نجد أحيانا في الأدب نوعا من التشفي، هو التشفي من الذات. فكثيرا ما يستمتع الأديب بالتشفي من نفسه. وذلك عندما يقدم على عرض تجاربه الشخصية بأقصى ما يمكنه من الصدق والشفافية. بل ينزع إلى إدانة نفسه، من خلال التركيز على نقائص أو مساوئ أو نقاط ضعف في تكوينه.
من المرجح أن مصدر متعته في ذلك هو رغبته في التطهر. فكأن الأديب يتخلص في أدبه مما يعبر عنه أو يبوح به. وكأني هنا قد أشرت - دون قصد- إلى النظرية القديمة في التطهير أو التطهر لأرسطو، الذي ربما كان أول من تحدث عن أبعاد نفسية في الأدب، وعن آثاره النفسية لدى متلقيه.
التشفي من الذات، في الأدب، ينطوي إذن على موقف نبيل. والنبل في هذا الموقف لا يقتصر على التجرد والصدق والنزاهة، وإنما يتعدى هذا كله إلى الرغبة في تعرية النفس، أو بالأحرى تنقيتها من شوائبها. ولنا على ذلك
أمثلة كثيرة في الأعمال الأدبية، قديمها وحديثها، وخصوصا في الرواية والشعر.
روسو ودوستويوفسكي
من المعروف أن الرواية هي النوع الأدبي الذي يجد فيه الكاتب مجالا واسعا لتقديم صور من تجاربه الشخصية، على نحو مباشر أحيانا، وعلى نحو غير مباشر أحيانا أخرى. في الحالة الأولى تكون الرواية سيرة ذاتية، وفي الحالة الثانية تكون الرواية خلقا لعالم من الأحداث والشخصيات، يمتزج فيها الواقع بالمتخيل، ويبث الكاتب في شخصياته عناصر من تجاربه الخاصة في الحياة.