برزت، بعد زمن، الإحباطات المتزايدة من إحجام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن الدخول في مناقشة "اليوم التالي" في غزة للعيان، حين ألقى وزير الدفاع يوآف غالانت خطابا متلفزا نادرا، في وقت سابق من هذا الشهر، حذر فيه من أن إسرائيل قد تظل عالقة لعقود قادمة في حكم غزة عسكريا.
وفي خطابه الصريح، أوجز غالانت الحقيقة: ما دامت "حماس" تحتفظ بالسيطرة المدنية على غزة، "فإنها ستتمكن من إعادة بناء قواتها، وسوف يضطر الجيش الإسرائيلي عندها إلى العودة والقتال في الأماكن التي قاتل فيها بالفعل". وجاءت تصريحاته هذه بينما تقاتل قواته في منطقة الزيتون جنوبي مدينة غزة للمرة الثالثة منذ غزو القطاع الفلسطيني.
وشدد غالانت على أن "المفتاح هو إنشاء هيئة حكم بديلة"، مقترحا أن تضم "عناصر فلسطينية تحظى بدعم دولي". وحذر من أنه من دون مثل هذه الخطة، فإن إسرائيل ستواجه نتيجتين غير مرغوب فيهما: إما العودة إلى حكم "حماس" أو "حكومة عسكرية إسرائيلية في غزة"، وهو ما يعني احتلالا عسكريا لا نهاية له. وأكد أن عدم اتخاذ قرار سيكون بمكانة اختيار أحد هذين "الخيارين السيئين". ومن شأن هذا أن يقلل من الإنجاز العسكري الإسرائيلي المزعوم ضد "حماس" إلى لا شيء.
كان حديث المسؤول الإسرائيلي انتقادا علنيا صارخا لسياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في غزة. وأضاف غالانت أنه أثار باستمرار قضية استراتيجية إسرائيل طويلة المدى في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول في اجتماعات مجلس الوزراء ومجلس الوزراء الحربي، لكنه لم يتلق "أي رد". وفي تحدٍ مباشر لنتنياهو، حث غالانت رئيس الوزراء على "اتخاذ قرار وإعلان أن إسرائيل لن تسعى إلى السيطرة المدنية على غزة، وضمان عدم وجود حكومة عسكرية إسرائيلية في غزة، والترويج على الفور لبديل لحكم حماس".
وبعد بضعة أيام، فإن بيني غانتس العضو الثالث في "حكومة الحرب المصغرة" التي تتخذ القرارات في شأن غزة إلى جانب نتنياهو وغالانت، صعّد من مضمون رسالة غالانت. وأصدر غانتس وهو خصم نتنياهو وانضم إلى الحكومة بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، تحذيرا أخيرا إلى نتنياهو: "ضع خطة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المتعددة بحلول الثامن من يونيو/حزيران أو سأستقيل من الحكومة وسأعمل على الدعوة إلى انتخابات".
الشروط التي حددها غانتس تصب في سياق مطالب غالانت وتتضمن بذل الجهد اللازم لخلق بديل عن حكم "حماس" للقطاع، من خلال تشكيل آلية حكم يشارك فيها الأميركيون والأوروبيون والعرب إضافة إلى عناصر فلسطينية.
وليس هذا النقد بالجديد. وقد ألمح غالانت نفسه أن ضباطا رفيعي المستوى في الجيش الإسرائيلي عبروا عن ذلك بهدوء منذ أشهر. والحق أن الجيش الإسرائيلي يشعر بالقلق من أن عدم بناء بديل قوي لحكومة "حماس" المدنية، سيعني أن الجيش الإسرائيلي سوف يبقى عالقا في لعبة مميتة لا نهاية لها، وهو يلاحق "حماس" أثناء عودتها بعد انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من المنطقة. لقد توصلت واشنطن إلى النتيجة نفسها منذ فترة طويلة، وحاولت دفع إسرائيل نحو مزيد من التفكير في "اليوم التالي"، ولكن دون جدوى حتى الآن.