يتسلل الكاتب الإيطالي أنطونيو تابوكي إلى أحلام الآخرين، عبر تخيّل مفترض لرؤى تحققت في منامات شعراء وكتاب ورسامين، انتخبهم بدقة وعناية في كتابه "أحلام أحلام: محكيات ملحمية متخيلة"، الذي كان قد ترجمه إلى العربية رشيد وحتى.
يهجس تابوكي في مدخل الكتاب، بالرغبة المحتدمة التي طالما انتابته في التعرف إلى أحلام الآخرين، أحلام المبدعين الذين لم يتركوا أثرا لها في يوميات أو اعترافات أو كراسات، وما من سبيل لتلقّف أثرها الغائب إلا من خلال استدعائها عبر محكيات قصيرة متخيلة، اختار لها الكاتب أن تجتمع في كتاب خاص.
إنها نصوص بديلة على سبيل التعويض، تدوّن أحلامهم بافتراض لا يزعم صاحبها يقين تطابقها مع المنامات الأصليّة، بل يقرّ ويوصي بقراءتها كأوهام شاحبة أو ترميمات بعيدة عن الاحتمال.
الحلم في الكتاب لا يرتهن إلى وجود خطي، أحادي الرؤية، بل يتعدّد ويتلاون ويتباين وفق طريقة كتابته وزاوية الاشتغال عليه. يتأرجح حضوره بين توظيفه كحكاية داخل النص، تنتهي بانتهاء المنام، حيث يذيّل النص متنه السردي بنهاية حتمية هي الاستيقاظ من الحلم، وبين حضوره كمتن سردي يغطي كل النص، أي يتطابق مع القصة، ويصير هو نفسه النص، من الأول حتى المنتهى، وهنا يصعب الفصل بين الحلم والنص، إذ هما معا يتوطآن ويشكلان كيمياء سردية ذات وحدة متكاملة.
فضاء
فضلا عن حضوره عبر وجوه متباينة يتخطى كونه موضوعة، ويصير خلفية وفضاء، تقنية وأداة، أفقا ورؤيا، رمزا وعلامة، يتقصّد المؤلف اختياره الدقيق والواعي لشخوصه، فلا اعتباط يحكم منتخباته المسنونة، مشكّلا منهم – أي الشخوص - المجرات المؤسسة لكون الكتاب. شخوص شاء لهم أن يكونوا مبدعين بالضرورة، ينتمي غالبهم الى حقول الشعر والسرد والرسم، والقلة القليلة منهم إلى الموسيقى والفلسفة والمسرح.