ستشكل واقعة مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، اللذين تحطمت الطائرة العامودية التي كانت تقلهما مع اثنين من المسؤولين المحليين الآخرين أثناء رحلة عودتهم من دولة أذربيجان إلى محافظة أذربيجان الشرقية شمال البلاد، ستشكل حدثاً فارقاً في المشهد السياسي الإيراني الداخلي، علاقته مع القواعد الاجتماعية الإيرانية ومع المحيطين الإقليمي والدولي.
فالحادثة تقدم مجموعة من المؤشرات حول حقائق وظروف وشكل الحياة العامة في ايران، وتثير اسئلة حول نوعية الحادثة نفسها، من كونها فعلاً متقصداً ناتجاً عن "مؤامرة" داخلية أو خارجية، أم مجرد خطأ فني تقني، كصورة أخرى وواضحة عن الفشل التقليدي في تقديم الخدمات العامة، ومعها كلها السؤال الأكبر المتعلق بتأثيرات الحادثة على التوازنات السياسية ضمن إيران، طراز الثقة المتبادلة بين الشخصيات والمؤسسات ومراكز القوة ضمن الهيئة العليا لنظام الحاكم.
مبدئياً، ستخلق التحقيقات الجنائية التي ستجريها السلطات الإيرانية توتراً على مستويين متداخلين، واحد إقليمي والآخر داخلي تماماً.
فالطائرة المُتحطمة كانت قادمة من دولة أذربيجان، التي شهدت علاقاتها السياسية والأمنية مع إيران توتراً شديداً خلال السنوات الأربع الماضية، لأسباب تبدأ من التحالف العسكري الاستراتيجي الذي انخرطت فيه أذربيجان مع إسرائيل، ووصل الى درجة بناء هذه الأخيرة قاعدة عسكرية قريبة من الحدود الإيرانية، اتهمتها الأجهزة الإيرانية بالمشاركة الفعالة في عمليات التجسس وتنفيذ الاغتيالات والتفجيرات داخل إيران، وصلت حد اتهامها بقيادة عملية سرقة الأرشيف النووي الإيراني كاملاً ونقله إلى إسرائيل.
كذلك كانت أذربيجان جزءا تكوينياً من المحور التركي الصاعد في المنطقة، والذي تمكن من توجيه ضربة جيوسياسية استراتيجية لحليفة إيران، دولة أرمينيا، قضمت خلالها نصف المساحة التي كانت تحت سيطرة أرمينيا، في حرب سريعة لم تستمر إلا 13 يوماً من خريف العام 2020. فأرمينيا هي الجارة الأقرب لإيران تقليدياً، وحليفتها الأكثر موثوقية ضمن منطقة القوقاز، وإيران لم تقبل هذا الحدث إلا على مضض، لما تفاجأت به من تأثيرات داخلية كبيرة للنفوذ الأذري/التركي على أبناء القومية الأذرية داخل إيران أثناء تلك الحرب، وهم الذين يشكلون ثاني قوميات البلاد، تتجاوز نسبتهم 25 بالمائة من مجموع السكان.
بناء على هذين المعطيين، هل ستكون آلية التحقيق والتعاون بين البلدين سلسة؟ وهل ستسمح أذربيجان بتحقيق واضح وشفاف يكشف "تورطها" في الحادثة من عدمه؟ وإلى أي مدى سيؤثر ذلك الأمر على نوعية العلاقة بين البلدين، وتالياً علاقة إيران مع "جارتها اللدودة" تركيا، وكل القوى المتحالفة معهما.
المستوى الآخر من التوتر الذي ستخلفه التحقيقات يتعلق بتنافس الأجهزة الأمنية/العسكرية ورعاتها السياسيين داخل البلاد، غير المتفقين مبدئياً حول الجهة التي ستقود التحقيقات، وآلية إجرائها ونوعية القرارات التي ستتخذها لو توصلت إلى نتائج ما. فإيران في المحصلة ليست دولة مؤسسات واضحة المعالم والسلطات، مستقلة عن بعضها ومتكاملة في ما بينها. فمجموع الجهات ذات الأدوار المتشابهة والمتداخلة، من جيش نظامي و"حرس ثوري" وأجهزة استخباراتية وتنظيمات أمنية خاصة مثل "فيلق القدس"، وإن كان مُسيطر عليهم من قِبل المرشد الأعلى علي خامنئي، إلا أن الاستراتيجية المركزية لهذا الأخير، كأي زعيم تقليدي لدولة شمولية، ترتكز في بُعد منها على خلق تناقضات وسوء ثقة ما بين تلك الجهات، ظهرت مزاحماتها وخلافاتها جلية في أكثر من مناسبة.
بهذا المعنى، فأن الجهة التي سيخولها المرشد التحقيق في الحادثة التي طالت "عصب النظام"، أنما ستخلق حساسية وهواجس لدى باقي الجهات ضمن المنظومة الأمنية الحاكمة، وتالياً قد تخلق مزيداً من التوتر في ما بينها، وحتى بين رعاتها السياسيين.
حسب الدستور الإيراني، فأن لجنة ثلاثية مؤلفة من المساعد التنفيذي الأول للرئيس (محمد مخبر دزفولي) ورئيس البرلمان الإيراني (محمد باقر قاليباف) ورئيس السلطة القضائية (غلام حسين محسني إجئي) ستتولى سلطات الرئيس التنفيذية بإشراف من المرشد علي خامنئي، إلى حين انتخابات اختيار رئيس جديد للبلاد، في مدة لا تزيد عن خمسين يومياً.