لعل السمة البارزة للبيان الختامي للقمة العربية التي انعقدت في البحرين الخميس، 16 مايو/أيار الجاري، أنه ينسجم أو يتفاعل مع طبيعة الأحداث في المنطقة، وتحديدا في قطاع غزة، لناحية أنّ الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني بلغت مرحلة أصبح معها كل تطور جزئي فيها متصل بنهائياتها وبما سيليها من ترتيبات سياسية وأمنية في القطاع المحاصر. بمعنى أنّ البيان جمع في تعاطيه مع تلك الحرب بين أحداثها الراهنة، وبالتحديد دعوته إسرائيل للانسحاب من رفح، وبين المقاربة بعيدة المدى للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أي ما بات يعرف اصطلاحا بـ"اليوم التالي"، بدءا بإدارة قطاع غزة بعد الحرب وصولا إلى التسوية الشاملة للصراع.
تماما كما أنّه لا يمكن فصل أي تطور آني في حرب غزة عن مآلاتها وغاياتها الإسرائيلية، فضلا عن مخططات "حماس" والسؤال ما إذا كانت الحركة الفلسطينية قد خرجت من صراع البقاء إلى صراع الوجود، أي ما إذا كان عقلها السياسي والأمني يتصرف على قاعدة أن تهديد إسرائيل بالقضاء عليها قد أصبح وراءها، وبالتالي عليها الآن أن تخطط لكيفية الحضور في ترتيبات "اليوم التالي"، مع ما قد يعنيه ذلك بالدرجة الأولى من تجاذب بل وصراع فلسطيني. لكن في مطلق الأحوال فإن "حماس" لم تفصح على نحو "رسمي" بعد عن رؤيتها لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب ولمستقبلها فيه، إلا ما أعلنه القيادي فيها خليل الحية عن أن الحركة مستعدة لهدنة مع إسرائيل لمدة خمس سنوات، وأنها مستعدة لإلقاء السلاح لقاء قبول إسرائيل بحل الدولتين. لكن مجرد طرح الأمرين معا هو دليل دامغ على أن "حماس" لا تزال في مرحلة المناورة، وهذا متوقع لأن الحرب لم تنته بعد وقد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة.
التعاطي مع أطراف الصراع
بيد أن الأكيد أن الإعلان الختامي لقمة البحرين قد أحاط، وإن بطريقة غير مباشرة، بكل هذه التحديات بل واستبقها برسم خريطة طريق للحل تشمل وتتعاطى مع أطراف الصراع كافة وتحمّل مجلس الأمن الدولي بالدرجة الأولى مسؤولية تنفيذها. فهو بدأ بالتأكيد على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فورا، وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع مناطق القطاع، وجدد رفض أي محاولات للتهجير القسري للشعب الفلسطيني، وانتهى بالدعوة إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين. كما أكد على المسؤولية التي تقع على عاتق مجلس الأمن، لاتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين. وشدّد على ضرورة وضع سقف زمني للعملية السياسية وإصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
وبين هذا وذاك فقد أدان البيان عرقلة إسرائيل لجهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإمعانها في التصعيد العسكري من خلال إقدامها على توسيع عدوانها على مدينة رفح الفلسطينية، مطالبا إياها بالإنسحاب منها. كما دعا في المقابل كافة الفصائل الفلسطينية - وهو يقصد "حماس" بالدرجة الأولى - للانضواء تحت مظلة "منظمة التحرير الفلسطينية"، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والتوافق على مشروع وطني جامع ورؤية استراتيجية موحدة لتكريس الجهود لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته الوطنية المستقلة.