وثائق سرية عن خروج عرفات من بيروت

"أبو عمار" فضل أمواج البحر على رياح دمشق في 1982

وثائق سرية عن خروج عرفات من بيروت

تنشر "المجلة" تفاصيل الحصار الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية، بيروت، ومحاضر مفاوضات المبعوث الأميركي فيليب حبيب والرسائل السرية بين الرئيس السوري حافظ الأسد ورئيس "منظمة التحرير الفلسطينية" قبل إسدال الستار عن الوجود العسكري الفلسطيني وانتقال عرفات إلى تونس في أغسطس/آب 1982، إضافة إلى محادثات سورية مع أميركا، بينها زيارة سرية لنائب مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت ماكفرلين إلى دمشق للقاء الأسد في 17 يوليو/تموز 1983، وهي الزيارة التي ثبّتت وجود سوريا العسكري في لبنان إلى حين الانسحاب في أبريل/نيسان 2005.

1- الحلقة الأولى: شارون في سراي بعبدا... والرئيس سركيس يلعب "طاولة الزهر" (1 من 5)

2- الحلقة الثانية: تصاعد الحملات بين الأسد وعرفات... ومبعوث ريغان يقدم خطته لإخراج الفلسطينيين (2 من 5)

3- الحلقة الثالثة: "رسالة طمأنة" من بشير الجميل الطامح للرئاسة إلى الأسد... و"عقد" أمام خطة فيليب حبيب (3 من 5)

4- الحلقة الرابعة: أول رسالة خطية من عرفات للأسد... والرئيس السوري يحذره: أنا لست الرئيس سركيس أو الملك حسين (4 من 5)

5- الحلقة الخامسة والأخيرة: عرفات يستسلم ويغادر بيروت... ومبعوث ريغان يزور دمشق سرا ويلتقي الأسد (5 من 5)

سلسلة الحلقات، التي تنشرها "المجلة" تستند الى وثائق سورية ولبنانية وأميركية عن المفاوضات الماراثونية التي قادها حبيب لإخراج عرفات ومقاتليه من بيروت المحاصرة لتجنيب العاصمة اللبنانية التدمير الذي هدد به رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن ووزير دفاعه آرئيل شارون. كان عرفات قد تعهد لـ"رفاق السلاح" بالقتال لستة أشهر، لكنه أرغم، بنصائح السوفيات وصفقات سورية– أميركية وضغط عسكري إسرائيلي على المغادرة يوم 29 اغسطس 1982.

المجلة

تتضمن هذه الوثائق رسائل خطية مباشرة بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، رغم العداوة الكبيرة بينهما التي استمرت عقودا، بما في ذلك رفض عرفات الخروج من بيروت عبر دمشق إلى المنفى الجديد، وتفضيله أمواج البحر على رياح العاصمة السورية.

كما ننشر "رسائل طمأنة" نادرة من بشير الجميل- قبل انتخابه رئيسا في لبنان- إلى الأسد، عبر وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام في 12 يوليو/تموز 1982 (أصبح نائبا للرئيس في 1984). وقال الجميل إن "دور سوريا يجب أن يبقى ويستمر أخوياً مع لبنان"، طالبا "تحديد الزمان والمكان"، وتكليف من يلزم للمرافقة "إلى دمشق ذهابا وإيابا". وبالفعل، أصبح الجميل رئيسا في 23 أغسطس قبل أن يقتل في 14 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ليذهب كرسي الرئاسة إلى شقيقه أمين الجميل في 22 سبتمبر.

تتضمن الوثائق تقارير من رئيس جهاز الاستخبارات السورية في لبنان عن يوميات حصار بيروت والوضع العسكري والسياسي فيها

ومن القصص اللافتة في الوثائق، أن فاروق أبي اللمع مدير الأمن العام اللبناني القريب من الرئيس إلياس سركيس، توجه إلى القصر الرئاسي اللبناني في يونيو/حزيران 1982 "فوجد الرئيس سركيس والسيد رينيه معوض يلعبان طاولة الزهر فأبلغهما بوجود (وزير الدفاع الإسرائيلي آرئيل) شارون في سراي بعبدا (قريبة من القصر الرئاسي)، فأجابه معوض: دعنا من هذا المزاح، لا وقت للمزاح الثقيل دعنا نتابع اللعب"، بحسب وثيقة.

واستندت هذه الوثائق، التي حصلت "المجلة" عليها، إلى أوراق ومحاضر ورسائل سرية حملها نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام معه إلى باريس عام 2005. وتشمل جوانب كثيرة عن هذا الملف والصفقة السورية- الأميركية بعودة القوات السورية إلى بيروت وتثبيت وجودها في لبنان بعد خروجها من العاصمة مع ياسر عرفات، بينها زيارات حبيب إلى دمشق في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 ورفض الأسد لقاءه، إضافة إلى "زيارة سرية"، تكشف للمرة الأولى، قام بها نائب مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت ماكفرلين إلى دمشق للقاء الأسد في 17 يوليو 1983 وزيارة علنية لوزير الخارجية الأميركي جورج شولتز في 7 مايو/أيار 1983.

الأسد أكد لعرفات عدم إمكانية التساهل في مسألتي الأمن والانضباط: يجب أن يكون واضحا، أنا لست الرئيس سركيس، ولا الملك حسين

وقد جاء في المحضر السري للقاء الأسد- ماكفرلين: " يرى (الرئيس رونالد) ريغان أنه يمكن تحقيق مبدأ الأمن في لبنان بالاتفاق على سحب جميع القوات الأجنبية من لبنان، في وقت واحد وبشكل متزامن. ويتم تحديد علاقات المستقبل بين لبنان وجميع جيرانه ضمن شروط يتفق عليها بشكل ثنائي بين لبنان وكل من هؤلاء الجيران"، فيرد الأسد: "إننا مع رفضنا من حيث المبدأ للربط بين وجودنا ووجود الإسرائيليين في لبنان، أبلغنا أميركا أننا نوافق على الانسحاب من لبنان إذا انسحبت إسرائيل بلا قيد أو شرط وبلا أية مكاسب".
كما تتضمن الوثائق تقارير من جهاز الاستخبارات السورية في لبنان  (العميد غازي كنعان أصبح صاحب الكلمة فيه ثم رئيسا للجهاز خلفا محمد الغانم في 1982) عن يوميات حصار بيروت والوضع العسكري والسياسي فيها، إضافة إلى معلومات وتقارير ومحاضر اجتماعات المبعوث الأميركي في بيروت، والتي كان يوفرها مسؤولون لبنانيون.
وتتضمن رواية مفصلة للمفاوضات التي قادها حبيب "حيث كان يتنقل بين منزل السفير الأميركي وقصر الرئاسة في بعبدا" في وقت كانت بيروت المحاصرة تحت القصف والضغط العسكري الإسرائيلي وصولا إلى خروج عرفات مع قسم من مقاتليه إلى تونس يوم 29 أغسطس 1982 وذهاب آخرين إلى دول أخرى.

غيتي
ياسر عرفات ومعاونيه العسكريين ينظرون إلى خريطة عسكرية في أحد المخابئ السرية في بيروت أثناء الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية عام 1982

وتروي إحدى الوثائق أن الأسد الذي وافق على استقبال سوريا بعض المقاتلين حذّر عرفات بوضوح، إذ إنه "خلال الحديث تعرض الرئيس الأسد لمسألتي الأمن والانضباط، وأكد عدم إمكانية التساهل في هاتين المسألتين، وقال: يجب أن يكون واضحا، أنا لست الرئيس (إلياس) سركيس، ولا الملك حسين"، في إشارة إلى العاهل الأردني وأحداث "أيلول الأسود" في الأردن التي انتهت بإخراج عرفات من الأردن إلى لبنان عام 1970.  بالفعل، لم يخرج عرفات عبر دمشق، وتدهورت علاقاته مع الأسد الذي كثف علاقاته وتحالفاته مع خصوم عرفات في "منظمة التحرير الفلسطينية"، وفتح لهم أبواب دمشق ومعسكراتها.

تكتسب هذه الوثائق أهمية إضافية بالتزامن مع حرب غزة وإشارة محللين إلى احتمال إخراج قيادات من "حماس" بينهم رئيس الحركة يحيى السنوار

وبعد معارك وصفقات تعزز الوجود العسكري السوري في بيروت ولبنان، بعد "اتفاق الطائف" في 1989 وبقي الوجود مستمرا إلى حين انسحاب القوات السورية من لبنان في أبريل/نيسان 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005.

أ ف ب
الدبابات الإسرائيلية تحاصر بيروت في 21 يوليو 1982

وتكتسب هذه الوثائق أهمية إضافية بالتزامن مع حرب غزة وإشارة محللين إلى احتمال إخراج قيادات من "حماس" بينهم رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار وقائد "كتائب القسام" محمد الضيف من قطاع غزة، كما حصل مع عرفات وأكبر مساعديه في بيروت، إذ إن هناك سلسلة من التطابقات والتباينات في الحالتين، بينها أن قادة "حماس" جزء من البيئة الاجتماعية في غزة على عكس مقاتلي عرفات الذي جاءوا إلى لبنان من الأردن عام 1970 ثم انتقلوا إلى دول أبرزها تونس عام 1982.

* غدا، حلقة أول: شارون في سراي بعبدا... والرئيس اللبناني يلعب "طاولة الزهر"

font change

مقالات ذات صلة