيق السعودية للمرة الأولى، أعلى فائض في ميزان المدفوعات لبند السفر على مستوى الإنفاق داخل المملكة، مقارنة بالإنفاق خارج البلاد.

يرى الحربي أن ما تمتاز به السياحة السعودية عن بقية الدول بالمنظار العالمي، هو امتلاكها العديد من المقومات في هذه الصناعة، في مقدمها البعد التاريخي في كل مناطقها الثلاث عشرة، إذ تزخر كل منطقة بمميزات رائعة، كما أن لدى كل واحدة  منها إرثا مختلفا، سواء في الأطباق الشعبية، أو الرقصات والموسيقى الخاصة بها. يأتي هذا التنوع الثقافي في المرتبة الثانية لقدوم السياح إلى المملكة واستكشاف تلك الثقافات.

من جهة أخرى، هناك خاصية البعد الديني التي تتمتع بها السعودية، في ظل وجود الحرمين الشرفين على أراضيها. بالإضافة إلى "السياحة الترفيهية" التي جعلت السعودية محط تنافس بين الدول الأخرى في توفير حزم ترفيهية مميزة. وما يميز السعودية اليوم أيضا هو السياحة الاقتصادية أو سياحة الأعمال، حيث تشهد البلاد حِراكا اقتصاديا ضخما في كل مدنها، خصوصا في العاصمة الرياض، وهو ما يساهم في زيادة الإنفاق داخل المملكة.

مساهمة في التنوع الاقتصادي

عن حجم الاستثمارات في القطاع السياحي، يقول الحربي إنه في إطار رؤية 2030، "لدينا مستهدفات مشجعة في عملية جذب الاستثمار، حيث تعتبر السعودية اليوم أكبر دولة في العالم تستثمر في قطاع السياحة، وذلك باستثمارات تتجاوز 80 مليار دولار على مدى السنوات المقبلة وصولا إلى 2030. وتعتبر مستويات الاستثمار جيدة، خصوصا في بعض المناطق التي لها دور في التنمية السياحية. وقد ساهم صندوق التنمية السياحي في دعم ميزانية السياحة من خلال تمويل 35 مشروعا بقيمة وصلت إلى أكثر من 70 مليار ريال (نحو 19 مليار دولار).

تنظم وزارة السياحة برامج ابتعاث خارجي لتأهيل كوادر في قطاع الضيافة، وتولي اهتماما كبيرا بالعادات السعودية التي تشجع على الاهتمام بالضيف والاحتفاء به

ثامر الحربي، خبير سياحي

ويلفت الحربي إلى أن العائد المالي على كل دولار يتم استثماره في القطاع السياحي 3,2 دولارات تقريبا بحسب البنك الدولي، ويعد هذا المعدل مبشرا وجاذبا للمستثمرين. وتحتاج السعودية إلى استثمارات ضخمة كونها تقوم ببناء وجهات سياحة من الصفر، مع ما يرتبط بذلك من بنية تحتية وخدمات وقطاعات أخرى.

يلبي نمو قطاع السياحة أحد أهم أهداف رؤية 2030 وهو تنمية القطاعات غير النفطية وزيادة إيراداتها، إذ تهدف الرؤية لأن يكون نصف الناتج المحلي الإجمالي من القطاعات غير النفطية وفقا للحربي، "كانت نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي نحو 3,8 في المئة في السابق، أما اليوم فقد وصلت مساهمته إلى 4 في المئة". 

عادات الضيافة المتجذرة

عن طبيعة الدورات التي قدمها بالتعاون مع وزارة السياحة، يقول الحربي "نحرص في كل الدورات التي نقدمها على توفير المعرفة لدى الطلاب والطالبات السعوديين وتنمية مهاراتهم وصقلها. وقد اشتملت الدورات التي قدمتها مجالات مثل إدارة العلاقات العامة، والإتيكيت والتسويق السياحي وغيرها من الدورات التي تركز على تنمية المهارات التقنية أو المهارات الناعمة. ولا نهدف بهذه البرامج إلى توفير وظيفة فقط، بل إلى استحداث مهن جديدة. وبلغ عدد الدورات التي قدمتها بالتعاون مع الوزارة داخل السعودية وخارجها 40 دورة في مختلف الحقول".

Shutterstock

تعلن وزارة السياحة بين الحين والآخر  برامج ابتعاث خارجي لتأهيل كوادر بشرية في مجالات الضيافة، وهي تولي اهتماما كبيرا بهذه العادات السعودية التي تشجع على الاهتمام بالضيف والاحتفاء به، خلافا لكثير من دول العالم التي تواجه عائقا بسبب عدم وجود عادات وقيم تدعو إلى حسن الضيافة، بحسب الحربي.

أول عنصر في التجربة السياحية هو النقل، ويساعد "طيران الرياض" بحلول عام 2030 في الوصول إلى مستهدف 250 وجهة سياحية دولية

ثامر الحربي، خبير سياحي

ويلفت إلى أن الضيافة هي الجزء الأهم من تجربة السائح، و"عاداتنا وثقافتنا تحثنا على حسن الضيافة وكما قال الرسول 'من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه'. وبعد عدة لقاءات مع الشباب السعوديين من مختلف المناطق، لمسنا فيهم الحماسة للضيافة والحفاوة العالية. ولأن التجربة تعتمد بشكل كامل على العنصر البشري والانطباع الذي يثيره، تحرص الوزارة على أن يكون العاملون في السياحة ملمين بأساليب إدارة وتنظيم ضيافة الزوار، كما أن هناك معاير عالمية لا بد من التزامها لتقديم تجربة سياحية مميزة لدى السائح، يوصي على إثرها بزيارة البلد".

نحو 150 مليون سائح

ويؤكد الحربي أن وصول المملكة إلى مستهدف 100 مليون سائح قبل الوقت المخطط له في رؤية 2030، يعتبر انجازا كبيرا جداً، "حيث وصلنا إلى 78 مليون سائح من داخل المملكة و27 مليون سائح من خارجها". ويلفت إلى تعديل المعايير التي على أساسها يقاس عدد السياح والزوار كي تتوافق مع المنظمات الدولية. وأضاف "إننا حققنا انجازا كبيرا جداً في حركة السعوديين والمواطنين والمقيمين في رحلات سياحية. أنجزنا هذا الرقم في عام 2023 ورفع المستهدف من 100 مليون سائح إلى 150 مليون سائح لعام 2030".

وبرزت وجهات سياحية داخل المملكة ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستوى الاقليمي أيضا مثل العلا ووجهة البحر الاحمر. كل هذه الوجهات أصبحت بارزة وساهمت بنجاح في عملية رفع المستهدفات.

وفي عام 2023، أعلن ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، إطلاق "طيران الرياض"، مع ما يعني ذلك من مساهمة في تعزيز السياحة في السعودية. ويقول الحربي إن "أول عنصر في التجربة السياحية هو النقل، وبالتالي، يتوقف نجاح الوجهة السياحية دائما على توفر وسائل النقل. وأبرز الوسائل المستخدمة للسياح في عصرنا الحالي هو النقل الجوي بالطبع. ويساعد 'طيران الرياض' بحلول عام 2030 في الوصول إلى مستهدف 250 وجهة سياحية دولية، وهو يعد ركيزة من ركائز رؤية المملكة المتمثل في أن تصبح قناة وصل تربط القارات الثلاث من خلال استغلال موقعها الجغرافي".

وفي اعتقاد الحربي أن توفر وسائل النقل وإطلاق الشركات العملاقة مثل "طيران الرياض" والخطوط السعودية، وكذلك دعم الطيران الاقتصادي في المملكة، كلها عوامل ستنجح في زيادة الاستقطاب من المملكة وإليها.

نحن لا نريد أي نسخ ولصق لتجربة سياحية موجودة. نحن نحتاج أن نبرز ثقافتنا وقيمنا القائمة لدينا حتى نبهر السائح

ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان

البعد التاريخي والأثري

لا شك أن العمق التاريخي والثقافي في السعودية يساهم في تعزيز السياحة، "فكل سائح يسافر خارج منطقته يبحث عن تجربة مختلفة مثل الأكلات الشعبية والثقافة والموسيقى والطراز العمراني وتعدد اللهجات. لا يوجد سائح في العالم يبحث عن التجربة نفسها في مكان إقامته، والبعد التاريخي والأثري هو الذي يزيد المنافسة بين الدول. لدينا تاريخ غني بالآثار يدهش ليس فقط السائح الدولي، بل السائح السعودي أيضاً. هذا البعد التاريخي والأثري ينقلنا إلى مرحلة جميلة جداً في التجارب السياحية التي نتحدث عنها". يرجع الحربي في ذلك إلى قول ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في لقاء سابق عندما تحدث عن مشروع البحر الأحمر قائلا "نحن لا نريد أي نسخ ولصق لتجربة سياحية موجودة. نحن نحتاج أن نبرز ثقافتنا وقيمنا القائمة لدينا حتى نبهر السائح". 

عن أهم المبادرات السياحية التي أطلقت حتى الآن، يلفت الحربي إلى دور المملكة الفاعل على خريطة السياحة الدولية، مع وجود المكتب الإقليمي الخاص لمنظمة السياحة العالمية الذي يمثل 13 دولة، "كما أصبحت المملكة عضوا في مجلس السياحة والسفر العالمي، بالإضافة إلى ترؤسها المجلس التنفيذي لمنظمة السياحة في الأمم المتحدة، إذ باتت المملكة اليوم تساهم في تطور الإجراءات وتوحيد  السياسات والاستراتيجيات الموجودة في القطاع السياحي". وتعد السعودية من أولى الدول التي استضافت اجتماعا خاصا بجميع وزراء السياحة في مجموعة الدول العشرين، كذلك قدمت مبادرات نوعية في عملية تنمية المناطق النائية، وسعت إلى تمكين المرأة وتوسيع مشاركتها  في القطاع السياحي. "كل هذه المبادرات التي قدمتها المملكة لها أثر كبير جداً، واتطلع في المستقبل أن يكون هناك خطوات أخرى من شأنها أن  تساهم في تنمية القطاع السياحي دوليا".

ويختم الحربي أن للسياحة أهمية اقتصادية وثقافية وسياسية وفي تنمية المدن وكذلك في جودة الحياة في المدن، كما أنها تعتبر اليوم مصدر دخل رئيسا لكثير من الدول، والأكثر تأثيرا. كما يعد قطاع السياحة أكثر قطاع في العالم غني بالفرص الوظيفية، وهو يساعد المناطق النائية على النهضة والمشاركة. كما أنه أكبر قطاع اقتصادي في العالم يساهم في دعم المجتمعات المحلية، وله أثر كبير في ميزان مدفوعات الدول ويساهم بشكل كبير في تقدم الدول الاقتصادي والحفاظ على التراث والثقافة للوجهات السياحية.

font change

مقالات ذات صلة