إيهود باراك لـ "المجلة": لست نادما على عملية فردان... و"حماس" لن تسيطر على غزة بعد الآن

رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في حوار موسع عن حرب غزة ومستقبل نتنياهو

بيترشوث/المجلة
بيترشوث/المجلة

إيهود باراك لـ "المجلة": لست نادما على عملية فردان... و"حماس" لن تسيطر على غزة بعد الآن

رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يتحدث إلى "المجلة" في مقابلة خاصة ما إذا كانت العملية الخاصة التي قادها إيهود باراك شخصيا عام 1973 وأدت إلى اغتيال ثلاثة من كبار القادة الفلسطينيين واحدة من أكبر الأخطاء الاستراتيجية منذ نشأة إسرائيل، ذلك أن أقران أولئك الذين قتلهم في لبنان، باتوا اليوم مقبولين دوليا وإقليميا باعتبارهم فاعلين سياسيين وصانعي سلام في المسعى الصعب لحل المعضلة الفلسطينية -الإسرائيلية.

ذهب قائد وحدة القوات الخاصة الإسرائيلية آنذاك إلى بيروت مع أفراد كوماندوز آخرين بعضهم متنكرين بزي وهيئة نساء للقضاء على شخصيات بارزة في منظمة التحرير الفلسطينية. يُطلق الإسرائيليون على تلك المهمة عملية "ينبوع الشباب"، بينما عرفت بين العرب بـ "عملية فردان"، نسبة إلى الشارع الذي تمت فيه العملية، حيث كان يقيم مسؤولون من منظمة التحرير الفلسطينية ومن بينهم كمال عدوان، قائد العمليات في المنظمة ذاتها، التي وقعت مع إسرائيل اتفاقات أوسلو عام 1993، والتي كان من المأمول أن تكون بشيرا بعصر جديد من السلام.

ولمناقشة أثر تلك الاتفاقات اليوم وبعد مرور 51 عاما على "عملية فردان"، أجريت مقابلة مع باراك رئيس الوزراء الأسبق الذي ترك أثرا سياسيا كبيرا ومثيرا للجدل، لمعرفة أفكاره حول إمكانات السلام وما إذا كان نادما على قتل الفلسطينيين الذين كان من الممكن أن يصبحوا اليوم مفاوضي سلام.

لم يبد باراك أسفا أو أي ندم، بل رأى أنه "في الصراعات- خاصة بين الدول أو بين دولة وحركة وطنية تلجأ إلى الإرهاب- يجب اتخاذ قرارات صعبة". وأوضح أن هذه العملية كانت جزءا من الجهود المبذولة لمنع مأساة أخرى مثل عملية ميونيخ للرياضيين الإسرائيليين عام 1972.

يقول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق: "أنت محق في ملاحظتك (أنه قد يكون خطأ استراتيجيا فادحا) من الناحية السياسية، ولكنني لست نادما وأنا لا أنظر إلى الوراء أبدا مسؤوليتنا هي حماية شعبنا والدفاع عنه. لذلك يجب أن يكون الاعتبار الرئيس هو إلى أي مدى يجب أن يكون الهدف بمثابة قنبلة موقوتة، بحيث إذا تركناه إلى نقطة معينة، فإنه سيسبب المزيد من الضرر".

لست نادما على تنفيذ عملية فردان في بيروت العام 1973، وأنا لا أنظر إلى الوراء أبدا

وفي عام 1994، مُنحت جائزة نوبل للسلام مشاركة إلى كل من زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ووزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، الذي خلفه باراك في قيادة حزب العمل عندما دخل السياسة وهزم بنيامين نتنياهو في انتخابات عام 1999.

وفي عام 2000، حاول باراك كرئيس للوزراء تحقيق السلام مع عرفات من خلال مفاوضات في كامب ديفيد ولكنه فشل. وثمة روايتان حول هذا الفشل: واحدة إسرائيلية وأخرى فلسطينية. فأما الإسرائيليون فيذكرون العرض "السخي" الذي قدمه باراك للفلسطينيين، وفي مقدمته دولة فلسطينية في قطاع غزة وأكثر من 90 في المئة من الضفة الغربية وتقاسم المسؤولية في الحرم الشريف/جبل الهيكل في القدس الشرقية. 

في المقابل يقول الفلسطينيون إنهم رفضوا العرض الإسرائيلي لأن إسرائيل كانت ستحتفظ بموجبه بسيطرتها الصارمة على الأرض والاقتصاد والأمن والمستوطنات والقدس القديمة قبل إنشاء إسرائيل.

كان من المفترض أن تؤدي اتفاقات أوسلو لعام 1993 إلى تقريب احتمالات المصالحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى الرغم من أنها أطلقت بالفعل عملية السلام، إلا أن التعايش أصبح بعد ذلك بعيد المنال للغاية. واندلعت انتفاضة فلسطينية في سبتمبر/أيلول 2000، أرجعها الفلسطينيون إلى الإحباط المتزايد من الاحتلال الإسرائيلي والزيارة الاستفزازية التي قام بها آرييل شارون، زعيم حزب الليكود آنذاك، للمسجد الأقصى.

اليوم، لا يوجد سلام ولا توجدعملية لإيجاد هذا السلام المنشود. بل إن بعض الفلسطينيين  يعتبرون  "اتفاقات أوسلو" سببا في إرساء قواعد نظام سياسي واقتصادي فاسد، وحكم قمعي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبعد حلقة من الصراعات/المعارك مع الفصائل الفلسطينية وردا على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت إسرائيل حربا مدمرة على غزة، مما قوض إلى حد كبير مكانتها الدولية وجلب إليها اتهامات بارتكاب إبادة جماعية مدفوعة بالتطهير العرقي.

وأدى الرد الإسرائيلي الشرس– بما في ذلك اغتيال جنرالات إيرانيين في مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في دمشق– إلى جعل احتمال اندلاع حرب متعددة الجبهات في المنطقة احتمالا حقيقيا.

هل كانت اتفاق أوسلو خدعة للفلسطينيين؟ 

إن الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول هي الأسوأ منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، وهو العام الذي يتذكره الفلسطينيون باعتباره عام النكبة. ويقول باراك إن إسرائيل لن تتردد في "القيام بكل ما يلزم" للدفاع عن شعبها، ويعتبر أن الرد الإسرائيلي على هجمات "حماس" مُبرر، ردا على سؤالي إذا كان على حساب قتل أعداد كبيرة من المدنيين وتدمير غزة. ويقول باراك العسكري إن الرد الأخير هو بمثابة رسالة ردع قوية لأي أحد يفكر في مهاجمة إسرائيل، موضحا: "نحن هنا لنبقى، وسنبقى لأجيال طويلة، مع الحفاظ على القوة اللازمة لضمان عدم قدرة أي أحد على إخراجنا من هنا. يجب على إسرائيل أن توضح بما لا يدع مجالا للشك أن (حماس) لا يمكنها السيطرة على قطاع غزة بعد الآن".

كان من المفترض أن تؤدي اتفاقات أوسلو إلى إنشاء دولة فلسطينية تدير حياة الفلسطينيين بشكل مستقل. وهذا لم يتحقق حتى الآن. بل على العكس من ذلك، أصبحت الحياة الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية تحت السيطرة الصارمة لإسرائيل وضمن أراضي وحدود تتضاءل يوما بعد يوم مقارنة بخطوط ما قبل عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة.

يجب علينا ترسيم حدود المستوطنات الكبرى داخل الحدود المستقبلية لإسرائيل

وقد اتسعت المستوطنات اليهودية الإسرائيلية بشكل غير مسبوق منذ اتفاقات أوسلو، حتى إنني قمت شخصيا بإعداد تقرير في شهر ديسمبر/كانون الأول من خارج مستوطنة بيت إيل الصهيونية الدينية في شمال رام الله، وهي منطقة من المفترض أنها تخضع للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية وفقا لاتفاق أوسلو الثاني الموقع عام 1995.

وبموجب اتفاقات عام 1993، وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف بدولة إسرائيل، ولكن دون التزام، في المقابل، من المفاوضين الإسرائيليين بالاعتراف بدولة فلسطينية استنادا لحدود عام 1967 ووفقا للقانون الدولي.

فهل كانت عملية أوسلو مرحلة انتقالية أم خداعا للفلسطينيين؟ سألت باراك.

أجاب قائلا: "في عين الناظر لا يوجد قياس موضوعي. وبسبب هذا الرصد، فإن الأشخاص الذين كانوا في عملية أوسلو من الجانبين يدركون جيدا ضرورة تشكيلها على مراحل، كل مرحلة تجعل الوضع مقبولا إلى حد ما لجميع الأطراف، وتمكن الجانبين من إدراك المزايا. ومن الممكن أن تختفي العيوب إذا وضعت موضع التنفيذ بشكل صحيح".

لكن المشروع الاستيطاني شهد نموا غير مسبوق منذ اتفاقات أوسلو، وأصبح أمرا مقبولا وطبيعيا بالنسبة لكثير من الإسرائيليين، على الرغم من أن الفلسطينيين والمجتمع الدولي بشكل عام ينظرون إليه على أنه غزو استعماري للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. فماذا يجب أن يحدث للمستوطنات الأيديولوجية وغير الأيديولوجية في الضفة الغربية المحتلة اليوم، والتي أصبحت رمزا للاحتلال الإسرائيلي؟ إن سياسة المكان مهمة في القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

أجاب باراك: "يجب علينا ترسيم حدود المستوطنات الكبرى داخل الحدود المستقبلية لإسرائيل، وهو ما سيلبي الاحتياجات الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل ومعظم المستوطنين... في المناقشات السابقة، كانت هناك خلافات حول ما إذا كان ينبغي أن تشكل الأراضي الفلسطينية 70 في المئة من الضفة الغربية، أو 90 في المئة وأكثر، لأنه، وحتى في إسرائيل، هناك من يجادل بأنه حتى نسبة صغيرة من أراضي الضفة الغربية ستكفي لاستيعاب حوالي 80 في المئة من المستوطنين".

وفيما يتعلق بقطاع غزة، فمن المتوقع أن تكون هناك منطقة عازلة إسرائيلية بعد انتهاء الحرب، وهو ما يعني عمليا إعادة ترسيم الحدود السياسية المستقبلية للأراضي المحتلة في حالة توصَّل الجانبان إلى اتفاق سلام.

لكن باراك منفتح على أي حل آخر يضمن الأمن لإسرائيل، بما في ذلك ما يقترحه كقوة عربية متعددة الجنسيات بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.

ويقول: "لدى إسرائيل ضرورة ملحة لضمان تمكن مواطنينا من النوم بأمان في أسرتهم ليلا دون توقع إمكانية إيقاظهم من قبل أشخاص همجيين أو إرهابيين بهدف قتلهم. التهديد الحقيقي لـ(حماس) والسنوار اليوم ليس عملية عسكرية أخرى في رفح أو أي مكان آخر، بل في تسليم إسرائيل لقطاع غزة إلى جهة أو قوة أخرى تتولى زمام السلطة فيه".

ويرى باراك أن الوزراء المتطرفين في الحكومة الحالية يشكلون خطرا كبيرا وتهديدا حقيقيا لأي سلام مع الفلسطينيين والعرب. وكان سلفه رابين قد تعرض للاغتيال عام 1995 في تل أبيب على يد متطرف يهودي إسرائيلي بسبب تأييده للسلام مع الفلسطينيين، مما كشف عن الفجوة المتزايدة الاتساع في إسرائيل بين اليمين واليسار الصهيوني... يقول باراك: "لن يُحلَّ هذا الصراع في السماء، بل يجب أن يُحلَّ على الأرض".

ولا يزال باراك متفائلا بعض الشيء. ويقول: "عليك أن تتخذ القرار الأصعب والأقسى لصنع السلام. سيأتي الوقت لصنع السلام وفك الارتباط مع الفلسطينيين. وكنت أقول إننا دائما نمد اليد اليسرى التي تحاول فتح باب السلام، وفي الوقت نفسه يدنا اليمنى جاهزة وقريبة من الزناد لسحبه، ذلك أننا نقف في منتصف الطريق. إنه جوار صعب".

font change

مقالات ذات صلة