لبنان يخطط لتسليم السجناء السوريين إلى دمشق... تشكيك في الدوافع

تحديات قانونية عديدة على بيروت... ومخاطر

سانا/ اف ب
سانا/ اف ب
لاجئون سوريون يعودون من لبنان عن طريق معبر الزمراني في 14 مايو

لبنان يخطط لتسليم السجناء السوريين إلى دمشق... تشكيك في الدوافع

أدى رفض النظام السوري المتواصل تسهيل عودة اللاجئين السوريين، إلى دفع السلطات اللبنانية لتكثيف جهودها لترحيلهم. وكشفت الحكومة اللبنانية مؤخرا- رغبة منها في الحفاظ على الزخم وحشد الدعم المحلي- عن خطة لتسليم السجناء السوريين في سجونها إلى سوريا. ومع أن هذه الاستراتيجية تستند إلى الأطر القانونية القائمة والاتفاقات الثنائية مع سوريا التي تسمح بإعادة المعتقلين إلى وطنهم، إلا أن تاريخ النظام السوري الحافل بالانتهاكات، أثار المخاوف من أن تتعرض حياة العائدين للخطر.

وقد أثارت هذه الخطوة الخوف في أوساط اللاجئين السوريين ومن هم داخل السجون نفسها. وفي شهر مارس/آذار، وحتى قبل الإعلان عن الخطة، هدد أربعة سجناء بإيذاء أنفسهم، معربين عن تفضيلهم الموت على أن يتم تسليمهم للنظام السوري.

علاوة على ذلك، فإن العدد الصغير نسبيا من السجناء السوريين الذين تنطبق عليهم شروط التسليم ضئيل بالمقارنة مع عدد اللاجئين في البلاد. ونتيجة لذلك، تتزايد الأصوات التي تشكك في شرعية هذه الخطة وما تحمله من مخاطر وتشكك في الدوافع الحقيقية وراءها.

حملة تسليم المجرمين في لبنان

أطلقت وزارة الداخلية اللبنانية "خريطة طريق" في 5 مارس/آذار لإعادة تقييم الوضع القانوني للاجئين السوريين ووضع آليات لتسهيل عودتهم. واستنادا إلى هذه المبادرة واستغلالا للمشاعر المناهضة للسوريين التي تتزايد في البلاد، عقد رئيس الحكومة المؤقتة نجيب ميقاتي اجتماعا في 23 أبريل/نيسان مع مختلف الوزراء والمسؤولين الأمنيين والسلطات القضائية لمعالجة قضية السجناء والمحكومين السوريين.

ولم يكن مفاجئا أن يخلص الاجتماع إلى أن حل مشكلة المعتقلين السوريين يكمن في تسليمهم إلى سوريا. وعليه، عُهد للعميد إلياس البيسري، مدير عام الأمن العام بالوكالة، أن يتواصل مع السلطات السورية لتسهيل هذه العملية. وتعزيزا لهذا التفويض، اتصل ميقاتي مع نظيره السوري حسين عرنوس بعد الاجتماع ليبلغه بمهمة البيسري.

لا يمكن للقضاء اللبناني أن يعتمد فقط على التقييمات التي أجراها المسؤولون اللبنانيون الذين يزورون دمشق

تستند خطة تسليم المجرمين إلى إطارين قانونيين أساسيين. الأول هو أحكام قانون العقوبات اللبناني التي تسمح بطرد الأجانب المدانين بجرائم جنائية من الأراضي اللبنانية. أما الثاني فيستند إلى الاتفاق القضائي الثنائي الموقع بين سوريا ولبنان عام 1951، والذي يتضمن أحكاما تخص تسليم المجرمين بين البلدين.

القوانين الناظمة لتسليم المجرمين

تسليم المجرمين ليس بالأمر التلقائي، على الرغم من هذه القواعد. فهذه الأطر القانونية هي التي تحدد شروط التسليم وتوجه تنفيذها لمنع إساءة استخدامها. على سبيل المثال، يشترط الاتفاق القضائي الثنائي أن تكون الدولة التي تسعى إلى إعادة السجناء، هي من يقدم طلب الإعادة، أي أن تكون سوريا هي المبادرة وليس لبنان. كما أنه لا يمكن المضي قدما في عملية تسليم المجرمين إلا إذا كان قانون كلا البلدين يعاقب الجريمة المرتكبة وأن لا تقل عقوبتها عن السجن مدة عام. وبالمثل، يرفض قانون العقوبات اللبناني طلبات التسليم إذا كانت دوافعها سياسية، مثل قضايا المعارضين السياسيين أو الفارين من الجيش.
إلى جانب ذلك، تقع على عاتق لبنان التزامات قانونية دولية نحو المعتقلين الذين يقاومون تسليمهم إلى سوريا بسبب مخاطر الاضطهاد. فالمعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمعاهدة الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، تلزم لبنان بحماية حقوق من يدعي أنه معرض لجرائم كهذه. وينبغي عرض هذه الادعاءات على المحاكم اللبنانية لتقييمها وتقدير مدى صحتها.

التحديات القانونية

تطرح هذه الشروط تحديات قانونية عديدة على لبنان في مسألة تسليم السجناء السوريين من دون أن ينتهك لبنان القانون الدولي. وأشار المدافعون عن حقوق الإنسان إلى أن السجناء الذين يدعون أنهم يخشون انتهاكات حقوق الإنسان عند عودتهم إلى سوريا، لا يمكن للقضاء اللبناني أن يعتمد فقط على التقييمات التي أجراها المسؤولون اللبنانيون الذين يزورون دمشق. بل ينبغي بدلا من ذلك أن تكون التقارير الواردة من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان هي نقطة استناده المرجعية. فهذه التقارير تسلط الضوء باستمرار على الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها النظام السوري ضد مواطنيه، وخاصة من هم في مراكز الاعتقال.

عدد السجناء السوريين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية لتسليمهم لسوريا منخفض نسبيا

إن تقييم هذه الدعاوى كل على حدة لتحديد المخاطر التي يواجهها كل فرد، أمر مكلف ويستهلك وقتا طويلا. بالإضافة إلى ذلك، ما سيواجه القضاة من صعوبات كبيرة في ضمان سلامة السجناء الذين سلموا، نظرا لأن للنظام تاريخا طويلا حافلا بانتهاكات حقوق الإنسان. وبالتالي، فإن أي محاولة لترحيل الأشخاص الذين يثيرون مثل هذه المخاوف قد تشكل انتهاكا للقوانين والمعاهدات الدولية التي يعتبر لبنان طرفا فيها. 
وإقناع النظام السوري بأن يتقدم بطلب تسليم السجناء عقبة أخرى أيضا. ومن غير المرجح أن توافق دمشق على ذلك، من دون حوافز مالية، فهذا هو الدافع الوحيد الذي يمكن أن يؤثر على الأسد. ومع ذلك، فإن القيود المالية تمنع لبنان من تقديم مكافآت كهذه، كما أن الأطراف الأخرى غير راغبة في فعل ذلك خوفا من الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان ومن العقوبات المفروضة على الأسد. لذلك من غير المرجح أن يوافق النظام، وهو المتردد أصلا في المساعدة لعودة اللاجئين من لبنان، على استقبال مئات من السجناء، الذين لن تؤدي عودتهم إلا إلى تفاقم التحديات التي تواجه سجونه المكتظة إضافة إلى مفاقمة نقص التمويل.

الدوافع الحقيقية

تثار شكوك حول النية الحقيقية وراء هذا الاقتراح الذي يصعب تنفيذه، مع أن عدد السجناء السوريين منخفض نسبيا، وعلى الأخص من تتوفر فيهم الشروط القانونية لتسليمه لسوريا. وبينما تشير تقارير وزارة الداخلية إلى وجود نحو 2500 معتقل سوري، يقدر المدافعون عن حقوق الإنسان العدد بين 1700-1800 سجين. ولكن أقل من 20 في المئة من هؤلاء المعتقلين هم ممن يقضون عقوباتهم بالفعل. 

سانا/ اف ب
لاجئون سوريون يعودون من لبنان في صورة وزعت في 14 مايو من معبر الزمراني بين لبنان وسوريا

هذه التفاصيل بالغة الأهمية لأن القانون اللبناني ينص على أنه لا يجوز تسليم من لم يصدر حكم بحقه. وبالتالي، يبدو أن عدد السجناء السوريين المؤهلين للتسليم يقتصر على 200-300 فرد، حتى قبل استيفائهم جميع معايير التسليم. ومن الصعب علينا أن نتصور كيف يمكن لهذا العدد الصغير أن يخفف من الاكتظاظ في السجون اللبنانية، وهو الأساس المنطقي الرئيس الذي تم الاستشهاد به في الخطة.

أعرب المدافعون عن حقوق الإنسان عن مخاوفهم من احتمال استغلال الحكومة اللبنانية لعملية التسليم لترحل السوريين بأعداد أكبر

في هذا السياق، يتهم محللون الحكومة اللبنانية باستغلال قضية السجناء السوريين لتأمين تمويل إضافي من المجتمع الدولي. وتنبع شكوكهم من توقيت الإعلان عن الخطة الذي تزامن مع انعقاد أكبر مؤتمر سنوي للمانحين لسوريا والدول المجاورة لها في بروكسل.
يضاف إلى ذلك أن هذا الإعلان يتماشى مع المشاورات بين لبنان ومسؤولي الاتحاد الأوروبي بشأن تدفق اللاجئين إلى أوروبا عبر لبنان. وأدت هذه المناقشات إلى تقديم الاتحاد الأوروبي حزمة مالية بقيمة مليار يورو (1.07 مليار دولار) للبنان دعما لاقتصاده المتعثر ودعما لقواته الأمنية. 
وفسر مراقبون آخرون هذا الإعلان على أنه تكتيك من الحكومة اللبنانية لصرف الانتباه عن عيوبها. وتهدف الحكومة عند تقديم واجهة من التقدم في قضية عودة اللاجئين السوريين، إلى توحيد الفصائل السياسية اللبنانية خلف قضية مشتركة.

استغلال تسليم المجرمين

أعرب المدافعون عن حقوق الإنسان عن مخاوفهم من احتمال استغلال الحكومة اللبنانية لعملية التسليم لترحل السوريين بأعداد أكبر. وقد أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في 25 أبريل/نيسان، تقريرا يسلط الضوء على الطريقة التي اعتقلت بها السلطات اللبنانية السوريين تعسفيا وكيف عذبتهم وأعادتهم قسرا إلى بلدهم في الأشهر الأخيرة. وكان من بينهم نشطاء من المعارضة ومنشقون عن الجيش.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو تزامن توقيت اقتراح التسليم هذا مع حملة أمنية على مخيمات اللاجئين وزيادة عمليات اعتقال السوريين الذين لا يحملون تصاريح إقامة سارية المفعول. ومع ازدياد صعوبة الحصول على وضع قانوني في لبنان أو الحفاظ عليه، يخشى الكثيرون من أن يواجه اللاجئون السوريون الذين لا يحملون وثائق إقامة سارية المفعول المزيد من الاعتقالات والترحيل تحت ستار التسليم، دون الاكتراث بالانتهاكات القانونية وانتهاك حقوق الإنسان.

على الدول المانحة التأكد من أن مساعداتها لا تسمح للقوات الأمنية والعسكرية اللبنانية أن تنتهك حقوق الإنسان

لا يمكن إنكار ما تفرضه الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين من تحديات على لبنان، ولا سيما في سياق الأزمة المالية الحالية المستمرة التي تمر بها البلاد. إلا أن هذه التحديات لا تعفي لبنان من التزاماته القانونية، ولا ينبغي أن تبرر تعريض حياة السوريين للخطر بإعادتهم قسرا.
وبينما يشكل دعم المجتمع الدولي العاجل للبنان أمرا بالغ الأهمية لتخفيف العبء عنه وتوسيع جهود إعادة التوطين، ينبغي على الدول المانحة التأكد من أن مساعداتها لا تسمح للقوات الأمنية والعسكرية اللبنانية أن تنتهك حقوق الإنسان. 
وحده الالتزام الثابت بالحلول المبدئية من يمكننا من حماية حقوق اللاجئين السوريين وكرامتهم، مع معالجة ما يواجه لبنان من تحديات لا ينبغي التغاضي عنها، في الوقت نفسه.

font change

مقالات ذات صلة