العالم ينفق أمواله على السلاح ويستعد لمزيد من الحروب

2,4 تريليون دولار الإنفاق العسكري العالمي في 2023 على حساب التنمية والدول الفقيرة

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
نموذج حقيقي لطائرة قتالية صينية من دون طيار، في معرض الدفاع الدولي في العاصمة العراقية بغداد، 21 أبريل 2024.

العالم ينفق أمواله على السلاح ويستعد لمزيد من الحروب

يبدو أن عالمنا لا يزال مشغولاً بالحروب والنزاعات والحروب الأهلية ورصد الأموال الطائلة من أجل اقتناء الأسلحة والمعدات الحربية وبذل الملايين في الجيوش والميليشيات. هذه الأموال التي أنفقت على الصراعات التي لا طائل منها، كان يمكن توجيهها في قنوات التنمية الاقتصادية والتعليم والرعاية الصحية وتطوير البنى التحتية في مختلف دول العالم واستصلاح الأراضي الزراعية وإنتاج الطاقة الكهربائية وتطوير الموارد المائية.

أصدر معهد ستوكهولم العالمي لبحوث السلام، في أبريل/نيسان الماضي تقريرا أشار فيه إلى أن إجمالي الانفاق العسكري في عام 2023 بلغ 2,4 تريليون دولار، بزيادة قدرها 6,8 في المئة عن مستوى الإنفاق في عام 2022.

وأكد التقرير أن هذا الإنفاق تصاعد في مناطق العالم كافة. فقد شهدت أوروبا زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري بعد الحرب الروسية الأوكرانية، كذلك ظلت المناطق الأخرى في آسيا والشرق الأوسط تسابق في معدل نمو الانفاق العسكري خلال العام المذكور.

في عام 2023 بلغ الانفاق العسكري الإجمالي 2,4 تريليون دولار بزيادة نسبتها 6,8 في المئة عن مستوى الإنفاق في عام 2022

معهد ستوكهولم العالمي لبحوث السلام

تؤكد هذه البيانات مدى تدهور الأوضاع الأمنية في هذا العالم وتراجع فرص السلام والتنمية في دول عدة، بحيث تولي دول كثيرة أهمية للعسكرة والتسلح، وتخصص لذلك الموارد المالية الكبيرة على حساب مشاريع التنمية والإصلاح الاقتصادي والارتقاء بمستويات المعيشة.

ديانا استيفانيا روبيو

إقرا أيضا: "الناتو" يعزز موازنته للدفاع

رفعت الحرب الأوكرانية الروسية الإنفاق العسكري في روسيا إلى 109 مليارات دولار في عام 2023 وبنسبة 24 في المئة عن العام السابق، وما يمثل ارتفاعاً بنسبة 57 في المئة منذ عام 2014 عندما احتلت روسيا جزيرة القرم. يشكل الإنفاق العسكري في روسيا 16 في المئة من الإنفاق الحكومي، و5,9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. أما أوكرانيا، التي أصبحت ثامن دولة من حيث مستوى الإنفاق على العسكرة والتسلح في عام 2023، فقد زادت إنفاقها بنسبة 51 في المئة ليبلغ 64,8 مليار دولار، ما يعادل 58 في المئة من إجمالي الانفاق الحكومي.

سباق تسلح

هذا السباق في الإنفاق العسكري بين البلدين المتحاربين حالياً، كان يمكن أن يعزز التنمية، وربما يطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين لو كان الخيار متناغماً مع طروحات السلام والازدهار. العسكرة لا تؤدي فقط إلى تسخير موارد مالية كبيرة لاقتناء السلاح، ولكن، أيضا، إلى تجنيد عشرات الآلاف من المواطنين وحرمان القطاعات الاقتصادية من إمكاناتهم المهنية وتعطيل المؤسسات الاقتصادية نتيجة فقدانها العمالة المناسبة. 

روسيا وأوكرانيا تعانيان من مشكلات ديموغرافية، حيث أن معدل النمو السكاني متواضع ومتراجع، في وقت تبقى أعداد المواطنين القادرين على حمل السلاح والانخراط في النزاع محدودة، مما يدفع إلى تجنيد مواطنين من فئات عمرية أكبر ودفعهم بعيداً عن أعمالهم في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية. وقد اتخذت روسيا وأوكرانيا إجراءات غير اعتيادية ومثيرة للجدال، ومنها تجنيد السجناء في روسيا وقيام السلطات الأوكرانية بوقف تجديد جوازات سفر الأوكرانيين خارج البلاد والضغط عليهم للعودة والانخراط في الخدمة العسكرية.

دفعت الحرب في أوكرانيا الدول الأوروبية الى تعديل سياساتها وتبني موازنات دفاعية غير مسبوقة

دفعت الحرب في أوكرانيا الدول الأوروبية إلى تعديل سياساتها وتبني موازنات دفاعية غير مسبوقة. ألمانيا، التي تعهدت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بخفض الإنفاق على الدفاع، شهدت مطالبات بعد بداية الحرب الأوكرانية الروسية في فبراير/شباط 2022 بتخصيص المزيد من الأموال للإنفاق العسكري وتعزيز موازنة حلف شمال الأطلسي. اعتمدت الحكومة الألمانية مخصصات لعام 2024 تقدر بـ51,8 مليار يورو، كما أن هناك صندوقا خاصا لإعادة النظر في السياسات الدفاعية والعلاقات الخارجية بقيمة 100 مليار يورو، تم إقراره بعد بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا. هناك مخاوف في العديد من الدول الأوروبية، خصوصاً في بولندا ودول البلطيق من تمكن روسيا من كسب حربها على أوكرانيا واحتلال أجزاء منها، مما يعني تهديدات مباشرة ووجودية لعدد من دول الجوار. في ظل هذه المخاوف والتعقيدات في العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي والتوجس من عدم استمرارية الدعم الأميركي لأوكرانيا في المستقبل، تسعى دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وبولندا، بالاضافة إلى بريطانيا، إلى تبني سياسات أمنية لحماية أوضاعها واستقلالها، بعدما صدرت تصريحات من مسؤولين روس تزيد المخاوف والحذر من إمكان غزو روسيا لدول أوروبية أخرى إذا ما تمكنت من كسب الحرب في أوكرانيا.

أ.ف.ب.
تحميل مركبات عسكرية روسية قبل العرض العسكري ليوم النصر في ذكرى الـ79 لانتصار الاتحاد السوفياتي على ألمانيا النازية في وسط موسكو، 26 أبريل 2024.

الأوضاع الأوروبية المستجدة، توازيها أوضاع صعبة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا تزال الحرب الاسرائيلية على غزة مشتعلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يذكر أن الإنفاق العسكري في دول الشرق الأوسط بلغ 200 مليار دولار في عام 2023، وهو يعد الأعلى خلال العقد المنصرم. خصصت إسرائيل 27,5 مليار دولار للإنفاق العسكري في العام المنصرم، بزيادة بنسبة 24 في المئة عن عام 2022. ووفقا للتقرير، ارتفع الانفاق العسكري في المنطقة بنسبة 10 في المئة في عام 2023 وجاءت السعودية وإسرائيل وتركيا كأهم ثلاث دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث تخصيص الموارد المالية. تعتبر السعودية خامس دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري بموازنة قدرها 75,8 مليار دولار، أما إسرائيل فخصصت كما سبق ذكره 27,5 مليار دولار في حين خصصت تركيا 15,8 مليار دولار. 

لا شك أن السعودية تواجه أخطارا مهمة منذ تولي رجال الدين السلطة في إيران عام 1979، ونشوب الحرب العراقية الإيرانية، ثم التدهور الأمني في اليمن حيث شكل الحوثيون خطراً أمنياً على السعودية ودول الخليج الأخرى وحرية الملاحة في البحر الأحمر. لا شك أن التمكن من إنهاء الأخطار والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط والتمكن من وضع نهاية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، يعزز استتباب الأمن والسلام، ويدفع دول الخليج إلى تخصيص الموارد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوجيه المزيد من المساعدات للدول العربية الأخرى.

95 مليار دولار هو مبلغ ضخم كان يمكن توجيهه لدعم التنمية في الدول النامية أو الفقيرة، لكن السياسة العالمية لا تزال تخضع للصراعات والخلافات بين الدول وغطرسة القوة ومحاولات الهيمنة وإخضاع الشعوب للقبول بممارسات غير عادلة

النزاعات المشار إليها، والتوترات في بحر الصين، دفعت الكونغرس الأميركي، وبعد مجادلات طويلة، إلى اعتماد 95 مليار دولار لدعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان. لا شك أن هذا المبلغ الضخم كان يمكن توجيهه لدعم التنمية في الدول النامية أو الفقيرة، لكن السياسة العالمية لا تزال تخضع للصراعات والخلافات بين الدول وغطرسة القوة ومحاولات الهيمنة وإخضاع الشعوب للقبول بممارسات غير عادلة. ولا شك أن هناك مؤسسات تدعم سياسات الإنفاق العسكري، وهذه المؤسسات تمكن الكثير من الأفراد من زيادة ثرواتهم. المراهنة على تطبيق سياسات عقلانية في العلاقات بين الدول بما يحد من النزاعات من ثم من الحاجة إلى الإنفاق العسكري، مسألة معقدة وصعبة. بيد أن الشعوب التي لا تزال تعاني من الاضطهاد والتخلف والنزاعات غير السوية والعصبيات القومية والدينية، يجب أن تفكر ملياً في مستقبل أجيالها وكيف يمكن أن تتجاوز الصراع والاستقطاب من أجل مستقبل واعد وسلام دائم. 

هناك من اقتنع بأن الحروب تفيد الأعمال والأنشطة الاقتصادية، ويدل في ذلك إلى النتائج التي تحققت بعد الحروب في دول عدة على مدى التاريخ. أهم الأمثلة، ما نتج من دخول الولايات المتحدة في الحربين العالميتين على اقتصادها، وخصوصاً في الحرب العالمية الثانية بعد أزمة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن العشرين.

إقرأ أيضا: الطائرات المسيرة الانتحارية... أحدث أسلحة الأسد الفتاكة

لكن هذه المبررات المرعبة للحرب، تتجاهل ما كان يمكن أن يتحقق لو تم استثمار هذه الأموال المخصصة للإنفاق العسكري في مشاريع بنية تحتية ومصانع ومزارع أو بيوت سكنية أو تحسين الأوضاع التعليمية أو تطوير الرعاية الصحية. كم من الدول كان يمكن أن تستفيد من تلك الأموال؟ السؤال الكبير هو هل المصالح النفعية التي تتحكم بالكثير من المتنفذين في عالمنا، ستمكن من تفضيل التفكير العقلاني على حساب المصالح والخلافات العبثية التي لا تزال تحطم آمال الشعوب؟

font change

مقالات ذات صلة