زيلنسكي... "خادم الشعب" بين مطرقة الأحكام العرفية وسندان الانتخابات

لولا الغزو الروسي لأوكرانيا لكان من الممكن أن يجد نفسه يغادر منصبه قريبا

أكسيل رانغل غارسيا/المجلة
أكسيل رانغل غارسيا/المجلة

زيلنسكي... "خادم الشعب" بين مطرقة الأحكام العرفية وسندان الانتخابات

لولا الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، لكان من الممكن أن يجد فولوديمير زيلنسكي نفسه، وهو الرئيس المنتخب ديمقراطيا في البلاد، يغادر منصبه هذا الأسبوع مع انتهاء فترة ولايته التي تبلغ خمس سنوات، والتي تنتهي رسميا يوم 21 مايو/أيار 2024.

انتخب زيلنسكي لأول مرة صيف 2019، وذلك عندما فاز حزبه "خادم الشعب" بأكبر تصويت لأي حزب في تاريخ أوكرانيا، بدا احتمال نشوب حرب شاملة مع روسيا بعيدا.

على الرغم من وقوع مناوشات من حين لآخر بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا شرقي أوكرانيا، حيث احتلت القوات الروسية مساحات شاسعة من الأراضي عام 2014، كانت أولوية زيلنسكي الرئيسة تكمن في إعادة تنشيط محادثات السلام بناء على اتفاق مينسك الذي كان يهدف إلى إنهاء الأعمال العدائية.

قبل دخوله السياسة، كان زيلنسكي يعتبر مبتدئا سياسيا، واشتهر ببطولة مسلسل تلفزيوني ساخر حمل عنوان "خادم الشعب"، حيث أصبحت شخصيته عن طريق الصدفة رئيسا لأوكرانيا.

وكان بترو بوروشينكو، الرئيس السابق الذي هُزم بشدة في انتخابات 2019، قد حذر الناخبين من أن بديله يفتقر إلى الخبرة الكافية للوقوف بشكل فعال في وجه روسيا.

ورد زيلنسكي، الذي كان يبلغ من العمر 41 عاما فقط عندما انتخب رئيسا، بإعلانه أنه "سيعيد إطلاق" محادثات السلام مع الانفصاليين الذين يقاتلون القوات الأوكرانية والمتطوعين في الشرق.

وقال: "أعتقد أنه سيكون لدينا تغييرات على صعيد العاملين. وعلى أي حال سنواصل في اتجاه محادثات مينسك [السلام] ونتجه نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار".

إن أي أمل باقٍ لدى زيلنسكي في إيجاد حل سلمي للمسألة الأوكرانية الشرقية قد انتهى بشكل قاطع بعد أن شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزوه لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

ونتيجة لذلك، علقت العمليات السياسية الطبيعية في أوكرانيا، مثل الانتخابات، حتى تتمكن البلاد من حشد كل مواردها لكسب الحرب. ما يعني أن الانتخابات لاختيار رئيس أوكراني جديد لن تعقد، ما يثير عدة تساؤلات، خاصة في روسيا، حول شرعية استمرار زيلنسكي في منصبه.

اتهم زيلنسكي الكرملين في فبراير/شباط من هذا العام بتمويل حملة تدعي أن رئاسته لن تعتبر شرعية اعتبارا من هذا الشهر. وقبل ​​أسابيع فقط من حصول بوتين نفسه على عقد ثالث كامل من الحكم في روسيا، عندما فاز في المسرحية الانتخابية المعدة بأغلبية ساحقة في نتيجة كانت متوقعة سلفا، راحت روسيا تروج للحجة القائلة بأن صلاحيات الرئيس الأوكراني الحالي ستنتهي بموجب الدستور في 21 مايو ولا توجد طريقة شرعية لتمديدها.

نقلت وكالة "تاس" للأنباء الروسية عن ألكسندر دوبينسكي عضو الفيركوفانا رادا (البرلمان الأوكراني)، المحبوس حاليا في مركز احتجاز سابق للمحاكمة بتهمة خيانة الدولة، قوله: "تنتهي صلاحيات رئيس أوكرانيا اعتبارا من ليلة 20-21 مايو 2024 ولا يمكن تمديدها، في حين يمكن تمديد صلاحيات الفيركوفانا رادا. بعد 20 مايو، سيكون الرادا شرعيا، لكن الرئيس لن يكون كذلك".

أعرب سياسيون أوكرانيون يمثلون الحكومة والمعارضة عن شكوكهم في جدوى إجراء انتخابات عام 2024، مشيرين إلى مخاوف بشأن الأمن والناخبين النازحين

ويرى دوبينسكي أن الوضع الوحيد الذي يستطيع فيه الرئيس الاستمرار في أداء واجباته بعد انتهاء ولايته هو خلال الفترة التي تسبق تولّي الرئيس المنتخب لمنصبه. لكن ذلك يتطلب انتخابات تُعقد ورئيسا جديدا يجري انتخابه. وفي الوقت الحالي، في ظل الأحكام العرفية، التي مددت مرة أخرى في أوكرانيا، من المستحيل إجراء انتخابات.

خلال مؤتمر صحافي أعقب مؤتمر أوكرانيا عام 2024 في فبراير، قال الرئيس زيلنسكي: "أرى هذا موقفا خائنا بخصوص أوكرانيا. إنها حملة حقيقية، وهناك أدلة تؤكد ذلك: إنها حملة من قبل روسيا الاتحادية. كما أنني أعلم أن بعض الصحافيين الأميركيين يمكنهم الوصول إلى هذه الأدلة أيضا. حتى إن هذه الوثائق تحدد المبالغ المالية التي دفعت أو سوف تدفع لبعض المؤسسات لإثارة هذه القضية. لن أقول [من]، لكني رأيتهم".

وكان من المفترض أن تجرى الانتخابات البرلمانية في أوكرانيا في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لكن أصبح من المستحيل إجراؤها بسبب فرض الأحكام العرفية التي مددت مرة بعد أخرى منذ فبراير 2022. ووفقا للدستور، كان ينبغي إجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا في شهر مارس/آذار من هذا العام، وقد بدأ كثير من المحللين في التكهن حول إمكانية إلغائها أو سبل إقامتها في ظل الظروف الراهنة.

وأعرب السياسيون في أوكرانيا الذين يمثلون كلا من الحكومة والمعارضة عن شكوكهم في جدوى إجراء انتخابات عام 2024، مشيرين إلى مخاوف بشأن الأمن والناخبين النازحين. حيث تسيطر روسيا على حوالي 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية ولاذ ملايين الأوكرانيين بالفرار من بلادهم. ومن بين التحديات الأخرى البنية التحتية المتضررة، وسجل الناخبين القديم، والحقوق المقيدة بموجب الأحكام العرفية، ونقص الأموال.

أ ف ب
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتصافحان قبل اجتماع على هامش الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، 19 سبتمبر 2023

ينص الدستور الأوكراني على أن فترة ولاية الرئيس لا تنتهي إلا عندما يؤدي خلفه اليمين، ما يشير إلى أن زيلنسكي يمكنه الاستمرار في العمل كرئيس حتى بعد انتهاء فترة الخمس سنوات الأصلية التي انتخب لها.

وعندما انتخب زيلنسكي لأول مرة عام 2019، أكسبته منصة مكافحة الفساد دعما واسعا، وتُرجمت متابعته الكبيرة على الإنترنت إلى قاعدة انتخابية صلبة.

ولد زيلنسكي لأبوين يهوديين في مدينة كريفي ريه الصناعية جنوبي أوكرانيا، ونشأ كمتحدث روسي أصلي، لكنه اكتسب أيضا طلاقة في اللغتين الأوكرانية والإنكليزية. في عام 1995 التحق بمعهد كريفي ريه الاقتصادي، الحرم الجامعي المحلي لجامعة كييف الوطنية الاقتصادية، وفي عام 2000 تخرج حاصلا على درجة في القانون.

يعتقد ما يقرب من 70 في المئة من الأوكرانيين أن زيلنسكي يجب أن يبقى في منصبه طوال مدة الأحكام العرفية وتأجيل الانتخابات حتى يتم رفعها

على الرغم من أن زيلنسكي كان مرخصا له بممارسة القانون، فإنه ومنذ أصبح ناشطا في المسرح عندما كان طالبا، أصبح هذا هو محور اهتمامه الأساسي حتى عام 2014. وبعد ذلك، مع تعثر الاقتصاد الأوكراني وانخفاض معدلات تأييد الرئيس الحالي بوروشينكو بشكل كبير، دخل أكثر من ثلاثين مرشحا السباق نحو الرئاسة، وبالفعل برز زيلنسكي كواحد من المرشحين الأوائل منذ لحظة إعلان ترشحه.

انتُخب زيلنسكي رئيسا لأوكرانيا بنسبة 73 في المئة من الأصوات. وبعد وقت قصير من فوزه، واجه أول تحد كبير له في السياسة الخارجية عندما أعلن بوتين عن خطط لتقديم جوازات سفر روسية للمواطنين الأوكرانيين في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في شرق أوكرانيا التي مزقتها الحرب.

وكانت الحرب الهجينة المدعومة من روسيا في هذه المنطقة تدخل عامها الخامس، ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الأوكرانيين. وسخر زيلنسكي من عرض بوتين، وردّ على عرضه بعرض مقابل في منشور له على "فيسبوك" بمنح الجنسية الأوكرانية للروس وغيرهم من الشعوب التي "تعاني من أنظمة استبدادية أو فاسدة".

وفي أواخر عام 2021، بدأت روسيا في حشد هائل للقوات والذخيرة على طول حدودها مع أوكرانيا. وأُرسلت قوات روسية إضافية إلى بيلاروسيا– ظاهريا لإجراء تدريبات مشتركة مع جيش ذلك البلد– وجرى تجميع أسطول بحري روسي كبير في البحر الأسود. وحذرت وكالات الاستخبارات الغربية من أن هذه التحركات كانت مقدمة واضحة للغزو، رغم أن بوتين نفى أي نية لديه لذلك. واستمرت المفاوضات بين القادة الغربيين وبوتين وزيلنسكي، لكن الاستعدادات العسكرية الروسية استمرت.

في 21 فبراير/شباط 2022، أعلن بوتين اعترافه بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من جانب واحد، وأرسل "قوات حفظ سلام" إلى هاتين المنطقتين. وردا على ذلك، فرض الزعماء الغربيون جولة جديدة من العقوبات.

رويترز
الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، 20 فبراير 2023

وفي ساعات الصباح الباكر من يوم 24 فبراير، وجه زيلنسكي نداء متلفزا من أجل السلام مباشرة إلى الشعب الروسي. ولكن بوتين رد عليه، بعد ذلك بوقت قصير، بإعلانه عن بداية "عملية عسكرية خاصة"، وبدأت صواريخ كروز الروسية في استهداف أوكرانيا.

استجلب الغزو الروسي لأوكرانيا إدانات من معظم زعماء العالم، ودخلت القوات الروسية والمركبات المدرعة أوكرانيا من ثلاثة محاور: روسيا، وشبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا، وبيلاروسيا، ما تسبب في سقوط كثير من الضحايا العسكريين والمدنيين في اليوم الأول من القتال. وبينما أعلن زعماء العالم عن عقوبات صارمة على نحو متزايد ضد روسيا، حاول زيلنسكي حشد الدعم الدولي، محذرا من أن "ستارا حديديا جديدا" كان ينسدل على أوروبا.

يعتقد ما يقرب من 70 في المئة من الأوكرانيين أن زيلنسكي يجب أن يبقى في منصبه طوال مدة الأحكام العرفية وأنه يجب تأجيل الانتخابات حتى يتم رفعها، وفقا لمسح أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع في فبراير. لقد وجدت استطلاعات الرأي باستمرار أن غالبية الأوكرانيين يعتقدون أنه لا ينبغي إجراء الانتخابات إلا بعد انتهاء الحرب.

يدرك زيلنسكي أن قدرته على الاستمرار في الاعتماد على الدعم الأميركي ستعتمد على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة

ووفقا لاستطلاع المعهد، يعتقد 15 في المئة فقط من المشاركين أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تجرى في وقتها، بينهم 4 في المئة يعتقدون أنه يجب تعليق الأحكام العرفية مؤقتا و11 في المئة يعتقدون أنه يجب تعديل الأحكام العرفية للسماح بإجراء الانتخابات. ولكن قرابة 10 في المئة إضافيين يرون أن سلطة زيلنسكي الرئاسية يجب أن تنتقل إلى رئيس البرلمان الأوكراني، رسلان ستيفانشوك، بعد انتهاء فترة ولاية زيلنسكي. وبموجب هذا السيناريو، سيمارس ستيفانشوك السلطة الرئاسية حتى إجراء انتخابات جديدة.

ولعل زيلنسكي قد وجد بعض التشجيع من الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي، حيث سعى الأخير إلى طمأنة الأوكرانيين برسالة مباشرة إلى الكاميرا: "أنتم لستم وحدكم. نحن معكم اليوم، وسنبقى إلى جانبكم"، وسط هجوم روسي جديد بمساعدة كوريا الشمالية وإيران والصين.

ووصف الوزير بلينكن إصلاحات التعبئة الأخيرة في أوكرانيا بأنها "قرار صعب، ولكنه ضروري"، مشيدا بأولئك الذين بادروا لخدمة بلادهم. وأثنى  على قدرتهم على منع بوتين من تحقيق "هدفه المتمثل في محو أوكرانيا من الخريطة"، مذكرا بأن الولايات المتحدة ستستمر في دعم أوكرانيا، بما في ذلك من خلال "تقريب أوكرانيا من (الناتو) ثم ضمها إليه".

كما تعهد "بجعل روسيا تدفع تكاليف تعافي أوكرانيا وإعادة إعمارها" جزئياً من خلال الاستيلاء على الأصول الروسية في الخارج وتجميدها. واختتم بلينكن كلمته بالإشادة بأوكرانيا لأنها "تسير إلى الأمام" فيما ترجع جارتها "بالزمن القهقرى"، مضيفا أن بوتين لم يعط الروح الأوكرانية المقاتلة حقها، وسيفشل في النهاية نتيجة لذلك.

وفيما يستمر زيلنسكي في منصبه رئيسا لأوكرانيا، فإنه يرحب بالتأكيد بهذه التطمينات، سوى أنه يدرك تمام الإدراك، مع ذلك، أن قدرته على الاستمرار في الاعتماد على دعم الولايات المتحدة لجهوده الحربية الرامية إلى هزيمة روسيا ستعتمد اعتمادا كبيرا على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

font change

مقالات ذات صلة